الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهابيون عند حصن بابليون و الميكيافيلليون يتصارعون حول زعامة الخرفان

هشام الطوخى

2005 / 10 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ما يدور فى مصر الآن ليس موضوع الحديث ، فالحاضر لا يحمل داخله أى جديد ، الحزب الوطنى الديمقراطى جداً جداً لا يستشعر أنه يواجه أية مخاطر استثنائية ، ولديه من الكوادر القادرة على اجراء عملية التحول الشكلى وتغيير الجلد ما يكفى للمضى فيها بمنتهى الثقة ودون مخاوف من ضياع أى من مكتسبات عصر التحنيط ، والاخوان المسلمون المرابطون على أبواب حصن بابليون - منذ وضعهم هناك نبيهم حسن البنا - لم يفقدوا أبداً ايمانهم بوهابيتهم الصحراوية ولا بمقولة زعيمهم الخالدة ب " أننا لن نسعى الى السلطة لأن السلطة هى التى ستسعى الينا " ، وما يزالون يطبقون بحرفية منهج التقية وايهام القول - وان كان لا يزال غير معروف على وجه اليقين ان كانوا قد أعادوا الى الوجود " النظام السرى " العسكرى أم لا - ، وباستثناء بعض المناوشات الَّلينة من حركات التغييرالجديدة الغير مؤثرة فى استراتيجية الميدان أو فى عقلية جنود الفريقين أو الخرفان فلا جديد فى الساحة يمكن أن يدعونا الى توقع تغيير مفاجئ أو قريب فى الأوضاع الداخلية فى مصر.

أما عن مولد الحاكم بأمره الذى اقيم أخيراً فلا يختلف فى طقوسه عن أى من الموالد التى جرت على أرض المحروسة خلال الستة آلاف عام الماضية ؛ انفض المولد بهدوء وركب الخليفة وعاد الخرفان الى مراعيهم ، وبقى الميكيافيلليون من الحزب الوطنى الديمقراطى جداً والأقباط و الأحزاب الرسمية للتفاوض على الحمص ، وبقى الاخوان - على أبواب حصن بابليون ينتظرون " كورش " الذى سيفاوضهم يوماً على الدخول .

باختصار فالحديث عن الواقع الحاضر فى مصر لا يتضمن صراعاً درامياً قادراً على اثارة التوقع أو المتعة ، و علينا حينئذ البحث فى الماضى المصرى المليئ بالحكايا عن شيئ يمنحنا التسلية ،
دعونا نفتح بعشوائية أطول كتب التاريخ وأكثرها زخماً ، ولنقرأ بالصدفة احدى الصفحات

: التاريخ 640 بعد ميلاد المسيح
داخل الجدران الرخامية الدافئة لقصر القسطنطينية كان الصراع على النفوذ قد وصل الى ذروة لا يمكن التراجع عنها بين كل الأطراف ... رجال البلاط المنقسمون فى ولائهم بين الامبراطور العجوز المنهك " هرقل " ، وابنه " قسطنطين ابن ايودوكسيا " ، وزوجته - ابنة اخيه - " مارتينا " وابنها " هرقلون " .
و على الشاطئ الآخر من البحر كانت مصر خاضعة لنائب الامبراطور وبطريرك الاسكندرية " كورش " cyrus المسمى عند العرب " المقوقس " ، وتلتهب بصراع داخلى بين حزبى الخضر الملكانيين وهم أنصار الامبراطور ورجاله الأوفياء الذين لا يتصورون الحياة دونه ، والزرق اليعاقبة وهم المعارضون لسياسات الامبراطور وأفكاره الدينية ويهاجمون فساد رجال ادارته .
وهناك عند نقطة تفرع النيل - قريباً من المنطقة التى يسميها علماء الحملة الفرنسية " بطن البقرة " - كان " عمرو بن العاص " يرابط بعشرة آلاف من الجنود العرب خارج أسوار حصن " بابليون " المحمى بأسواره القوية وحاميته القادرة على الصمود - انتظاراً للامدادات - لمدة شهور تحت أى نوع من أنواع الحصار .
جاء كورش من الاسكندرية الى جزيرة الروضة للتفاوض مع عمرو ، وتم الاتفاق المبدئى على استسلام الحصن ودفع مبلغ 1200000 دينار بواقع دينارين عن كل رأس فى مصر باستثناء الاطفال مقابل احتفاظ الجيش الامبراطورى وموظفى الدولة وحاشيتهم من الخضر والأجانب واليونانيين واليهود بممتلكاتهم الشخصية ومنقولاتهم ، والحفاظ على فترة سلام يتم أثنائها عرض الاتفاقية على الامبراطور لتوقيعها فى القسطنطينية .
رفض الامبراطور العرض بغضب واعتبراستسلام أهم ولاياته وأغناها ذات الحصون القوية المنيعة لجيش يتكون من عشرة آلاف من الجنود اهانة غير مقبولة ، فعزل كورش من منصب البطريركية والنائب و نفاه . وطلب سرعة اعداد جيش لطرد عمرو من مصر ، فى تلك الأثناء مات فجأة الامبراطور بطريقة غير مفهومة ، وتم تسميم ابنه قسطنطين وسيطرت " مارتينا " على الامبراطورية ، وأعادت كورش الى كل مناصبه فى الاسكندرية التى كانت قد اندلعت فيها الحرب الأهلية نتيجة لموت الامبراطور بين الخضر المؤيدين والزرق المعارضين ، وانتهت المعارك بهزيمة الزرق ، ودخل كورش الاسكندرية فى أغسطس 641 م فى احتفال مهيب وسار بين الشعب السعيد المحتفل حاملاً جزءاً من الصليب المقدس على الأرض المفروشة بالسجاد وسط أجواء مشبعة بروائح البخور والتراتيل الدينية المؤثرة ، وألقى موعظة وخطبة احتفالية فى كنيسة " قيصرية " الموجودة على شاطئ البحر ، وبينما استمرت الاحتفالات الشعبية كان تدور رسائل المفاوضات السرية بين كورش وعمرو ، وفى شهر نوفمبر 641 م التقى الاثنان مرة أخرى واحتفلا بتوقيع معاهدة سلام بالشروط التالية :
1- يتم وقف كل أشكال المقاومة فوراً فى مصر والكف عن تجهيز أى جيوش للحرب
2-دفع مبلغ قدره 1200000 دينار دينارين عن كل رأس فى مصر يستثنى منهم الأطفال يتم دفعها على ثلاثة أقساط قبل انتهاء مهلة أحد عشر شهرا.
3- يحق خلال هذه المهلة لكل من فى مصر مغادرتها من البحر على ظهر السفن ويحملون معهم ما يشاءون من ممتلكاتهم المنقولة .
4- يحق لمن يريد من المصريين واليونانيين واليهود البقاء على أن يتم اعتبارهم أهل ذمة يخضعون ولهم الحماية وحرية ممارسة شعائهم الدينية ، ويعفون من خدمة الجيش ويدفعون جزية سنوية عن كل رأس
5- لا تقوم قوات الامبراطورية بأية أعمال حرب لاستعادة ولاية مصر
أرسل كورش وثيقة المعاهدة الى الامبراطور الجديد " هرقلون " فى القسطنطينية فصدق عليها قبل أن يتم خلعه سريعاً وتنصيب " كونستانز " constans ابن " قسطنطين " امبراطوراً جديداً .
فى صباح أحد الأيام فوجئ أهالى الاسكندرية المغيبين فى الاحتفالات والنزاعات بجيش عمرو عند أسوار مدينتهم حاملاً أعلام الهدنة لاستلام القسط الأول من المبلغ الذى تم الاتفاق عليه . ثار الأهالى واندلعت مظاهرات مجنونة تحطم مبانى الحكومة وتطارد رجال الادارة ، واتجهوا الى قصر رئيس الأساقفة وحاصروه ، فاضطر كورش للخروج اليهم لتهدأتهم فبصقوا عليه و قذفوه بالحجارة وأرادوا البطش به فاسرع يختفى منهم ، واستمرت المظاهرات والصخب الى أن دخل الليل ، فعاد الناس الى بيوتهم هادئين وقد لفهم الحزن الشديد ، وفى اليوم التالى بدأ كورش ورجال الكنيسة و الادارة فى جمع مبالغ الجزية التى فرضوها على الأهالى ، والبدء فى تنظيم أول عمليات الهجرة .
فى فترة الهدنة توفى كورش خلال أسبوع الآلام من عام 642 م ، وخرجت كل القوات الامبراطورية وموظفى الدولة وأصحاب الثروات على ظهور السفن حاملين أموالهم ومنقولاتهم الى القسطنطينية .
يقول جون مارلو :" أما المعدمون ، الجماهير الغفيرة ، أى الشعب الذى كان يصرخ بالشعارات ويقذف بالحجارة فى الصدامات بين الزرق والخضر فقد تُركوا فى الخلفية ، لم يكن بمقدورهم ترتيب وسيلة للخروج ، ولم يكن لديهم مكان يذهبون اليه " .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيليان مبابي يودع باريس • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ويليام بيرنز.. من مبعوث إلى لاعب رئيسي في ملف مفاوضات غزة




.. حرب السودان.. لماذا يستميت الخصمان للسيطرة على الفاشر؟


.. تهدد شبكات الطاقة و-GPS-.. أقوى عاصفة شمسية منذ عقدين تضرب ا




.. مراسلة الجزيرة: صفارات الإنذار تدوي في مدينة عسقلان ومحيطها