الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلتهاب الحلق

مجدي عياد فرج

2015 / 5 / 14
الادب والفن


يستيقظ البعض منزعجا من صوت منبه ، عين مغمضه ويد تبحث عن مصدر الصوت حتي تصطدم به وتعبث به حتي يصمت. البعض الآخر يستيقظ علي صوت أمه أو قبله من حبيبته.
اما انا في ذلك اليوم او الحلم استيقظت بسبب لسعه خفيفه ساخنه علي خدي ، فتحت عيناي قليلا فشعرت بأن كل فتونات الكون تحاول إختراق شبكية عيني ، فأغمضتها وابتدأت اتحسس بيدي ما حولي ، لم اجد سوي رمال ساخنه ، رفعت وجهي فأنتهت اللسعه وأدرت نفسي 180 درجه فأستطعت أن أفتح عيني تدريجيا ، رمال صفراء تلمع من كل الجهات إلا تلك التي يسقط عليها ظلي ، اما السماء فهي اشبه ببلازما كثيفه ساخنه تشع أمام وجهي.

بالطبع فكرت أن أخرج من هنا ، لم اختر واجهتي فلابد لي أن امشي في الاتجاه الذي استطعت أن افتح عيني ناحيته وإلا احرقت الشمس وجهي ، مشيت بضعة كيلومترات ولم يتغير المنظر إلا طفيفا ، شعرت بالعطش والارهاق ، عندها شعرت بحزام يطوق بطني مثقلا من الناحيه اليسري فيجعل توازني يختل قليلا اثناء سيري. حققت التوازن وانزلت الحقيبه واخرجت منها زجاجة مياه ، لم اجد بها إلا بضعة قطرات من الماء الدافي. جلست لأسترح قليلا ثم مضيت في طريقي ، هناك شيئا مختلف ظهر في الخلفيه الصفراء اللامعه التي أسبح أمامها ، ركضت ناحيته واذ بعين ماء صغير متفجر ، إقتربت والزجاجه الفارغه في يدي فأكتشفت وجود ديدان صغيره في الماء. صدمت وبعد مرور قرابة الساعه قلت لنفسي أليس هذا افضل من الموت عطشا؟! ملأت الزجاجه ولكني لم أستطع ان أشرب منها إلا عندما ابتعت كثيرا عن العين.
وضعتها علي فمي ومالبس ان إنساب الماء في فمي فتذكرت منظر الديدان فبصقت الماء سريعا وألقيت الزجاجه بعيدا عني وصرخت ظمأ.
مضيت في طريقي حتي شعرت بأنني قطعت سنوات ضوئيه ، هل خرجت من مجرتنا ؟!
مره أخرى يتغير المنظر قليلا بظهور شئ أشبه بشمس صغيره بعيده موضوعه علي الأرض ، يصدر عنها ضوء أبيض مزرق بارد شدني إليه. رغم إني كنت أكاد أن أسقط من العطش والإنهاك ، إلا أنني ركضت بهمه نحو تلك الشمس الصغيره التي أستطيع أن النظر إليها دون أن تؤذي عيني أو تحرق وجهي.
بعدها شعرت بلسعه خفيفه علي خدي فإبتسمت وفتحت عيني دون أن أتحسس الرمال. وإذ بمنظر غريب ، أحقا خرجت من مجرتنا؟ أم وصلت إلي مركزها؟ فالسماء غريبة مقعره بعض الشئ والرؤيه مشوهه وكأن ثقب أسود يتوسطها فيحني الضوء ، الهواء كثيف جدا ، الرؤيه ضبابيه وهناك مكعبان ضخمان ناصعا البياض معلقان في السماء!
شعرت بنسمه بارده من شئ قريب يكاد يلمس رموشي ، ابعدت وجهي قليلا حتي عادت الخلفيه الصفراء اللامعه في الظهور مرة أخري ، وإذ بكأس من الماء به مكعبان من الثلج موضوع امام وجهي ، نهضت سريعا وامسكته ولكني كدت أن اسكبه حينما لمسته فوجدته باردا جدا وقد اصبح جسدي في إتزان حراري مع الخلفيه.

سأصاب بالتهاب الحلق لو تجرعت تلك الكأس ، وضعت الكأس علي الارض مرة اخري وأخرجت من الحقيبه ورقه وقلم وترمومتر وساعه. بدأت بقياس درجة حرارة الماء ثم الوسط ، بدأت في تدوين المعادلات وإجراء الحسابات مسترجعا دروس الفيزياء في الحراره النوعيه. النجاح في حل مسأله في بعض المواقف يعني أنك ستنتقل للصف الدراسي التالي ، أما في موقفي هذا يعني أنني سأشرب أخيرا. انتهيت من الحسابات ، أستطيع أن أشرب دون أن أصاب بالتهاب الحلق بعد مرور سبع دقائق تقريبا ، سيكون الثلج قد ذاب ودرجة حرارة الكأس بلغت الخامسه عشر. نهضت ضاحكا فخورا وكأن الرمال أصبحت أشخاص يصفقون. نظرت في الساعه لاعلم كم مضي من الوقت وجدتها معطله! هل مرت بضعت دقائق ام بضعت شهور؟ لا أعلم ولكني أشعر بأن عطشي قد أشتد أكثر بكثير ، أستدرت لامسك الكأس فصعقت حينما وجدتها فارغه ، ولأول مره يختل التوازن الحراري بيني وبين الخلفية ، تجمد قلبي.

ظللت أحملق في الكأس الفارغه لثواني قليله او ربما لسنين طويله ، بعدها شعرت بقطره من الماء تنساب بموازاة أنفي عابرة شفتي حتي سقطت علي الرمال الساخنه فتبخرت سريعا. لم تعقبها قطرة أخري ، فكأن جسدي قد جف تماما أو كأنني أصبحت واقعيا بشكل مفاجئ.
وضعت الكأس علي الارض ورحلت بخطوات ثقيله وأنا اتسائل ، كيف تبخرت الماء بتلك السرعه ، وفجأه توقفت ، هل كان الكأس فارغ حقا؟ ام انني اتوهم ذلك من شدة فزعي وخوفي من الموت عطشا؟
تذكرت آرائي الفلسفية عن الأوهام تذكرت كيف أن الأنسان الفاني إبتكر الخلود. استدرت سريعا وركضت ناحية الضوء الابيض المزرق ، ناحية شمس صغيره استطيع ان أنظر اليها دون أن تؤذي عيني أو تحرق وجهي. بهت لمعانها بعض الشئ ، كدت أن أسقط وأنا أركض حتي كدت أن أصل. وفجأه شعرت بلسعه خفيفه علي خدي. فتحت عيناي وإذ بسماء مقعره بعض الشئ والرؤية مشوهه ولكنها أقل تشويها من المرة الأولى. لم يعد هناك مكعبان أبيضان ، الهواء أقل كثافه ويبدو أن الثقب الأسود أصبح أقل جاذبيه.
أبعدت وجهي وامسكت الكأس ، عندها أراد جسدي الجاف أن يسقط دمعه ولكنه لم يستطع.

وضعت الكأس ومضيت ساخطا علي نفسي ، لما لم اتجرع الكأس من البدايه ؟! أتخشي التهاب الحلق ولا تخشي الموت ؟!
حاولت أن أهون علي نفسي ، قلت لنفسي سأنجو ، لم امت عطشا هنا ، مضيت في طريقي وانا افكر هل الموت ام التهاب الحلق هو الاسوأ ؟ أو هل يمكن لالتهاب الحلق يسبب الموت ؟ وفجأه توقفت وتساءلت مره أخرى ، هل كانت الكأس فارغه حقا ؟ استدرت ونظرت خلفي فإذ بالضوء الأبيض المزرق يكاد يزوب في صفار الرمال ، وللمره الثانية إختل التوازن الحراري بيني وبين الخلفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال