الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي (الجزء الثالث)

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي
(الجزء الثالث)
الدكتور جاسم الصفار
14/05/2015
في الايام الاخيرة، حمى وطيس سجال في موضوع حق تقرير المصير للشعب الكردي في العراق بانفصال اقليم كردستان عن الوطن الام-العراق، وتشكيل دولة قومية مستقلة للأكراد. وساهم بعض الشيوعيين "المتقاعدين" وغيرهم من المحسوبين على اليسار سابقا في هذا السجال، مسوقين لأفكار قومية انفصالية، مغلفة بصياغات مجتزأة من الفكر الاشتراكي والانساني اضافة الى معايير القانون الدولي. والمقالة المتواضعة التي بين ايديكم تطمح بأجزائها الثلاث للتصدي للطروحات الانفصالية القومية المغامرة في جميع المحاور التي اعتمدها منظري الانفصال.
ان واقع وجود أكثر من 2000 قومية ومكون أثني يسكنون في 191 دولة من دول ألعالم اليوم، يفرض على ألاشتراكيين وألديمقراطيين عموما، والعراقيين منهم بصورة خاصة، ألتأني عند ألتعامل ألسياسي مع مبدأ حق تقرير المصير بالانفصال كخيار لحل مشاكل ألقوميات. فالمكونات ألسكانية ألمتنوعة لأغلب دول ألعالم، وألتي تعايشت مع بعضها منذ زمن مديد على أرض تاريخية واحدة وتمازجت في نسيج اجتماعي وثقافي واحد، ستكون مهددة على الدوام لأن تكون عرضة لتأثير ألمغامرين والمتعصبين ألقوميين أو ألدينيين أو ألطائفيين، ألذين تدفعهم رغبتهم الجامحة للسلطة إلى تمزيق ألنسيج ألاجتماعي والثقافي في أي من هذه البلدان متذرعين بحق تقرير المصير!
دخل مبدأ حق تقرير المصير في صلب اتفاقية فرساي التي وُقعت بعد الحرب العالمية الأولى، والتي وفقها نشأت دول اوربية جديدة على انقاض الامبراطوريتين النمساوية-الهنغارية والالمانية. الا ان هذا المبدأ، كأي قانون من القوانين التي تقرر مصير المجتمعات، لم يكن له ان يحقق اغراضه التي من اجلها انبثق الا ضمن ظروف تاريخية واجتماعية واقتصادية محددة، كما كان يرى انجلز عن حق. فهذا المبدأ الذي كان صالحا لتنظيم شؤون اوربا بعد الحرب العالمية الاولى، لم يكن كذلك قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية. فاوربا لم تكن لتحتمل انقسامات جديدة في دولها على اساس قومي، كما ان التطور الرأسمالي المتسارع ومن ثم العولمة انشأت ظروف جديدة تتجاوز مسوغات التقسيم والتفتت الى دول صغيرة.
ولكن هذا، لم يكن ليمنع اعتبار مبدأ حق تقرير المصير بالانفصال، واحد من المبادئ ألأساسية ألتي يقوم عليها القانون الدولي بعد ظهور منظمة الامم المتحدة، ولكن في اطار ووفق ضوابط اكدتها المبادئ الاخرى للقانون الدولي كمبدأ عدم المساس بوحدة أراضي الدول في إطار حدودها ألمعترف بها دوليا، وان لا يكون حق الانفصال وتكوين الدولة القومية المستقلة بإملاءات او بتأثيرات خارجية. كما ان هذا الحق لن يكون مشروعا الا في حال عدم مساسه، او تأثيره سلبا على حقوق الشعوب والمكونات الاخرى التي تقطن نفس المنطقة. وعلى العموم فان القانون الدولي بكل منظومته التي لها علاقة بمبدأ تقرير المصير لم ترقى الى وضع توصيف واحد لحق الامم في تقرير مصيرها، وابقت الباب مفتوحا للتفسيرات والتأويلات المختلفة.
وتجدر الاشارة الى ان تطبيق مبدأ حق تقرير المصير جابه مشاكل عدة ولم يؤخذ به في فترة إلغاء الحكم الاستعماري، منذ اواسط القرن العشرين. فقد جرى تعريف الحدود السياسية في أفريقيا وآسيا بموجب مصالح الدول الأوروبية العظمى، وليس وفق مبادئ حق تقرير المصير للمجموعات الاثنية في تلك المناطق. ومن الاشكالات الخرى هي أن القانون ألدولي لم يحدد مواصفات ألأمه أو ألتكوين الاثني ألذي تنطبق عليه شرعية تقرير المصير بالانفصال وإنشاء الدولة ألمستقلة. فهناك في واحدة من ألجمهوريات ألروسية، قومية لا يزيد عدد أفرادها عن الألفين شخص، يتميزون بتاريخهم وعاداتهم المشتركة اضافة الى لغتهم القومية المميزة، فهل يحق لهذه المجموعة الاثنية وفقآ للقانون ألدولي الانفصال عن روسيا الاتحادية وتشكيل دولتها ألمستقلة؟ والاهم ان هل سيكون الانفصال هو الحل الوحيد او الامثل لها في حسابات حاضرها ومستقبلها؟

لا أريد إدخال القارئ في متاهات القانون ألدولي، فهي متاهات سياسية مفصلة ليسهل استخدامها من قبل الدول والمحاور المتنفذة في مجلس ألأمن لتنفيذ وقائع على ألأرض تخدم مخططات ألأقوى والمنتصر وتشرعن أحيانا لسياسة العقاب وتصفية الحسابات، واحيانا اخرى لتنفيذ مشاريع تضمن مصالح جيوسياسية. هذا ما كان تماما بعد خروج ألمنظومة ألاشتراكية خاسرة في حربها ألباردة مع النظام ألرأسمالي ألغربي. وهو ما يحصل اليوم في منطقتنا وفق مشروع الشرق الاوسط الجديد. وما تطرقي لموضوع القانون الدولي هنا الا لتبيان ان سمائه، سواء في النص او التطبيق لم تكن صافية تماما، والا ما كانت هنالك قراءات وتأويلات مختلفة لمسألة انفصال كوسوفو اليوغسلافية او اسيتيا الجنوبية وابخازيا الجورجيتان او حتى تنفيذ حق تقرير المصير في شبه جزيرة القرم بانفصالها عن اوكرانيا وانضمامها الى روسيا. وبالتالي فان الدول التي مهدت لانفصال كردستان العراق، ان وقع الانفصال، هي التي ستعترف اولا بالدولة القومية الجديدة وهي التي ستحدد توجهاتها السياسية. أما من هي هذه الدول، فالقارئ المتابع يعرفها جيدا.

اما من الناحية المبدئية فلا ريب في أن مجرد إنشاء دول على مقاس قومية واحدة أو دين أو مذهب واحد، سينهار معه لا محالة ركن أساسي من أركان ألديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة وهو (أن المواطنين جميعا سواسية أمام القانون). والتجربة ألتاريخية للانفصال، بصورة عامة، أدت إلى تكوين دول فيها مواطني الدرجة ألأولى ومواطني الدرجة ألثانية. واشتدت فيها ظاهرة الاضطهاد والتمييز سواء في الدولة ألحديثة النشوء أو في ما تبقى من الدولة ألتاريخية ألأم. ولم أعثر في التاريخ سوى على حالتين للانفصال لم تؤدي إلى مآسي اجتماعية ودماء إنسانية غزيرة، وهما في تجربة انفصال النرويج عن السويد وكذلك الانفصال ألجيكي والسلوفاكي عن جيكوسلوفاكيا. إنها استثناءات تثبت ألقاعدة.
كما أنه من غير ألممكن، في عالم اليوم، التفكير بإنشاء دول "نقية" أحادية ألقومية، تخلو من الأقليات. لذا فإننا لا ريب أمام خيارين، إما الإيمان الاعمى وألمطلق بحق الشعوب بالانفصال عن دولها ألتاريخية وإنشاء دولها ألمستقلة وبالتالي إشاعة ألتمزق والتشتت والفوضى والمزيد من أنهار الدماء ومظاهر الانعزال والكراهية، أو أن نكافح معا من أجل دولة مدنية ديمقراطية لا يكون القانون فيها بيد ألسلطة بل أن يكون القانون، هو ألأساس ألمحدد لهذه ألسلطة في ألتكوين وفي ألممارسة، أي من أجل قانون واحد للجميع، للسلطة وللمواطن.
الاشتراكيون الأوائل والبلاشفة أيضا، كانوا يؤكدون على ضرورة إيجاد صيغ للعلاقة بين ألقوميات والتجمعات ألسكانية ألمختلفة بحيث تضمن حريتها في ممارسة عاداتها وتقاليدها وحقها في تطوير ثقافتها وخصوصياتها ألأخرى مع الحفاظ على وحدة الدولة ألتاريخية. من هؤلاء من دخل في سجال عنيف مع لينين في هذا الشأن مثل أ. دافيد و ك. كونوف و و.باير و ك. رينر والاشتراكية أليسارية ألمعروفة روزا لوكسمبورغ وغيرهم من ألاشتراكيين ألديمقراطيين الروس. فالدول ألتي يتنوع فيها ألنسيج ألاجتماعي وتتمازج فيها الثقافات وتتفاعل فيها ألمشتركات تملك بالتأكيد آليات تطور أكثر كفاءة وحيوية من تلك ألتي تنغلق على حضارة وثقافة من لون واحد. الأولى هي دول "تقدمية" ، حسب توصيف ماركس وأنجلز، وبالتالي فان ألثانية دول " رجعية ".

واخيرا، فان أساس كل دولة هو الإنسان - المواطن، فما ألذي يحتاجه هذا الإنسان في أي بقعة من بقاع ألعالم؟ إنه بالتأكيد يريد أن تحترم إنسانيته وأن يعامل على قدم المساواة مع الأخرين بغض النظر عن انحداره القومي. وأن يملك ألحق في أن ينتمي لأية ديانة أو مذهب يؤمن بهما أو أن لا ينتمي لأية ديانة كانت. أن يتحدث أو يقرأ أو أن يكتب باللغة ألتي يجيدها. ونحن ندعو اخوتنا الاكراد الى التكاتف معنا من اجل بناء دولة المواطنة في عراق موحد. فان لم يشاؤوا ذلك وقرروا الانفصال فان السبيل الاوحد للانفصال واقامة الدولة المستقلة هو الاتفاق بين القيادتين الشرعيتين في اربيل وبغداد على صيغة محددة لاتفاقية تراعى فيها مصالح وطموحات جميع المكونات، ليصادق عليها فيما بعد الشعب العراقي بكل اطيافه ومكوناته على اساس الاقتراع العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اصبحوا طابورا خامسا للمحتل
طلال الربيعي ( 2015 / 5 / 15 - 13:07 )
مقال رائع آخر للرد على المننفعين والمعتاشين على فتات موائد السلطة الكردية ربيبة اسرائيل, وهم من يدعون الماركسية او الشيوعية نفاقا وبهتانا.
هل فكر دعاة الانفصال مليا كيف ان الانفصال سيؤدي الى تشرذم وتمزق لا حد له بسبب التداخل الاثني الكبير وقضية توزيع الثروات وما ذكرته من خلق مواطنين درجة ثانية, اي خلق دولة عنصرية لا ديموقراطية حالها حال كل فاشيات العالم؟ انهم ينفذون مخطط بايدن باسم ماركسية وشيوعية رفاقهم من بريمر وفوكوياما وفريدمان الخ.
فهم لم يفقدوا شيوعيتهم فقط بل فقدوا حتى وطنيتهم فاصبحوا طابورا خامسا للمحتل.

اخر الافلام

.. هل قامر ماكرون بحل الجمعية الوطنية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حل الجمعية الوطنية، سلاح ذو حدين محفوف بالمخاطر




.. كولومبيا تقرر وقف بيع الفحم لإسرائيل حتى وقف الإبادة الجماعي


.. قوات الاحتلال تنشر فرق القناصة على أسطح وداخل عدد من البنايا




.. فيضانات تجتاح جنوب النمسا والسلطات تناشد السكان بالبقاء في ا