الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح السياسي مدخلا لحل أزماتنا المتعددة

محمود العريان

2005 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


مداخلة
في مؤتمر الاصلاح العربي الثاني
لم تعد مسالة ضرورة القيام بإصلاح الوضع الداخلي موضع خلاف أو جدال فالكل يشعر بان الإصلاح أصبح الآن ضرورة تطرح نفسها بإلحاح إلا أن الخلاف يكمن في نوعية الإصلاح المطلوب فالسلطة والتي على موقفها يتوقف تنفيذ الإصلاح أو عرقلته لا تبدو راغبة في الإقرار الواضح والصريح بان المطلوب هو إصلاح سياسي وإنما تعلن بان الوضع بحاجة إلى إصلاح من نوع آخر إداري أو اقتصادي و هذا يعتبر تجاهلاً لحقيقة ساطعة مفادها إن أي شكل من أشكال الإصلاح لا يمكن أن يتحقق بغياب الإصلاح السياسي الذي يكفي غيابه ليسد الطريق أمام أي شكل إصلاحي أخر وان يفرغه من مضمونه ، إذ كيف يمكن مثلاً انجاز الإصلاح الإداري في حين أن كل المناصب و المفاصل الإدارية الهامة في الدولة تبقى حكرا على الحزب الحاكم بينما يبقى جميع أصحاب الكفاءة و الخبرة والنزاهة من باقي أبناء الشعب خارج القوس .
إن التركيز على الإصلاح السياسي العربي لايعني أن مشاكلنا تقف عند حدود الأزمات السياسية وغياب الديمقراطية والحريات العامة وانتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الاستثنائية بل تمتد هذه المشاكل والأزمات إلى الاقتصاد والتعليم والصحة والفساد الإداري والوحدة الوطنية وشرعية النظام بحد ذاته ..
ويأتي طرح الإصلاح السياسي في البداية لأنه المدخل لحل تلك الأزمات وفي المقدمة إطلاق الحريات العامة والتعددية السياسية, ولقد رفع شعار (الحرية أولا) منذ عقود كثيرة بعد أن وصل المثقفون لتلك النتيجة.
والإصلاح السياسي هو تغير القواعد الناظمة بين السلطة والمواطن وفتح الحوار بينهما, للخروج من أزمات المجتمع المزمنة, بأسلوب سلمي بعيد عن العنف, والوصول إلى معايير قانونية ودستورية تحكم هذه العلاقة.
مبررات الإصلاح السياسي
نطالب بالإصلاح استجابة للاحتياجات الوطنية العامة في تعزيز البنية السياسية والاقتصادية عبر تحقيق مشاركة أوسع لفئات وشرائح المجتمع في اتخاذ القرار ، وتوزيع الثروة بطريقة أكثر عدلا، مما يتيح إقامة مجتمع التقدم والمنعة في مواجهة تحديات يواجهها العرب شعوبا وكيانات سياسية
فيما يطرح الحكام الإصلاح من أجل إعادة إنتاج النظام السياسي الحاكم وإطالة عمره، وتجديد نخبته, التي غرقت في العجز والفساد، ولم تعد قادرة على مواجهة التحديات الجديدة سواء في مستواها الداخلي، أو في مستوياتها الخارجية.
وفي الجانب الأخر تركز الدعوة الأميركية للإصلاح على إقامة توافق بين البلدان العربية ومجتمعاتها مع المصالح والسياسات الأميركية في المنطقة وعلاقات بلدانها الوثيقة مع الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة ولا سيما في الجانب الاقتصادي. هي استجابة للمشروع الأمريكي لإصلاح الشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف استكمال السيطرة الأمريكية علي هذه البقعة الإستراتيجية من العالم توسيعا وتعميقا لاستقطابها الرأسمالي المعولم، والذي يتضمن بالضرورة دعوة إلي إصلاح سياسي واقتصادي وتعليمي وفق قوالب محددة تخدم هدفها العام
أما دعوات الإصلاح الأوروبية، فقد ركزت على قيام شراكة أوروبية عربية هدفها تشجيع الديمقراطية، والأداء الحكومي الجيد، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعددية الإعلامية في البلدان العربية، بحيث تتقاطع في جانب من أهدافها مع محاربة الإرهاب والعنف الأصولي من خلال تعاون وثيق مع الولايات المتحدة لتحقيق تقدم في نشر الديمقراطية في البلدان العربية
الإصلاح أسلوبه داخلي ؟ أم خارجي
الحكومات العربية التي اعتادت الحديث عن الواقعية " في السياسة الدولية " وعلى عدم إثارة الإدارة الأمريكية وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وإطلاقها حرباً محمومة على ما تسميه " بالإرهابيين " منفذين ومحرضين وحماة ومتقبلين , راحت في وقفة واحدة ضد الإدارة الأمريكية تعلن إنها ترفض المشاريع الأمريكية للإصلاح السياسي ، وترى في هذه الدعوة تدخلاً خارجياً ضد " سيادتها الإقليمية "
كان من الممكن اعتبار هذا الموقف العربي الرسمي جزءاً من الموقف العربي العام في رفض التدخل الأمريكي في الشؤون العربية الداخلية ، لولا أن قسماً كبيراً من النظام العربي يرتبط بشكل مباشر بالهيمنة الأمريكية ، حيث هناك جيوش وقواعد واتفاقيات عسكرية وأمنية معلنة وسرية ، وهناك قبول بضغوط في السياسات الخارجية بما فيها تلك التي تتعارض مع المصالح القومية الإستراتيجية العليا .
المسألة ببساطة لدى النظام العربي الرسمي ليست رفضاً للتدخلات والاملاءات التي طالما قبلت بها , وتوسلاتها في كثير من المنعطفات ولا تزال تطالب الإدارة الأمريكية بالتدخل والتوسط وممارسة دورها كدولة كبيرة وقادرة على حل النزاعات, أنها ترفض كل ما يمس هيمنتها على شعوبها .
ومما لاشك فيه أنَ سلوك سبيل الإصلاح وفقاً لمصالح وإملاءات القوى الخارجية , من شأنه أن يعرض الأمة العربية لمخاطر جسيمة تهدد سيادتها واستقلالها , ويؤدي إلى ارتهان المجتمع لإرادة هذه القوى وهيمنتها , واستلابها حقوق الإنسان لآمادٍ بعيدة .


الأزمة السورية
تتحد ملامح الأزمة المجتمعية والتي تحتاج لإصلاح سريع في سورية بنقاط عديدة أورد بعضها
النظام الشمولي وغياب التعددية السياسية
يحدد الدستور بان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع وبذلك ألغى دور الأحزاب الأخرى وتعامل مع مجموعة أحزاب كرتونية في صيغة الجبهة الوطنية. وأحزاب المعارضة تعمل بدون ترخيص وبدون وجود قانون أحزاب ينظم علاقتها مع المجتمع والدولة , وتبقى معرضة للتصفية والتنكيل وفق قانون الطوراىء , وحسب قربها أو بعدها من الخط الأحمر الغير معلن من قبل النظام.
ورغم الظروف الدولية والتركيز عالميا على النظام السوري والضغط عليه من اجل تحسين الوضع الديمقراطي في البلاد فإن النظام السوري مازال يتعامل مع الأخر بنفس الأسلوب القديم فمثلا كانت المنظّمة العربيّة لحقوق الإنسان في سوريّة قد دعت إلى اعتصام سلمي أمام قصر العدل في دمشق يوم1032005 للمطالبة بإطلاق الحريّات العامة.
وحينما تجمع المواطنون أمام قصر العدل قامت السلطات السوريّة بضربهم وتفريقهم بالقوة. وطوقتهم بحشود كبير من رجال الأمن وسرية حفظ النظام وعناصر الشبيبة والحزب المسلحين بالعصي , ومنعت اقتراب أي من المراسلين الصحفيين اوأي أجهزة الإعلام من مكان التظاهرة .
وهذا يدل على استمرار الأسلوب غير الديمقراطي في التعامل مع القضايا الوطنيّة ومطالب المجتمع المشروعة كفلها له الدستور والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان أسوة بجميع مجتمعات العالم
قانون الطوراىء والمحاكم الاستثنائية
في ظل إعلان الأحكام العرفية وتطبيق قانون الطوارئ , ليس هناك أية ضمانات لاحترام حقوق الإنسان بما فيها تلك المنصوص عنها في الدستور و بالمواثيق الدولية التي التزمت بها الدولة رسمياً ، فاعلان الأحكام العرفية يعني تعليق تطبيق الكثير من المواد الدستورية والقانونية , فعلى سبيل المثال بحجة الأحكام العرفية وقانون الطوارئ ثم توقيف آلاف المواطنين عشرات السنوات بدون مذكرات قضائية وبدون تقديمهم للقضاء رغم أن القانون الجزائي يفترض أن لا تزيد مدة التوقيف على حساب التحقيق أكثر من أربعة وعشرين ساعة , وفي ظل قانون الطوارئ رفعت السرية عن المراسلات والمكالمات ومنعت المظاهرات ومظاهر الاحتجاج ، وأصبحت الأعراس والمآتم بحاجة للترخيص الأمني المسبق ، ولم يعد للبيوت حرمات إذ يتم اقتحامها في أية ساعة من ساعات الليل والنهار ، وتعرضت الأموال كما الأرواح للمصادرة وأضحى من المستحيل مساءلة أي مسئول أمني أو قيادي في الحزب الحاكم ، إذ اعتبرت مساءلته مساً بالثورة والأمن الوطني والاستقرار ، وفي ظل هذه الأحكام نفذت عقوبات إعدام وقتل ومجازر دون محاكمات أو بمحاكمات صورية ، واحتكرت وسائل الإعلام والنشر ..
الاستبداد في ظل الأحكام العرفية وبغياب القانون استكمل في محطات أخرى باستبداد وإرهاب بالقانون على سبيل المثال صدر القانون 49 الذي يعاقب على الانتساب لحزب سياسي معين هو الأخوان المسلمين بالإعدام ، حتى ولو لم يرتكب العضو المنتسب أية جريمة أخرى سوى الانتساب إلى هذا الحزب المحظور, كما صدر قانون الأمن الحزبي ، الذي يعاقب من ينسحب من حزب البعث أو ينقل أسراره أو ينتقل إلى حزب آخر بالسجن لمدة طويلة ( خمسة أعوام ) وبفترات أطول لمن يرتكب أعمال تخريب ضد مقرات الحزب الخ ..كما صدرت قوانين تنص على معاقبة الموظف إذا ترك عمله بالحبس لثلاثة سنوات رغم أن المواثيق الدولية تمنع الإكراه على العمل وخصوصاً إذا زادت مدته عن خمسة أعوام وترى فيه نوعاً من العبودية..
في ظل الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ، فقد القضاء العادي مكانته لحساب القضاء الاستثنائي (المحاكم العرفية، محاكم أمن الدولة، المحاكم الميدانية، لجان مكافحة الإقطاع، المحاكم العسكرية.. )الكثير من القضايا المدنية أو الجزائية تحولت بناء على أوامر الحاكم العرفي إلى المحاكم الاستثنائية.. في السنوات الأخيرة قيل الكثير عن الإصلاح الإداري والاقتصادي والقانوني ، وصدرت الكثير من التشريعات ولكن معظم تلك القوانين لم تمس ولا تزال سارية المفعول ، وفي مرحل مختلفة تحدث المسئولون عن تجميد الأحكام العرفية ، ولكن هذا التجميد رغم بعض القيود المفروضة عليه لم يكتسب صيغة قانونية وهو ما سمح مراراً بتجاوزه ، وهناك حتى اليوم الكثير من الحالات التي يتم فيها التوقيف بأمر عرفي ، ليس في مسائل سياسية فحسب ، وإنما في قضايا جزائية عادية .
من أبسط قواعد حقوق الإنسان المساواة أمام القانون ، ولكن القاعدة في سورية مختلفة ، فجرائم أمن الدولة لا تتحرك إلا بطب من الحاكم العرفي أو نائبه وبشكل استنسابي انتقائي ، ودون أي معيار موضوعي وهذه القاعدة مستمرة ، حيث يحال مواطنون إلى القضاء بسبب تشكيلهم أو انضمامهم إلى أحزاب وجمعيات سرية ، بينما لا يحاسب آخرون من أعضاء تلك الجمعيات أو غيرها .. ومن المهم هنا أن ندرك أنه ليس في سورية قانوناً للأحزاب مما يجعل من جميع الأحزاب القائمة أحزاباً غير شرعية وتقع تحت طائلة المسؤولية القانونية .
حتى وصلنا إلى منظومة قانونية واقعية استثنائية لا تحترم حقوق الإنسان عززتها الممارسة خارج القانون في معظم الأحيان

محمود العريان - عضو مجلس ادارة المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال


.. عبر الخريطة التفاعلية.. تحركات عسكرية لفصائل المقاومة في قطا




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس


.. قصف إسرائيلي على حي الصبرة جنوب مدنية غزة يخلف شهداء وجرحى




.. مظاهرة في العالصمة الأردنية عمان تنديدا باستمرار حرب إسرائيل