الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


15 مايو... عيد الاستقلال... من سمع بالنكبة؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 5 / 14
القضية الفلسطينية


غدا هو 15 مايو... هذا التاريخ لا يمثل أية ذكرى ذات طبيعة خاصة للكثير من العرب في الفترة الحالية، المليئة بالاضطرابات الداخلية، والأزمات المعيشية والأمنية التي تعصف بمختلف بلدان العالم العربي؛ الغني منها والفقير، وهي المشكلات التي ترتبط بشكل أو بآخر بأصحاب الاحتفال في يوم 15، وهو الكيان الصهيوني المعروف دوليًّا بـ"إسرائيل".
في الأسطر التالية، سوف نحاول إلقاء الضوء في عجالة شديدة على مجموعة من النقاط المتعلقة بهذا اليوم المعروف — أو الذي كان معروفًا على المستوى التطبيقي — في التأريخ العربي بـ"ذكرى النكبة".

النكبة أم الاستقلال؟!
يحتفل الصهاينة كل عام بالانتصار في حرب الاستقلال عام 1948 ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام، وهي الحرب التي انتهت بإعلان قيام الكيان الصهيوني في 15 مايو 1948، وكانت الولايات المتحدة هي أولى دول العالم اعترافًا بالكيان، بعدما لعبت دورًا كبيرًا في دعمه سياسيًّا وعسكريًّا؛ حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن الكثير من عناصر العصابات الصهيونية كانت تحارب في الحرب العالمية الثانية تحت لواء القوات الأمريكية وكذلك البريطانية.
أعلن الصهاينة قيام كيانهم على الأراضي العربية، واضطر العرب في نهاية المطاف — بعد الكثير من الاشتباكات السياسية والعسكرية — أن يعلنوا قبولهم بالكيان الصهيوني كأمر واقع، وهو الأمر الواقع الذي تطور بعد حرب 1973 إلى اعتراف كامل من جانب النظام السياسي في مصر وفق ما عُرِف باتفاقية السلام عام 1979، وما تلاها من اعترافات أو تعاملات عربية مع الكيان الصهيوني.
وتطور الأمر بالكيان الصهيوني إلى أن نال عضوية الكثير من المنظمات الدولية، ولم يخل الأمر طول تلك الفترة من مناكفات بين العرب والصهاينة مثل رفض العرب انضمام الكيان إلى اللجنة الأولمبية لدول حوض البحر المتوسط، والتي ينص ميثاقها على أن قبول الأعضاء الجدد يجب أن يكون بالإجماع وليس بالأغلبية.
وصار هذا اليوم هو عيد الاستقلال للصهاينة، والذي يتلقى بموجبه الكيان التهنئات من الدول المختلفة ومن بينها مصر والأردن بهذا الاستقلال، الذي تحقق على حساب جيشي مصر والأردن بالذات...!!

النكبة؟! من سمع بهذا المسمى؟!
يسمي العرب هذا اليوم بـ"النكبة" باعتبارهم تعرضوا للنكبة فيه بعد ضياع فلسطين واحتلالها من قبل العصابات الصهيونية بغطاء سياسي صريح من البريطانيين والأمريكيين وتعامي عربي واسع النطاق. ولا يزال الفلسطينيون يحيون ذكرى هذا اليوم بإشهار مفاتيح المنازل التي طردوا منها لصالح الصهاينة في دلالة على التمسك بحق العودة للأرض.
لكن الواقع يقول إن العودة بعيدة المنال، هذا إن كانت قيد التفكير أو الاحتمال في الوقت الحالي. لماذا هذه الرؤية المتشائمة؟!
ليس هذا تشاؤمًا بقدر ما هو نتيجة مستخلصة من الواقعين العربي والفلسطيني الراهنين. الواقع العربي يقول إن الدول العربية في الفترة الحالية تمر بمرحلة مفصلية من تاريخها؛ حيث يعاني بعضها من أزمات وجودية مثل سوريا التي فقد النظام فيها معظم الأراضي السورية، التي انتقلت السلطة في أغلبها إلى أيدي متطرفة بامتياز، وكذلك الحال في اليمن، بينما يتعرض الليبيون لمخاطر متعددة تنوء بذكرها الكلمات والمقالات...!!
أما عن الواقع الفلسطيني فحدث ولا حرج. يريد الفلسطينيون استعادة أرض فلسطين التاريخية، بينما هم عاجزون عن استعادة الوحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية. سيتكلم الكثيرون عن حركة فتح التي "باعت" القضية، وارتمت في أحضان العدو الصهيوني، وتحالفت ضد القوى الفلسطينية المجاهدة والمناضلة، بينما سيتحدث آخرون عن حركة حماس التي جعلت بندقيتها رهينة للإملاءات الخارجية بخاصة الإيرانية؛ بحيث باتت تخوض ضد الكيان الصهيوني حروبًا بالوكالة عن إيران، بعدما أصبحت مخلب قط لإيران في المنطقة. سيتكلم الطرفان كثيرًا، ولو أنهم وفروا هذه الكلمات لمحاولة تسوية الوضع لكان خيرًا لهم...!!

العرب يعيدون كتابة التاريخ...!!
كلا، لا أقصد المعنى الذي ربما يكون قد تواتر إلى أذهانكم من أن العرب يحاولون الخروج من كل "المآزق الوجودية" و"الأزمات المفصلية" وكل هذه الإشكالات التي ورد ذكرها في الجزء السابق من المقال. كلا... العرب يعيدون كتابة التاريخ هي عبارة مقصود بها أن العرب حولوا النكبة إلى عيد الاستقلال، وبهذا بات التاريخ تعاد كتابته.
ليس تجنيًّا.
لا زلت أذكر أنني قرأت ذات مرة رسالة في "بريد الأهرام"، وهو باب لنشر رسائل القراء إلى جريدة "الأهرام" القاهرية، وكان ذلك منذ حوالي 20 عامًا ربما أو أكثر. كان عنوان الرسالة يقول "إلا الأخيرة..."، وفيها يوضح كاتب الرسالة أن ابنه سأله عن السبب في تسمية بعض المدن الجديدة بأسمائها؛ فقال له إن مدن السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان والعبور سُمِّيَت بأسماء مشتقة من انتصار العاشر من رمضان أو حرب أكتوبر، بينما فشل في أن يوضح السبب في تسمية مدينة 15 مايو بهذا الاسم، وكانت هذه المدينة هي الأخيرة في المدن التي ذكرها ابنه.
ما السبب في تسمية واحدة من المدن الجديدة في مصر بهذا الاسم؟! ما السبب في أن أحد أبرز الكباري في العاصمة المصرية القاهرة يحمل اسم كوبري 15 مايو؟! لا أحد يدري...! أو لعل الجميع يعرفون السبب.
السبب هو أن النكبة تحولت إلى عيد للاستقلال.
هل يذكر العرب ما جرى للفلسطينيين؟! كل ما يذكره الجميع هو أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، ويصدعون أدمغتنا بـ"النكبة"، ويطالبون العرب بالتصدي للكيان الصهيوني، وهو مطلب مرفوض بالقطعية من الكثيرين بدعوى "الأنامالية"، بينما نجد هذه الدعوى تتراجع وتسقط أمام الترويج للتحالف العربي الذي يقصف اليمن حاليًّا.
عند مرأى خريطة فلسطين، تتراجع كل أفكار الأخوة العروبية والإسلامية؛ لا تتراجع فقط بل تتلاشى بالكلية.
لا يذكر الكثيرون أن 15 مايو هو التاريخ الحقيقي للنكبة، فكل ما يعرفونه عن مايو هو إجازة عيد العمال في أوله، والعلاوة التي تقدم للعمال في مصر والتي يفقدها العمال في اليوم التالي بسبب رفع التجار للأسعار...!!
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن بدء مناورات تشمل أسلحة نووية تكتيكية قرب أوكرانيا


.. إسرائيل ترد على طلب الجنائية الدولية بهجوم على الضفة الغربية




.. السعودية وإسرائيل.. وداعأ للتطبيع في عهد نتنياهو؟ | #التاسعة


.. لماذا جددت كوريا الشمالية تهديداتها للولايات المتحدة؟




.. غريفيث: دبلوماسية قطر جعلتها قوة من أجل الخير في العالم