الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كابوس الجهوية بالمغرب

عذري مازغ

2015 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تعني المركزية ببساطة سرقة الموارد الإقتصادية البشرية منها والطبيعية للجهة، هذه بلغة "شرح ملح"، ماعدا هذا، كل جدل في الأمر هو سفسطة وقائية للنظام السياسي القائم، وفيما إذا كان النظام السياسي شموليا تهيمن فيه عائلة دون سواها مع وجود دعم لها ممن يمتصون بأقدار متفاوتة هذه الموارد، فالأمر يرغم كل الصباغة العصرية، برغم غرفتي البرلمان، فهو لا يعدو أمرا تمثيليا محضا مهمته تمثيلية شكلية للجهات، فالسياق العام لتمثيلية أفضل بكثير من تمثيليات انظمتنا السياسية هو وجود هذه الغرفتين في كل جهات الدولة بشكل مستقل تماما في التصرف في الموارد الجهوية، ومع ذلك فالصورة كما قلنا هي صورة لتمثيلية أفضل وليست صورة واقعية تماما، إن نسفا لعملية التمثيل الجهوي في المغرب يمكن رصده فقط في وجود ولاة معينون تعيينا مركزيا، حين تجد والي الجهة لم ينتخبه احد ويحظى بسلطة تقديرية لا يمكن محاسبتها من الجهة إلا بركب سلم تسلسلي نظامي ووفقا لقيم التسيب في التسيير كما تنص عليه القوانين الإدارية المركزية، يعزل المشكلة فيما إذا كان الولي مؤتمنا بشكل صحيح وفقا لأبجديات الوفاء للسلطة المركزية، إن هذا الشكل للإئتمان يختزل المشكلة أساسا في أنها ليست إئتمان الجهة، بل إن التسيب فيها هو اختلال لمبدأ تسليط هبة الدولة بصفتها شخص معنوي مركزي تهيمن عليه طبقة معينة تتوزع موارد الجيهات كما أشرنا بمقادير متفاوتة، أي أن الدولة باعتبارها دولة طبقية هي من يهتز إئتمانه من والي الجهة حين يتسبب في تسيب أخلاقي إداري أو ما إلى ذلك، فمواطني الجهة لا ينظرون إلى الأمر كشأن محلي يستلزم التدخل منهم بل يرونه كشان مركزي، بل إنه حتى في أحسن الحالات تمردا، ينظم مواطنون متضررون مسيرات احتجاجية في اتجاه الرباط تكريسا لتبعيتهم النمطية سواء بشعور حقيقي أو بلاشعور من حيث يوجهها اللاوعي، ونموذجنا الحي في الامر مثلا تكرسه مسيرة سكان خنيفرة التي أجهضت بفضل تدخل قواة القمع عند نقطة الإنطلاق بمدينة مريرت، إن مشهدا كاريكاتوريا يسلط الضوء بشكل فاضح على هذه النمطية من المركزية حتى في ذهن مواطني الجهة، والمشهد كالتالي:
المشكلة هو مشكلة الموارد الخاصة بالمنطقة، هو الماء في هذه الحالة، وغلاء فواتره هو الشق الآخر من المشكلة، ينبع نهر أمر الربيع على بعد 50 كلم من مدينة خنيفرة بالأطلس المتوسط، يمكن اعتبار نسبة التلوث في هذه المسافة هي أقل نسبة يمكن أن تصيب نهرا متدفقا كنهر أم الربيع، يخترق هذا النهر مدينة خنيفرة نفسها، مشكلة السكان هو الماء الذي هو مصدر طبيعي في المنطقة، لكن الوصول إليه مكلف كما لو أنه يأتي مستوردا إليها، لكن المشكلة الحقيقية في الأمر هو مركزية مكتب الماء كشركة وطنية أو شبه وطنية فهي تتصرف في المورد الطبيعي بنفس التكلفة التي ربما تلزم جهة تعرف نقصا في هذه المادة، إن التكلفة في معالجة وتصفية هذه المادة غير مكلفة كالتي مثلا تكلف الرباط في معالجة مياه أبي رقراق، لكن وهنا تكمن المشكلة، وجود عجز في أداء الفواتير وهو عجز حقيقي لم يفرض على الجهة التصرف بشكل محلي في الأمر، سكان المدينة بدورهم، بوعي منهم أو بدونه يعرفون أن حل مشكلتهم المحلية لا يتم إلا من خلال قرار مركزي، لكن المشكلة الأساسية في الأمر هو تشتيت وعيهم بذاتهم وبأهمية جهتهم لهم من خلال انتمائهم الجهوي إلى إظهاره كمشكل مركزي، أي أنهم عليهم أن يعيشوا نفس الهواجس التي تعيشها مناطق تعرف مشكلة الماء.. لم ندخل الآن في سياق من يستفيد حقيقيا من هذه المادة المتوفرة، وما إذا كان الأمر أيضا يستلزم موقفا وطنيا بشكل يساهم في روح التعاون بين الجهات، فهذا الأمر مشكوك فيه إطلاقا من بنية الدولة نفسها باعتبارها دولة ينتفي فيها الحس الوطني والمدني من خلال ماهي عليه كدولة تهيمن عليها طبقة معينة، أي أنها دولة الملك وطغمته المالية وعبرهم سلسلة من العلاقات البنيوية التبعية للشركات الرأسمالية بشكل عام.. إن اهمية تحفيز الوعي باعتبار اهمية انتمائه للجهة هو امر ضروري في جدلية تحرير المحلي كجزء من تحرير الوطني بوضع التعامل مع موارده البشرية والطبيعية كضرورة أولية في الإستفادة منها، وهذا الأمر طبعا يضعنا في سياق آخر، فتحرير هذه الموارد يستلزم تحريرا سياسيا يمس في الصميم علاقة الجهة بالدولة المركزية يمر أساسا بتحرير القرار السياسي من تبعيته للمركز، إن التمثيل الأفضل يتم أساسا عبر وضع دستور يسمح بالإستقلال الذاتي للجهات من خلال استقلال القرار في تصريف مواردها بالشكل الذي يراه سكان وشعب هذه الجهات.
إن التقسيم الرسمي في الأدبيات السياسية بين وجود مغرب نافع وآخر غير نافع هو تقسيم تحقيري يستند إلى علاقات الإستغلال التفاوتية وترسيخها في العقل كيقين حقيقي، بدئيا يبدأ كترسيخ اقتصادي من خلال إفراغ الجهات من مواردها البشرية والطبيعية ومركزتها في المدن التي تعرف بالمغرب النافع، ويهدف هذا التقسيم أساسا مخاطبة الكيان الوجداني لشعوب الجهة بضرورة تحقير جيهاتهم اولا وتحقير وجودهم كذوات فيها ثانبا. لذلك لا نستغرب في الكثير من المواقف الإجتماعية انتساب أشخاص إلى مناطق معينة برغم انهم ينتسبون إلى جهات بعينها تقع بحسب ذلك التقسيم إلى المغرب غير النافع، فإذلال جهة معينة يتم عمليا بإفراغها اقتصاديا بسرقة مواردها الأساسية لصالح جهات معينة، حتى الشخصية المعنوية في الذاكرة الجمعية، يقترن ساكن الدار البيضاء بالشطارة والتطور والتقدم بينما ساكن مريرت بالضعف والتخلف وما إلى ذلك، يبدوا أن معيار التقدم هنا عفوي لكن في الحقيقة ليس عفويا بل يستند إلى انعكاس حقيقي لتلك السياسة من التفقير.
لا يوجد مغرب فقير ومغرب غني فالموارد الأساسية لكل منطقة هي كافية ان تجعل منها منطقة غنية، إلا أن مستويات استغلال المناطق والجهات في غياب ترسيخ سياسة جهوية أساسها استثمار تلك الموارد البشرية والطبيعية لمصلحة تلك الجهة او المنطقة، في غياب دور توعوي تحفيزا لمناهضة الإستغلال من خارج المنطقة والذي يبدو كواجب وطني يشرعن اليد الطولى لمركزية الدولة على حساب نماء الجهات هو في الحقيقة الشكل الذي به يتم سرقة موارد تلك الجهات، بينما يمثل شكل استقلالها الذاتي نقضا للآلية التي بها تتم سرقة مواردها، إن استقلالها هو نفسه تحرير لمواردها وضرب شكل من التبعية المحلية التي يشكل البورجوازي الكولونيالي (او ما يطمح له أن يكون بورجوازيا وطنيا) كنهها او لبها، إن هذا البورجوازي لم يكن له وجود اساسا إلا بفضل تدخل الإستعمار، ثم إن تمركزه أيضا في "المغرب النافع" هو أيضا كان شكل تمركز فرنسا في المغرب، بينما الجهات كانت تشكل عالما قرويا بحتا تنتفي فيها الملكية الخاصة حتى حدود الإستقلال الشكلي، ثم إن قوة مقاومة الهامش للإستعمار الفرنسي لم يكن أساسا في كونه معدوم الموارد بل في كونه يمس الملكية الجماعية، أي أن الهاجس في إعطاء المقاومة تلك الحدة من النضال لم يكن كما يحاول مهووسوا البطولات الخرافية أمرا إراديا يجري في الدم، بل إن الذي كان يجري في الدم هو الشكل الذي به سكان الجيهات ينتمون إلى الأرض، أي تملكهم الجماعي للأرض.. وما يخيف المركز من وجود جهوية حقيقية، والتمسك بالمركزية برغم التلويح بالجهوية وتكريس نمط مخزني لها من خلال تقسيم الجهات تقسيما عشوائيا بتدخل الدولة المركزية وتعيين ممثليها على كل جهة هو خوفها من قطع تلك العلاقة من الإستغلال وقطع الفرص أمام إعادة صياغة وإنتاج الملكية الجماعية بالشكل الذي يعيق نظام وشكل تمركز الدولة بما هي آلية بها تنفذ الطبقة الحاكمة إلى امتصاص موارد الجهات ولا أدل على هذا سوى شكل تدخل الولاة والعمال في الموافقة او عدم الموافقة على المشاريع التي تقررها مجالس اليتم البلدية والقروية بفرض وصاية الداخلية على هذه الجماعات أو البلديات.
من الصعب حتى التمثل بالدول الأوربية في ما يخص الجهات، وإن بدت في الكثير من الخطاب الرسمي، ذلك لأن الإشكالية أساسا هي إشكالية الديموقراطية بين شكل ممارستها في اوربا وشكل تهجينها في المغرب، وإذا كانت الدول الأوربية اليوم تعرف مخاضا قويا للإنتقال إلى شكل ديموقراطي متقدم بتعميق مشاركة الأفراد في القرارات والمشاريع فإنها في المغرب لم تتحقق حتى أشكالها المتخلفة كما كانت تعيشها أقدم امبراطورية أوربية (الإمبراطورية الرومانية بالتحديد) التي مثلت حتى حدود الآن مهد التشريعات القانونية في أوربا واستنادا إلى ما كانته الجهات في المغرب قبل تأسيس الدولة الحديثة ذات الثوابت الخاصة فإن التشريع لجهوية تنموية خاصة حقيقية على الأرض هي بمثابة كابوس لممثلي الدولة الهجينة في المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 خطوات ستُخلّصك من الدهون العنيدة


.. بمسيرات انقضاضية وأكثر من 200 صاروخ.. حزب الله يهاجم مواقع إ




.. نائب وزير الخارجية التركي: سنعمل مع قطر وكل الدول المعنية عل


.. هل تلقت حماس ضمانات بعدم استئناف نتنياهو الحرب بعد إتمام صفق




.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل