الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد المؤتمر الاقتصادي؟

اليسار الثوري في مصر

2015 / 5 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حسام علي

وسط حالة داخلية مرتبكة تشهدها الدولة المصرية، ووسط حالات من الإرهاب والعنف الأهلي أيضاً، جرى الاستعداد في أروقة الدولة للمؤتمر الاقتصادي الذي صوره الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بأنه الجنة الموعودة، وأنه الحل لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستعصية، لكنه في الحقيقة لم يتجاوز أن يكون جزءً من الإجراءات والمناورات للحفاظ على السلطة البونابرتية الحالية، مثله مثل التغيرات الوزارية في الأسبوع السابق على المؤتمر للحفاظ على مياه وجه ممثلي النظام، والهروب من حالة التأزّم التي تعيشها الدولة. بعد شهرين على مرور المؤتمر الاقتصادي، نحاول تقديم قراءة سريعة الوضع الذي جرى فيه المؤتمر وجرد للوعود والمشروعات التي طرحت في المؤتمر، وهل ستمثل حلاً لأزمة النظام أم لا.


صراع بين وجهي العملة الواحدة
--------
قبل أيام من بدء المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ انفجرت إحدى القنابل بوسط البلد وتحديداً في محيط دار القضاء العالي، مقر المؤسسة القضائية، التي تلعب دوراً مهماً في المشهد السياسي الحالي وفي الصراع الدائر بين السلطة والإخوان المسلمين.

ولكن دوي الانفجارات تأثيره الأكبر هو على المستوى السياسي، حيث تستفيد جماعة الإخوان من إحراج النظام وإظهاره بمظهر العاجز عن مواجهة حالات العنف في الشارع، هذا بالإضافة إلى البروبجاندا الإعلامية عبر أدوات الجماعة الإعلامية يضمن تماسكها. وعلى الجانب الآخر، تلعب حالات العنف الدائرة دوراً في بروباجندا الآلة الإعلامية للدولة لتبرير زيادة التضييق الأمني والقمع البوليسي وإجراءات الثورة المضادة، كل هذا جزء من الصراع الدائر داخل معسكر الثورة المضادة بين جناحيه، ممثلي الأجنحة المختلفة للبورجوازية المصرية؛ الإخوان المسلمين وأتباعهم من ناحية، والسلطة الحالية المؤسسة العسكرية وأتباعها من ناحية أخرى.

وكل طرف يمثل مصالح مجموعته الخاصة من البورجوازية، فالإخوان المسلمين هم رأسماليون بامتياز، فلديهم شبكة ضخمة من الشركات العاملة لحسابهم ومصالح تجارية تقدر بالمليارات ورجال أعمال هم جزء من قيادة التنظيم ومشاركين رئيسيين في قراراته السياسية أمثال خيرت الشاطر وحسن مالك، وتوجهاتهم الليبرالية الجديدة ظهرت بوضوح وقت وجودهم بالسلطة وفي محاولاتهم إرضاء صندوق النقد الدولي.

والطرف الآخر هو المسيطر على الحكم حالياً، وممثله عبد الفتاح السيسي ابن المؤسسة العسكرية، أكبر المؤسسات الرأسمالية في مصر، المؤسسة التي تملك المليارات والأراضي والامتيازات التي لا حصر لها.

الصراع الدائر حالياً بين الطرفين هو صراع للهيمنة على السلطة، ومصالح كل طرفٍ بينهما، وبالتالي تبقى الحالة الموجودة حالياً مفيدة للفريقين، فالدولة تحتاج للإخوان لتقوية شوكتها واستمرار حركة مصالحها ومصالح المسيطرين عليها، والإخوان يريدون أن يستمروا بشعارات “مواجهة الانقلاب” و”عودة الشرعية” للحفاظ على موقعهم في المعارضة كبديل محتمل وقت تغير الظروف، والحديث باسم معسكر الثورة التي سعوا عملياً للقضاء عليها ومنع تجذرها منذ 2011 وحتى الإطاحة بهم من السلطة، وأيضاً – وهو الأهم – الحفاظ أكثر على وحدتهم التنظيمية.

ويبقى المتضرر الوحيد من هذا الصراع هم أبناء الطبقات المستغلة من الرأسمالية، هم من يتكبدون الخسائر دائماً في صراع لا يعنيهم بشيء.

أيضاً هم من يتحملون تكلفة العنف المسلح بين الطرفين، موجات من العنف بين الحين والآخر، بطش من الدولة بالجميع، وانفجارات عشوائية، هذا بجانب أشد صور العنف المسلح عن يد الجماعات الأصولية المتشددة في سيناء أو الدول القريبة مثل ليبيا التي يوجد بها عمالة مصرية كبيرة نسبياً وتصل على حسب أقل التقديرات فوق المليون عامل، هذا بعد رجوع أعداد كبيرة من العمال بعد 2011. أكثر من مليون عامل مصري هربوا من جحيم الفقر في مصر، ليجدوا سيوف “داعش” فوق رقابهم في ليبيا.

فبين سيف الجوع والفقر في مصر وطائفية وعنف المتصارعين على السلطة يجد أبناء الطبقات المضطهدة أنفسهم.

ولكن هل سيستمر الصراع الدائر حالياً طويلاً؟

طيلة عهد مبارك، برغم العداء الظاهري كان الدولة والإخوان يصلون لاتفاقات تضمن مصالح كل منهما، ومنذ 2011 اجتمع كثيراً قادة المجلس العسكري مع قادة الإخوان المسلمين، وكثيراً ما خرجوا باتفاقات لمحاولة الالتفاف حول المد الثوري وقتها، واتفاقات حول السلطة بعد رحيل المجلس العسكري مما مهد لوصول الإخوان للحكم. وهو ما يمكن أن يلجأ له الطرفان من جديد إن كان هذا هو المخرج الوحيد لأزمة النظام.

إذاً فالصراع ليست أبدياً، ولكن لأي حدٍ سيستمر؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال معلقة ومرتبطة بقدرة كل من الطرفين على المناورة وتدعيم موقفه في مواجهة الطرف الآخر، وفي سياق هذه المناورات من جانب السلطة أتى المؤتمر.


مؤتمر اقتصادي أم مؤتمر إنقاذ النظام؟
------------
حالة اقتصادية متدهورة وحالة سياسية مرتبكة جري فيها المؤتمر الاقتصادي الذي كان يحتاجه نظام السيسي بشدة في هذه اللحظة، فهو يحتاج إلى إعطاء أمل وهمي لجموع المصريين بمستقبل أفضل أو بإصلاح اجتماعي واقتصادي يُخرج الجماهير من هذا النفق المظلم ومن اليأس القابع فيه.

فمنذ تسلُّم عبد الفتاح السيسي للحكم وهو لا يقدم سوى الوعود بالكلمات يومياً للجماهير من جميع الفئات الاجتماعية المضطهدة، وهو في الحقيقة يجلس بصفته ممثل لهذا النظام مع الرأسماليين ليستمر الاستغلال اليومي، فهو يناور بين الجميع، لذا كان من الضروري لهذا المؤتمر الذي انعقد بين الثالث عشر والخامس عشر من شهر مارس في قاعة مؤتمرات شرم الشيخ، أن يقدم إعلامياً باعتباره أملاً جديداً لهذه الجماهير، حتى وإن انتهى لأن يكون أمل جهاز “الكفتة“.

بعيداً عن خطاب السيسي البرّاق، هذا الخطاب المفترض لتحميس الناس والخادع تماماً في مضمونه، فالاتجاه الاقتصادي للسلطة وانحيازاتها هي أمور أكبر من شخص السيسي كرئيس للجمهورية، على أي شيء تمخض المؤتمر؟

فبالنسبة للأموال التي حصلت عليها مصر كمنح مباشرة، فقد حصلت علي 12 مليار دولار من السعودية والإمارات مجتمعتين و500 مليون دولار من سلطنة عمان، أي 12,5 مليار من دول الخليج بالإضافة إلى 400 مليون دولار منحة من البنك الدولي و200 مليون دولار من شركة سيمنز الألمانية و130 مليون يورو من الإتحاد الأوربي، و37,7 مليون يورو من الإتحاد الأوربي أيضاً لتمويل إزالة الألغام من مخلفات الحرب العالمية الثانية و 49 مليون دولار من اليابان لتمويل إنشاء قناطر.

أمّا بالنسبة للقروض فهناك قرض إيطالي من بنك الصادرات والواردات بقيمة 1,8 مليار دولار لإنشاء مجمع للبتروكيماويات، و 3,8 مليار دولار من البنك الإسلامي للتنمية منها ثلاثة مليارات لشراء المنتجات البترولية والتي تعاني مصر من النقص فيها بشدة وتمويل مشروع ربط كهربائي بين مصر والسعودية وتطوير مطار شرم الشيخ، و200 مليون دولار قرض من صندوق خليفة الإماراتي للتنمية، و120 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوربي للبنك الأهلي المصري.

أما بالنسبة للمشروعات التي تم الاتفاق عليها، فأهمها التالي:

– مشروع العاصمة الإدارية الجديدة: أحد المشاريع المقترحة ولكن حتى الآن لم يتم التوقيع على العقد النهائي والمقترح أن يتم التعاقد مع شركة إماراتية كما هو معلن، وبالطبع فالشركات الإماراتية هي أكبر المستفيدين من المشاريع العقارية في مصر، ففي مشروع المليون وحدة سكنية كان الاختيار هو شركة إماراتية (شركة أرابتك)، والتي توجد أخبار الآن عن فشل في التفاوض بينها وبين الهيئة الهندسية بخصوص تمويل المشروع، وهنا يحق لنا التساؤل كيف سيتم تمويل بناء عاصمة جديدة؟ خصوصاً بعد أن صرح عبد الفتاح السيسي أنه لن يكون التمويل من الموازنة العامة للدولة؟ فكيف سيتم تمويل مشروع بمليارات تفوق حجم الموازنة العامة للدولة بالكامل؟

– المركز اللوجيستي لتخزين الغلال بدمياط: مشروع تم الاتفاق عليه مع شركة آل سويدان الإماراتية وشركة صينية بقيمة 6 مليارات دولار.

– مشروع عمراني جنوب مارينا: مشروع مقترح مع شركة أركو السعودية لتعمير جنوب مارينا بقيمة 24 مليار دولار.

– مشروع محطة كهرباء غرب دمياط: مشروع آخر مع شركتي أكا باور السعودية ومصدر الإماراتية بحوالي 2,4 مليار دولار.

– اتفاقية مع شركة بريتش بتروليم BP للاستثمار في حقول الغاز بالبحر المتوسط بقيمة 12 مليار دولار، واتفاقية مع شركة للتعاون في مجال البترول بقيمة 4 مليارات دولار.

يظهر من هذا أن كل المانحين لمصر هم المستفيدين اقتصادياً بأضعاف تلك الأموال، فأكبر المشاريع هي خليجية خصوصاً من الإمارات والسعودية. ولكن هناك مشاريع أخرى كبيرة مع أطراف أخرى مثل مشروع بناء محطات كهرباء مع شركة سيمنز الألمانية بحوالي 10 مليارات دولار وهي نفس الشركة التي كانت منحت الحكومة المصرية في بداية المؤتمر 200 مليون دولار!

هذه هي أكبر المشاريع التي طرحت في المؤتمر ولكن توجد مشاريع أخرى تم توقيعها بالفعل ومن المهم أن نشير إليها، فهناك اتفاق مع شركة جينيرال إليكتريك الأمريكية لتطوير محطات كهرباء، واتفاق مع شركات أمريكية أخرى لبناء محطات كهرباء تعمل بالفحم، وهذا في ظل محاولة النظام المصري الاقتراب من الولايات المتحدة مرة أخرى بعد أن حاول أن يظهر في فترة ما أنه متقارب مع النظام الروسي، وعلى الجانب الآخر لم تحصل روسيا على أي استثمارات في المؤتمر في ظل التضييق الاقتصادي من الغرب عليها، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن النظام المصري هو حقاً جزء من تلك الصراعات الإمبريالية ومحاولة تلك الأطراف للهيمنة إقليمياً.


لكن هل ستستطيع هذه الاستثمارات والقروض والمنح أن تخرج الاقتصاد من أزمته؟
-------------------
من الصعب أن يخرج الاقتصاد المصري من الأزمة القابع بها قريباً، من ناحية بسبب عدم استقرار النظام نفسه، مما يثير الشكوك حول التزام الأطراف التي أشرنا إليها بعاليه بتعهداتها؛ سواء استثمارات أو قروض أو منح لنظام مهزوز، ومن ناحية أخرى بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فالنظام الرأسمالي العالمي هو نظام كثير الأزمات، والنظام المصري يقترب كثيراً من الكبار في هذا العالم الرأسمالي مما يزيد من تأثره بالأزمة أكثر.

نتيجة المؤتمر هي ما مجموعه حوالي 13,5 مليار دولار و167,7 مليون يورو من المنح، و5,7 من القروض. معظم هذه الأموال والقروض هي لسد العجز ونقص التمويل في قطاعات أساسية مثل شراء البترول أو بعض المشاريع الصغيرة، وبالتالي فهذه الأموال – مع غياب الشفافية ومع الانحيازات الحالية للسلطة – تصبح غير قادرة على حل مشكلة الاقتصاد أو تمويل مشروعات كبيرة، بل بالعكس ستزيد الأوضاع الاجتماعية سوءً مع إجراءات التقشف التي تم البدء في تنفيذها بالفعل، الاتجاه نحو إلغاء الدعم الكامل عن الكهرباء والبنزين.

كذلك فأموال السعودية والإمارات لها حسابات أخرى، فهي من جهة لضمان الولاء مهمة لحماية أمنها والتأكد من دعم النظام في مصر في حالة أي نزاع عسكري قريب واشتراك مصر في التحالف الخليجي في الحرب على اليمن أبسط دليل، ومن جهة أخرى فإن أكبر المستفيدين في معظم الاستثمارات هي شركات خليجية، تعود أرباحها إلى الأنظمة الملكية الخليجية ورجال الأعمال القريبين منها؛ بدءاً من مشروع توشكى الوهمي وحتى المشاريع الجاري الحديث عنها الآن، إذا هي بالطبع صفقة رابحة لكلٍ من الإمارات والسعودية. بجانب طبعاً أن معظم المشاريع التي تم اقتراحها في المؤتمر هي مشروعات عقارية وليست إنتاجية.

بعد مرور شهرين على المؤتمر الاقتصادي يظهر لنا جلياً أهداف المؤتمر الحقيقية، فالنظام يسعى إلى إنقاذ نفسه، عبر خداع الجماهير بالوعود والآمال غير الحقيقية محلياً، وتصدير فكرة استقرار الأوضاع في مصر خارجياً، لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر واستقطاب أكبر قدر من أموال الخليج، وأيضاً للتفاوض مع البنك الدولي على قروض تستدعي إجراءات تقشف صارمة. الملخص أن النظام المصري كعادته يبحث عن استمراره بزيادة العبء أكثر على جموع المصريين، وتقديم نفسه كخادم الرأسمالية والنظام العالمي الوفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي