الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتراب ثوّار سوريا من الوثبة الأخيرة

أدهم مسعود القاق

2015 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


اقتراب ثوّار سوريا من الوثبة الأخيرة، ادهم مسعود القاق، باحث سوري
عدّ أرسطو تمرد الشعب على السلطة مرضًا اجتماعيًّا، يؤدي إلى تغيير في القوانين والقواعد التي تحكم علاقات البشر مع الدولة، وخاطب الله نبيه في سفر أرميا بالعهد القديم: "أرسلتك لتقلع وتهدم، من أجل أن تزرع وتبني"، ثمّ أخذ مفهوم الثورة بالتبلّور مع تطور البشرية، مكتسبًا دلالاتٍ جديدةً تتناسبُ مع التغيرات الحاصلةِ على مرِّ العصور. فالرسولُ العربيُّ الأكرم تمكّنً من مطابقة النبوّة مع فعل التغيير، مكوّنًا أول دولة مدنية بمرجعية دينية في يثرب (المدينة) منذ عام 624م، بادئًا بهدم البنى المجتمعية المتخلّفة، وإحلال قيمٍ جديدة فيها، هادفًا بناء مجتمع جديد، مستندًا على مشاركة شعبية واسعة، أضحت فيما بعد معلمًا من معالم الحضارة العربيّة الإسلاميّة.
وأطلق كوبرنيكوس لفظة الثورة على الحركة الحتميّة للكواكب حول الشمس التي تحدث من دون إرادة البشر، وقبل عصره كانت التعبيرات اللغوية المعبّرة عن الثورة هي التمرد والعصيان والفتنة والصعلكة والخروج، وإبان عصره صار لمفهوم الثورة دلالات مستمدة من روح التمرد التي اتسم به أجيال النهضة الأوروبية، فـ (كولومبس) رمزٌ للعقل المغامر على درب المعرفة، حلمه وتوقه لمعرفة ما وراء بحر الظلمات دفعاه لاكتشاف أمريكا، وقد ألهمت هذه المغامرة العقلية توماس هوبز وجون لوك وروسو، لدراسة قوانين المجتمعات، وسبل تقدمها، كما ألهمت كثيرون غيرهم على دروب الثورة في كلّ مجالات العلوم، ولعلّ عصر الأنوار كان من أهمّ عتبات وعيّ الشعوب لمصيرها ونضالها في سبيل الحرية والمساواة والعدالة والكرامة. والثورة الفرنسية عام 1789م هي المحطّة الأبرز في ثورات الشعوب الحديثة، تلتها الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917م، ثمّ كانت ثورات الشعوب ضد مستعمريها، كثورتي مصر عام 1881م و1919م، والسورية عام1925م، والليبية والتونسية، والأبرز الثورة الجزائرية عام 1954م، واكتسبت هذه الثورات صفة الثورية، لأنّها قامت بتحطيم جذري للنظام الاستعماري القديم، وانتصرت بالمشاركة الشعبية الواسعة، وكانت وسيلة لدفع الشعوب للبحث عن حلول لمشكلاته.
تتسم الثورات عادة بالعنف والقوة والفوضى والفلتان قبل استقرار يؤدي لإقامة نظام جديد على أنقاض النظام القديم الذي غالبًا ما يتّسم بالفساد والاستبداد، وبانفصال أركانه عن الواقع. وثورات العرب الوطنية هزمت المستعمرين، ولكن أصحابها لم يتمكنوا من المساهمة في تشييد أنظمة مستمدة من روح ثوراتهم، كما حصل مع النبيّ العربيّ، بل استطاع الغرب الاستعماري أن يمكّن بعض الفئات، وغالبًا من أصحاب الولاءات الأولية من حكم السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية ابتداء من ناصر 1952، وعراق 1958 و1963، وبومدين الجزائر 1964وسوريا 1963، و1970، وليبيا والسودان 1970،...ومفهوم الانقلاب مناقض للثورة التي تكون عفوية وشعبيّة وطهرانية، بينما الانقلاب تآمريّ وأقلويّ وفاسد، أهدافه تتعلق بزمرة من الجيش تحظى بمساندة الدول المركزية بالنظام الدوليّ لتحقيق مصالح حكّامه الاستراتيجية، وتجربة شعوبنا مع الإنقلابات مريرة، فقد قام، جلّها، بترسيخ أحوال القهر والتخلّف والفساد والفقر والإجرام في حنايا المجتمع.
ولعلّ ثوراتِ الربيعِ العربيّ الإسلاميّ محطةٌ فارقةٌ في دراسة الثورات، وفهم آليات عملها بالمنظور المعاصر، فأبناء هذه الثورات استخدموا التكنولوجيا العصرية في قيادة حراكهم الشعبي، وأصرّوا على سلميّتها، فلم يستخدموا العنف في فترة نضوجها، ووضوح استجاباتها للاستحقاقات التاريخيّة، كما أنّها ليست مؤدلجة، بل اتجهت نحو الفعل السياسي والسلوك الموائم لطبيعتها، وكشفت زيف برامج تيارات الفكر السياسي العربي وهزال قياداتها وأحزابها التي لم يعرف تاريخها إلّا تضليل شعوبها، واتسمت، هذه الثورات، بالتلقائية المتساوقة مع إدراك الفاعلين بها للمتغيرات على الصعيد الكوني، والأهمّ أن فعالية هذه الثورات النشطة كانت في أوساط أهل السنّة، الذين أقصاهم الغرب الرأسمالي، في عهد الاستعمار، ومكّن أقليات في الجيش والسلطة، حتّى شكّلوا الأغلبية المهمّشة، التي لجأت للماضي تبحث عن حلول في سراديبه المظلمة، فجاءت ثوراتهم هذه لتحطّم البنى المتخلفة لديهم، ولتكسر قوقعة أهاليهم المتكلّسة حول فكر ماضوي متماوت، ولأنّ جلّ من شارك بالثورة من الشباب والنساء، فقد ترفّعوا عن السلطة وأهملوا الأحزاب، رافعين شعار الدولة المدنية الديمقراطية، المستلهم من تجربة الرسول الأعظم.
على الرغم من استحالة وقف عجلة التاريخ، فإنّ قوى الثورة المضادة المتمثلة بالطوائف والعسكر، والتنظيمات الدينية، والشبيحة والبلطجية، وبؤر الفساد، لاقت تشجيعًا من الدول الغربية بإعادة تمكين دعاتها بالسلطة،(علويون في سوريا، وحوثيون في اليمن، عسكر في مصر، إلخ...) الذين أطالوا عمر هذه الثورات، وأجبروا شعوبها على دفع المزيد من التضحيات، والخسائر، ولكن، هذا لن يغيّر من فعالية هذه الثورات على المستوى التاريخي، فشعوبنا شقّت دروب الحرية والتحضّر الإنساني، وأدركت وعيها بمصائرها، وغيّرت سلوك المشاركين فيها، بانتظار دفن السلطة – الجثة، المتفسخة حت الثرى.
الآن، يتقدم ثوّار سوريا على جبهات القتال، بعد أكثر من أربع سنوات مضت، قدّموا بها أنصع صفحات الكفاح ضد نظام ساقط اضطر للاستعانة بمرتزقة داخليين وخارجيين، بعد أن حوّل الجيش السوري إلى معسكر اعتقال لأبناء الأغلبية السنيّة وفقراء الطوائف والإثنيات الأخرى طيلة نصف قرن، مارس فيه كلّ أشكال القهر والإفقار والتجهيل والإجرام والطائفيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وثبة اهل اللئام على بلاد الشام
بارباروسا آكيم ( 2015 / 5 / 16 - 17:15 )
يعني الثوار الأَحرار في النصرة واكناف بيت المقدس إِقتربوا من الوثبة الأَخيرة.؟؟ طيب وحياة اهلك قُلْ لهم بعدما يثبوا الوثبة الأَخيرة أَن لايثبوا على بعظهم البعض كما حصل في العراق والصومال وافغانستان..تأسياً بالنبي البدوي البصمجي صلى الله عليه وسلم وصحابته المنتجبين الذين قتلوا بعظهم البعض ونطوا ووثبوا وثبة الأَسد على زوجات بعظهم البعض


2 - القتل من شيمهم
احمد ( 2015 / 5 / 16 - 18:18 )
يا سيد بارباروسا آكيم دعهم في احلامهم فهم في الاخير سيقتلون بعضهم بعضا كما عادتهم منذ سقيفة بني ساعدة


3 - لايفقهون معنى الثورات
حمزة حموي ( 2017 / 8 / 10 - 18:03 )
اللي معلقين على هذا المقال لايفقهون معنى الثورات وآليات عملها بالتاريخ حتى الله بالتوراة قال لأرميا، أرسلتم لتتقلع من أم أجل أن تزرع

اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال