الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقهى - بوصفه مكانا آمنا للحب

عادل مرزوق الجمري

2005 / 10 / 1
الادب والفن



ريبورتاج/ عادل مرزوق الجمري

هل ثمة في المقهى ما يزيد عن الوقت، أو ما يخرج عن الحديث والكلام في التاريخ والسياسية والإقتصاد والرياضة أو الفقر. هل ثمة في المقهى ما يكون مغايراً لطابعه الذكوري الفاشي، أو ما يتكاثر من فلسفة الفصل بين الذكر والأنثى.. هل يمثل المقهى في ردهاته المتباعدة مكاناً آمناً للحب. أمان المقهى يقابله فضح الشارع وفتنة البحر، حب المقهى تماثله أجواء الخصوصية التي تتزاحم عليها المقاهي في إستباق مغامر "ممنوع" نحو مزيد من الحب أو الربح.
تقليدية الإختباء التي يمارسها العاشقون كانت تتمثل في قاعات السينما، أو في الشوارع البعيدة عن المارة، أو أمام منطقة "خاوية" من البحر أو الناس، أما وأصبحت أضواء السيارات متراصة، وأعين المارة تترصد هنا وهناك، فإن خيارات المحبين تبدلت، وأفاق اللقاء ولهث النهارات الباردة او المساءات الساخنة توشحت بأكواب من الكافيه، أو الكابتشينو المثلج، تعلوها دخانات "الأرجيلة" لتضيف على الحب سحر الأسطورة.
الغرفة المغلقة إلا من بابها:
في ما يشبه الغرفة المغلقة إلا من بابها، كرسيان متقابلان، أحدهما يسع شخصين "محبين"، وسادة في النصف للفصل المبدأي، أو لهم فيها "مآرب أخرى" وكرسي آخر ليمثل منطقة الحياد أو التحاور والإقناع. إضاءة معتادة المعاني ومتعددة بحسب الحال، وشموع مضاءة للحب، وجرس صغير "نظيف من الطرق" حتى لا تطرأ دخولات مفاجئة قد تفسد مشهداً ودوداً، أو قد ترفع وشاح الحياء لفتاة تعتقد أنها تعيش كامل خصوصيتها هنا، في "المقهى".
"لا أستطيع أن أتزوجك الآن؟"، "أمي تضغط لتزويجي بآخر، لكنني أحبك أنت يا راشد!!"، "أحبك يا نورسة الكلام، وأجمل مافي الدنيا"، "نعم أغار من روبي وهيفاء، ولا أريدك أن تشاهد أياً من أغانيهما"، هذه بعض الجمل الفائضة عن حدود الغرف وخصوصياتها، لابد للهموم أن تتعدد، وللمشاكل أن تتعقد في بعض الأحيان، وقد يحدث بعض من اللامتوقع بأي صورة سلبية –كخروج الفتاة من الغرفة غاضبة- أو إيجابية –تكبت في اللحظات الأخيرة- خوفاً من الفضيحة!!، في الحوارات الرائجة في جوانب المقهى تجارب فاشلة تحاول الصمود، وتجارب وليدة تحاول الولادة من عنق الممانعة والشك والريبة، ثمة كل شيء عن الحب، وفلسفة الحب، ووجع الحب!!
أسئلة بلا معنى !!
ما الذي غير أوضح معاني المقهى وصورته الإجتماعية، كان المقهى يمثل "اللقاء، الإزدحام، الحوارات عالية الصوت"؟، وهو اليوم "الكتمان، الثنائية المغلقة، الحوارات بالهمس أو ..". وما معنى أن يخاف المحبون من الخارج حد الموت؟، ولماذا تسترق الخصوصيات الآمنة في مكان أشبه بالمكان العام؟، ولماذا لم يجد هؤلاء مكاناً آمناً للكلام أو حتى ممارسة النظر.
بالطبع تصر كارين "موظفة إستقبال بأحد المقاهي" على أن تذكر أي "زبون وزبونة" يصعدان للطابق الأعلى من المقهى إن عليهما أن يعرفا أن ثمة "ضريبة خصوصية" تبلغ 7 دنانير، أو عليهما أن يجلسا في الساحة الكبرى بالمقهى حيث تزدحم الطاولات وتعج بالزبائن، وحيث لن يجدا بالتأكيد أي متنفس للحب، فضلاً عن النظرات التي لن تختلف كثيراً عما يلقيانه بالشارع.
ومن أجل الإجابة على الأسئلة اعلاه؟، لابد للزبون أن يخضع لطلبات "كارين" المرهقة، خاصة في ظل الإلحاح بمزيد من الخصوصية من قبل الطرف الأخر في مؤسسة الإختباء، تلك الفتاة الباحثة عن قليل "مقنع" من الخصوصية، تبقى الدقائق الأولى "قلقة" وتبعث على الإزعاج والخوف، قد يعمد الطرفان لمراجعة الأراء فيما إذا كانت البيئة مناسبة للبقاء والحديث، أو المغادرة لمقهى أخر يوفر لهما ظروفاً أكثر ملائمة للحديث أو الحب.
الموظفة "كارين" تعرف أن عليها اخذ طلبات زبائنها القلقين بسرعة، وتعرف أن عليها تلبية طلباتهما بشكل أسرع، في الغالب -كما يروي عباس، أحد مرتادي هذا المقهى- تكون الطلبات بلغة "متلعثمة"، فليس مهماً ما سيشرب الطرفان في هذا اللقاء، المهم أن تنتهي شبحية كارين وحضورها المزعج بسرعة. ولذلك تعمد بعض المقاهي لوضع جرس صغير للمناداة في حال كان العشاق فعلاً محتاجين لخدمة ما ملحة، وهذا الحرص على الخصوصية لا يمنع كارين وباقي الموظفات في المقهى من إستراق بعض النظرات السريعة لضمان ان لا تمتد الجلسات الحميمة إلى ما قد يتسبب في إغلاق المقهى.
في اللقاء الأول عادة ما تجلس الفتاة على الكرسي الكبير، ويجلس الشاب على الكرسي المنفرد، أما في حال كون هذه العلاقة "قديمة ومتينة" فلا مانع ان يشاركها ذات الكرسي، وتكون الوسادة –في المنتصف بينهما- حاجز الإقناع للموظفة كارين بأن الأمور طبيعية، ولا تدعو للشك أو الريبة.
ثمة حالة من التوتر تسود المكان، رغبة في الحصول على شيء من الإستقرار النفسي الذي تزيده نظرات الشك والسؤال هنا وهناك، "سارة" تعلق –غير خائفة- أنها تستمتع بوقتها هنا، وأنها تعتقد أنها تجد في المقهى حريتها المنتهكة خارجه!!.
المال والأعمال في الحب
لابد أن المقاهي فهمت هذا الإحتياج منذ وقت مبكر، لذا تتنافس المقاهي في طرح المزيد والمزيد من الإضافات الضرورية لإستقطاب المزيد من الزبائن "العشاق"، وكلما بالغت في خصوصية الأمكنة والزوايا وإنغلاقاتها، كلما كان إستقطاب العشاق أكثر نجاعة. والوصايا بين العاشقين تتناقل من عاشق إلى عاشق، يمتدح خدمات مقهى جديد، ويسقط من قيمة آخر.
الخيارات القائمة تنبأ بإزدهار تجاري مجزي في هذا السياق، فليست ثمة دلائل هامة تخبر أو تتنبأ بإنتهاء أهمية المقاهي لهذه الطبقة الكبيرة من العاشقين المخذولين من فتن الأقارب والمعارف في المراكز التجارية الكبرى وقاعات السينما والمطاعم الفاخرة، ففي بلد صغير كالبحرين لا يمكن أن تصنع خصوصية ما "متوسطة الطموح" بشكل سهل وميسر، والمقاهي الفاخرة في العاصمة المنامة تقوم بأداء هذه الخدمة بشكل جيد ومقبول من قبل العاشقين.
إن فلسفة الإختباء في المقهى فلسفة شاملة، فليست الخصوصية مقتصرة على الغرف الخاصة، بل أن المقهى برمته على الصعيد المكاني يخضع لقانون الإختباء، فكلما كان المقهى بعيداً عن المناطق المكتضة بالسكان كان المقهى خياراً مناسباً للعشاق والعاشقات. النوافذ مغلقة، والأبواب صغيرة وقليلة. ومن المفضل أن تكون جدران المقهى وأرجاءه أشبه بالمناطق الميتة التي تحتاج إلى شيء من الحياة التي سيبثها العشاق هنا وهناك.
العشاق المتيمون يعتقدون أن هذه الأماكن أصبحت متنفسهم الوحيد، وأنها المكان الأمثل للحياة بعيداً عن ضوضاء الناس وأحاديثهم الفاضحة المنساقة بالفضول والكشف عن الأسرار، لذلك يحترم هؤلاء العاشقون والعاشقات أن الحب "سر كبير" لابد أن يستتر عن أعين الناس، والمقاهي هي إحدى هذه الأطر الحاوية لهذا السر الكبير.
أجمل الأنفاس:
مما قاله قاسم حداد "كنا نغني حول غربتنا الوحيدة كالعذارى في إنتحاب الليل، كنا نترك النسيان يأخذنا على مهل لئلا نفقد السلوى، لم نعرف مكاناً آمناً للحب" ..























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش