الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى العراق غير الخلّاقة

صادق الازرقي

2015 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عندما وصل صدام حسين الى سدة الحكم في عام 1979 ونفذ المجزرة المعروفة ضد رفاقه البعثيين، وقبل ذلك ضد القوى السياسية العراقية، ثم عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية؛ كان كثير من العراقيين يمنون النفس في ان تنتهي تلك الحرب في اسرع وقت، ولم يخطر في بال احد انها ستطول الى ثماني سنوات، وفي كل يوم يصحو العراقيون على توابيت الضحايا وهي تجوب المدن تبحث عن الديار، التي غادرها الشبان ليرجعوا مدحورين في حرب خاسرة؛ وبرغم ذلك كان الناس وفي احاديثهم يتبادلون التعبير عن الأمل بنهاية سريعة للحرب، التي عملت قوى إقليمية ودولية على اذكاء اوارها و إطالة امدها خدمة لمصالحها؛ كان الجميع يأمل الخلاص من الموت والعودة الى حياة هادئة، وعندما استطالت الحرب و تكاثرت معها افواج الضحايا والأسرى تحولت حياة العراقيين شيئاً فشيئاً الى كآبة مستديمة.
و لم يمر على انتهاء تلك الحرب التي جرى تسميتها ايضاً بالحرب المنسية سوى سنتين حتى جرت عملية غزو الكويت عام 1990وفرض على العراق حصار شامل تحت طائلة العقوبات وعانى الشعب العراقي كرة أخرى من الحرمان والخراب؛ ومثلما كان الحال عليه إبان الحرب العراقية الإيرانية، فان الناس لم تك تتوقع ان يطول الحصار والمعاناة اثنتي عشرة سنة، لتبدأ حرب أخرى كان عنوانها هذه المرة اسقاط صدام وتحرير العراق بحسب ما أعلنت قوات التحالف التي تعاطف الشعب العراقي معها املا بالخلاص من الوضع المزري الذي كان يعيش بظله في زمن النظام السابق، وعلى الفور وبعد مدة من التغيير ابتدأت من دون سابق انذار عمليات قتل فردي وتفجيرات سرعان ما تحولت الى عمليات إرهاب شاملة اهدرت أرواح الاف العراقيين في انفجارات واغتيالات شبه يومية، تواصلت طيلة السنوات الماضية، وانتهت بتمكن الإرهاب من اقتطاع مساحات شاسعة من أراضي العراق.
لن نبحث في الجانب السياسي الذي نعتقد انه أشبع بحثاً وباتت جزئياته معروفة لدى عامة الناس، وترتبط أساساً بأمراض العملية السياسية برمتها؛ بل بإمكاننا الآن ان نرثي لهذا الشعب المحطم الذي بات يترصده الموت في كل خطوة يخطوها وصار يشعر انه غريب في بلده.
يتطلع العراقي الآن الى الفضائيات العربية والعالمية، وهو يتحسر على ضروب الجمال والنظافة والعمران الذي تنعم به معظم دول العالم، في الوقت الذي يرى مسؤوليه يفشلون في تحقيق الاستقرار والامن والخدمات، وهو يتعايش مع الموت الذي يترصده في حله وترحاله، وفوق هذا فانه أصبح الآن وبعكس امنياته في العقود الماضية، لا يجد أي امل للخلاص من محنته، فالكل يمنح نفسه الحق في ان يفعل أي شيء، ويطعن الناس بحجة الديمقراطية.
لقد غدت مظاهر القتل هي السمة الرئيسة والسائدة في المشهد العراقي، وما عاد الموت لكثرته يحرك فينا ساكناً او يستفزنا مثلما يحدثه ذلك في المجتمعات المتحضرة، لقد بلغت عملية الاستهانة بالإنسان العراقي وبحياته الى اقصى مدياتها.
فهل كتب على العراق ان يتعايش مع الموت والخراب والتخلف في دوامة لانهائية من الفناء تعيد انتاج نفسها مراراً وتكراراً، الم يشدد الجميع على ان الحل بأيدينا وان علينا ان نخرج من اسر هذا الانقراض، فما المغزى ونحن في هذا القرن المتسارع الذي يتسابق فيه الجميع على حيازة مغانم المنجزات العلمية وتطوير حيواتهم، من ان نبحث في بطون الكتب والتاريخ عما يثير خلافاتنا ويؤجج فينا الأحقاد فنستسيغ موت الآخر، لأنه يختلف عنا في الدين او المذهب او القومية، هل ان علينا ان نقول ان تاريخ العراق مليء بالدماء والموت وانه لم ولن يشهد استقراراً او ان العراقي لن ينعتق من هذا المصير المشبع بالمؤامرات والدسائس والاحقاد والقلاقل.
اننا امام فرصة للبقاء والانعتاق من هذه البلوى، وأخرى للفناء وخسران كل شيء، وبين هذه وتلك ليست هناك فرصة وسط؛ فالعالم المعاصر لا يحتمل الحلول الوسط، اما ان تتسابق معه وتغنم فرصتك التي تمكنك من الإمساك بخيوط النجاة وولوج الفضاء الرحب للتطور البشري، واما البقاء ضمن دهاليز التخلف واجترار الماضي المتخم بالمؤامرات والحروب والبكاء، الذي لن تنفعنا إعادة انتاجه في شيء؛ نحن بنا حاجة الى عقد اجتماعي جديد يدرك فيه الجميع بوعي ان عليهم ان يتعايشوا بعضهم مع بعض بدعة وامل وفرح وان يتركوا المآسي التي مرت خلف ظهورهم وان يفعلوا ما تمليه عليهم حقائق ووقائع الحياة المعاصرة.
على الانسان العراقي كفرد، ان يدرك ذلك، وعلى من يطرحون أنفسهم كسياسيين ان يوجهوا هذا الادراك الذي يتوفر الكثير منه لدى الناس، ولكن السياسيين قلبوه الى غير هدفه الحقيقي للإبقاء على مغانمهم الشخصية التي لم تقف عند حد، التي اهلكت البلد؛ على السياسيين وبعضهم عاشوا في بلدان متحضرة ـ وحتى الذين بقوا في العراق ـ اذا أرادوا الاسهام في انقاذ البلد من دماره وموت أبنائه وخرابه، ان يسعوا الى تطبيق ما يفترض انهم تعلموه من معايشتهم لواقع بلدان عاشوا فيها، بعضها في قمة التطور، و ان يستحضروا امثولتها ليفّعلوها مع الهم السياسي الذي نذروا انفسهم له عن طريق خوض غمار السياسة بتجربتها العراقية، يجب ان نفعل ذلك للخلاص من ربقة الماضي وفتح بوابات المستقبل كي لا تتواصل مآسي الفوضى غير الخلاقة التي اوقعنا نحن، وليس غيرنا، انفسنا فيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمة مجموعة السبع في إيطاليا.. برنامج مثقل بالأزمات| #الظهيرة


.. ملاحظاتُ حماس على مقترح بايدن.. إعلان رفض أم مُسودة جديدة؟|




.. القوات الإسرائيلية تشتبك مع عشرات الفلسطينيين في جنين وتدمر


.. عروض تمثيلية لطلاب سوريين لدعم أطفال غزة




.. نافذة على الحرم.. الحجاج يواصلون القدوم إلى الأراضي المقدسة