الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف وانلى: شخصية من مصر

محفوظ أبوكيلة

2015 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


محمد سيف الدين إسماعيل محمد وانلي (31 مارس 1906- 15 فبراير1979) , فنان تشكيلي ولد بالإسكندرية، وبعده بعامين ولد شقيقه أدهم، وعاشا في قصر جدهما للأم بحي محرم بك معقل الطبقة الأرستقراطية حينذاك والذى مازال يوجد به شارع رئيسى بأسم جدهماعرفان باشا، والده نجل السنجق محمد وانلي باشا الذى ينحدر من منطقة بحر قزوين، والأم عصمت هانم الداغستاني نجلة عرفان باشا الذى ينحدر من أصول مغولية ، وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه الأصول الأجنبية إلى نوع من العزلة داخل القصر، والإرتباط بتقاليد مغلقة ومتوارثة منها عدم إلحاق الأبناء بالمدارس، والإكتفاء بتعليمهم على يد مدرسين خصوصين خلف أسوار القصور، تأثرالولدين بتوجيهات مربييهم الأوروبيون عن الفنون التشكيلية خاصة المدرسة الإنطباعية وسيزان وديجا ورينوار، واستجابا لتشجيعهم لهما على زيارة المتاحف ومعارض الفنون، فلم تكن الاسكندرية في ذلك الوقت خالية من الحركة الفنية والثقافية. وحدثت ظروف للعائلة اضطرتهما للخروج من القصر دون أن يحصلا على شهادات دراسية، والالتحام بالحياة الشعبية في الاسكندرية و اضطر سيف للعمل في وظيفة صغيرة في أرشيف الجمارك، بينما عمل شقيقه أدهم موظفا بمخزن كتب تابع لوزارة المعارف، وغادروا القصر إلى فيلا صغيرة في حي بولكلي بحى الرمل ، ولما تدهورت أحوال العائلة المالية أكثر انتقلوا عام 1916 إلى منزل على ترعة المحمودية بمنطقة غربال الريفية التابعة لحى محرم بك، وأمضيا الفتيين وقتهما بالتردد على المعارض الفنية، والتعرف على المؤسسات الناشئة في هذا الوقت فهما ليسا مؤسسى الحركة التشكيلية في الثغر كما هو شائع بين النقاد، بل أنهما نتاج للحركة التي شارك فيها العشرات من الشوام والأوروبيين الذين إمتلأت بهم الأسكندرية. وقد كان لقراءة سيف مقالا فى مجلة الجديد لمحمد المرصفي عن الفنان الهولندي رامبرانت، أثر محوري فى تشكيل وجدانه ، وتعلقه بالقراءة عن الرسم والرسامين. وقد وجد الأخوان فرصتهما في الإنضمام لجمعية هواة الفنون الجميلة التي أسسها الفنان حسن كامل بعد سنوات من ثورة 19، وسافرا مع الجمعية في رحلة إلى القاهرة لزيارة معرض لجماعة الخيال التي أسسها النحات الاشهر محمود مختار، وعاد الأخوين من القاهرة برغبة جارفة في التمسك بالرسم، وجاءت الفرصة في مرسم الفنان ” اتورينو بيكي ” منذ يوم افتتاحه في 9-10-1930, حتى رحيل بيكي عام 1934. بعد ذلك إفتتحا مرسما خاصا لتعليم الرسم في 18 -6-1935, مع رفيق دربهما الفنان أحمد فهمي، وقد بدأ هذا الثلاثي رحلة الفن، تعلموا معا، ورسموا معا، وتشاركوا في كل شئ. أتقنوا التلوين والتصميم بشكل احترافي، لذلك غلبت الصنعة على أعمالهما، فلم يلتزما بمدرسة، ولم يتقيدا بأسلوب، وكانا يرسمان كل شئ بسرعة مذهلة وشوق محموم للفن، وانتصرت الإرادة وحب الفن على العوز وانهيار الطبقة، وشعر الأخوين معا بفرحة أول عائد من الهواية في الثلاثينات، عندما أهدى مدير النادي الأوليمبي كل منهما ساعة ثمينة مقابل لوحات فطرية سجلوا فيها انطباعاتهم عن النشاط الرياضي. كانا يرسمان وسط التجمعات الشعبية من نوادى ومراقص وحفلات أوبرالية أو باليه، ورسما في المقاهى العامة وعلى شواطئ البحر، وكانت لهما مقدرة عجيبة في رسم الإسكتش السريع وتصميم تكوينه بفطرية هائلة دون الإهتمام بالقيود الأكاديمية. حتى أنهما في أسبوعين فقط خلال رحلة نظمتها وزارة الثقافه في نهاية الخمسنات ضمن مشروع إنقاذ آثار النوبة أثناء بناء السد العالي. أنجزا 150 لوحة زيتية، و300 لوحة بالألوان المائية و1400 اسكتش!. وقد قدما مجموعة من اروع اللوحات الفنية الإبداعية التي تزينت بها العديد من المنشآت مثل: فندقى كليوباترا وشيراتون بالقاهرة، وفندق البوريفاج، والنادي الأوليمبي بالإسكندرية ومحطة الركاب ‏بميناء الإسكندرية ومحافظة الدقهلية، ووزارة الخارجية الإيطالية بروما. هذا و قام سيف وانلي بتصميم العديد من ديكورات المسرح. كما قدم باقة من أحلي واروع اللوحات الفنية بالوان الزيت والجواش والزيت والفحم وبمواد أخرى صور فيها الكنائس والشوارع والمقاهي والحدائق وسباق الخيل والسيرك والألعاب الرياضية والمنتديات ‏العامة والحياة الفنية التي تواجدت بمدينة الإسكندرية, وشعرا بالإنتشاء كفنانين محترفين عندما قرءا مقالا لمراسل اللوموند فى22 يونيو 1956 يصفهما فيه بأنهما خلفاء الفنان الفرنسي الشهير إدجار ديجا، تعليقا على لوحاتهما عن زيارة فرقة باليه أجنبية للإسكندرية قبل ذلك بعشر سنوات.
عمل سيف وانلى أستاذًا لفن التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عند إنشائها صيف 1957، ومستشاراً فنياً بقصور الثقافة في محافظة الإسكندرية، وحصل على منحة تفرغ من وزارة الثقافة 1959 كما كان أيضا رئيساً للجمعية الأهلية للفنون الجميلة. وقد تم تكريمه واخيه ادهم وانلي بإنشاء متحف يحمل إسميهما في محافظة الإسكندرية, وتم منحه جائزة الدولة التقديرية في عام 1973 , كما حصل أيضا علي الدكتوراة الفخرية في عام 1977 من أكاديمية الفنون بالهرم عام 1976.
وصدر عن حياة سيف وانلى، كتاب بعنوان ( عناق الازرق والاخضر ) عبازة عن رواية تسجيلية تأليف منير عامر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر عام 1974. وصدر عنه وأخيه كتاب يضم أكثر من 100 لوحة من أعمالهما عام 1984 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب باسم ( الأخوان سيف وأدهم وانلى ) بقلم كمال الملاخ وصبحى الشارونى. كما كتب عنه الكثير من الدراسات والمقالات فى مختلف الصحف والدوريات المصرية والعربية والاجنبية. وفصول فى العديد من كتب الفن. كما قدم عن إنتاجه الفنى العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات المصرية والأجنبية. ويعتبره النقاد والباحثين رمزا للفن المصرى.
الأكثر دراماتيكية في سيرة آل وانلي أن الأيام التي أخذت منهم الكثير أعطتهم الأعظم والأخلد فحرمانهم من إمتيازاتهم الطبقية القديمة، وحياة المعاناة التي عاشاها الأخوين، نقلتهما من حالة فناني القصور الذين يرسمون للمتعة، إلى معايشة أحوال الشعب ومعاناته وصاغت بينهما وبين الشارع السكندري علاقة حميمة، حتى أصبحا من معالم المدينة، يفرح شعب الإسكندرية بنجاحهما، ويحفظ تاريخهما، ويتعاطف مع أحزانهما، وشعرا بحب الناس وتضامنهم، وتقدير الدولة لهما، وصار تاريخه الفني مع شقيقه أعظم أثرا عند السكندريين والمصريين عموما من تاريخ القصر الضائع وساكنيه من السناجق والباشاوات. برحيل أدهم عام 1959 و أحمد فهمي عام 1964. دخل سيف فى حالة حزن وإحباط، سرعان ما خرج منها بمساعدة الموديل إحسان مختار التى رافقتة فى الفن والحياة حتى رحيله، أثناء رحلة علاج بالسويد عام 1979. وكان قد تزوجها عام 1974.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد