الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو حوار الأمم لا صراعها...

نوري بريمو

2005 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تشْهَدُ بلدان الشرق الأوسط في هذه الأيام حالةُ مخاضٍ سياسيةً حقيقية وحرجة للغاية ،إذ تعصف بها رياحُ تغييرٍ عاتية تصحبها حسابات ونجاحات لا بأس بها لأطرافٍ مغتصَبة مقهورة،وبالمقابل تحسُّبات وإنتكاسات لا يستهان بها لأطراف أخرى مغتصِبة قاهرة...!؟،إذ تتلاحق الأحداث وتتنوع الدبلوماسيات فتتداخل في خِضمِّها مختلف الملفات الشائكة العالقة...،لتنغلق بتأثيرها المرْبك أبواب حل بعض المشاكل وتنفرج بالمقابل بعضها الآخر ،مما يجعل من هذه البقعة الجغرافية التي يتاخم فيها العرب أممٌ أخرى مغايرة لهم بخصوصياتٍ متعدِّدة كالكورد الذين يشكلون بتعدادهم السكاني أكبر قومية في العالم لم تنل حقها في تقرير مصيرها حتى اليوم...!؟،بقعة تجذب بسخونة اخبار أحداثها إهتمام أنظار العالم برمته ،مما يقود في المحصلة إلى خلق حالة مفترقية عنوانها الواضح هو عدم استقرار (سياسي ـ إقتصادي ـ مجتمعي) تتأثّر بمنقلباتها جميع مكونات المنطقة دون استثناء.
أما سوريا التي تُعبَتَر أنموذجاً حياً من تلك البلدان المتعددة القوميات ،ورغم أنّ نظام حكمها بات أشبه ما يكون بِعيِّنة أو شريحة تحت مجهرية معُرّضة لمختلَف التحرّيات والتمحيصات والتحقيقات الدولية التي تجري مع العديد من اركانه بمنتهى الشفافية والإتهامات الوجاهية ،ورغم كونه ـ أي النظام ـ متورّط بشكل صلف في قلب الأحداث كطرفٍ رئيسي مستَهدَف في الصراع الجدّي الجاري في المنطقة...،إلاّ أنه لا يزال يرفض مراجعة ذاته وليس لديه أي إستعداد لإجراء أية مصالحة بينه وبين مختلف المكونات الداخلية المتضرّرة من حكمه الإستبدادي منذ عقود ،وذلك رغم أنّ أرضية تناسي الماضي هي متوفرة لدى المتضررين وإمكانية الالتقاء حول القواسم المشتركة واجدة وأبواب توافق مختلف المكوّنات السورية مشرَعة ومفتوحة...الخ.
وبهذا الصدد فإنّ الجانب السياسي الكوردي في سوريا ،سيبقى مؤمناً بحوار القوميات وتجاذبها لا صراعها وتنافرها ،وهو يؤكد على الدوام بأنّ الخيار الأكثر إلحاحاً وإيجابية في هذه الحالة السورية الراهنة هو الخيار الديموقراطي اللاعنفي المبني بالأساس على الاعتراف المبدئي بإحترام ووجود الآخر والالتقاء به والدخول معه في حوار سياسي حضاري يتم فيه التباحث في الأولويات والخصوصيات والمختَلَفات وفي إشكاليات العمل الديموقراطي وفي دواعي التمسك بالموجبات المجمِّعة للتأسيس السليم لحل مختلف المشاكل بعيداً عن الأساليب التقليدية السلبية التي كانت ولازالت تغذي وسْطنا الّلا تفاهم الذي ألحق ومن شأنه أن يلحق أفدح الأذى بكل الأطراف التي قد تغوص حينها في مستنقع الإفتراق المقيت .
ولما كان للتكرار فوائد جمّة وليس فائدة واحدة فحسب ،خاصةً وأنّ السلطة باتت منهَكة ومنهمكة في تخبطات لا حصر لها كما ذكرنا ،في ظل سريان هكذا منحى دولي إقليمي ضاغط يرعبها أشدّ الرعب ،حيث تنتظرها مختلف المتربُصات التي من حقنا تشبيهها بالزلازل السياسية ،أو أنها ـ أي السلطة ـ باتت تقبع فوق فوهة بركان هائج يتأهب للانفجار ،فإننا نكرّر التأكيد على أنه لا خيار أمامها سوى الأخذ بحكمة إحترام الحقائق التي تقتضي بالدرجة الأولى المصالحة مع الداخل من خلال المبادرة الفورية إلى إجراء تغيير سياسي جذري والإحتكام إلى منطق وعقلانية الانفراج الساسي ،ووجوب إدارة الملفات وفق عقلية وثقافة المجتمع المدني وبالفكر الديموقراطي البعيدين عن الاستعلائية والاقصائية وقمع الطرف الآخر،إذ لابديل عن قبول جميع الأطراف السورية لمبدأ تداول السلطة بالطرق الإنتخابية السلمية بعيداً عن مختلف الحسرات الشمولية التي لاتزال تحزُّ في نفوس بعض الجهات التي يحلو لها أن تبقى قابضة بمصير كل شاردة وواردة في هذا البلد لا بل بمقدرات المعمورة جمعاء.
طبعاً خيار حوار الأمم لا صراعها...،لم يختاره الكورد عبثاً ولم يأتِ بالصدفة أو جذافاً ،بل إننا أخذنا به نتيجةً لتجربة نضالية طويلة خضناها دفاعاً عن أنفسنا في وجه السياسة الشوفينية والتمييز القومي الذي تعرضنا له عبر الزمن...،إخترناه رغم أننا ندرك تماماً بأن المجتمع السوري الذي هو طيف متنوع الجذور والمنابت والمشارب...،وهو لايزال يكتنف في أعماقه ـ الأكثرية العربية ـ ثمة تراكمات من الفوارق والإختلاف في وجهات النظر حول العديد من المفاهيم والرؤى ،إلا أننا رغم سريان مفعول مثل هذه المختلَفات الثقافية ـ المجتمعية ،نؤكد لكل أبناء سوريا على اختلاف إنتماءاتهم السياسية وأصولهم العرقية ،بأنه ينبغي علينا جميعاً أن نسعى معاً عبر حراك ديموقراطي موزون ومتوازن إلى تشكيل فضاء ديموقراطي توافقي يلبي طموحات الجميع .
ولذلك ومن باب حرصنا الشديد على لزوم تجسيد علاقات حسن الجوار فيما بيننا ،نؤكد بأنه ينبغي تطوير هذا الفضاء الذي قد يكون صعب المنال في البداية...!؟،إلى فسيفساءٍ متآلفٍ ومتفقٍ حول أغلب الحقوق والواجبات...،حول مختلَف الأفكار والرؤى...،حول معظم الآفاق والتطلعات...،حول ظلم المالك ومظلومية المملوك...،حول ضرورات التغيير السياسي واستحقاقاته...،حول الأداء الديموقراطي وموجباته الملحّة...،حول الحريات العامة وحقوق الجمعات والأفراد...،حول إشكالية العلاقة ما بين المضطهَد والمضطهِد...،حول المختلفات القليلة والمشتركات الكثيرة...،حول الممكنات واللاّممكنات...، حول الممنوعات والمسموحات...،حول نوعية العلاقة التي ينبغي أن تسود بين بنيان هكذا فسيفساء مستقبلية...،حول أهمية المراهنة على الأنا أم الآخر وأيهما نحتاج...،حول...الخ.
ورغم أنّ مختلف المكونات السورية القومية منها والدينية و...الخ ،تعيش الآن حالة قلق وترقب لعدم فهمها وتفهمها لما يجري راهناً داخل وخارج وحول البلد ،فإنه لا ينبغي لأي فريق أن ييأس وينظر إلى الحالة من ركنه الخاص به ،ولا أن يتغنّى كلٌّ منّا على ليلاه كما يقال...،إذ أن هذا التغنّي الأناني لا يجوز التفكير به البتة لأنه يعتبر من الخطوط السياسية الحمراء ،حيث ينبغي أن ننشد معاً أنشودة الديموقراطية والتوافق القومي الفعلي والسعي نحو فضاء رحبٍ يسوده التآلف والسلم الأهلي ،أي أن نغني معاً على (ليلانا المشتركة) التي هي واقع حالنا المعاش المحتاج الى دَمَقْرَطَة من شأنها أن تأتي بمستقبلٍ أكثر أمناً وحرية لأجيالنا التي باتت تتربص بها مختلف المخاطر،ما لم يكن همّنا جميعاً هو :كيف نستطيع أن نصبح أُناساً ـ سواءً أكنا عرباً أم كورداً أم سريان وآشوريين أم غيرهم ـ ديموقراطيين لا إستباديين...،غَيرييّن لا أنانيين...،متجانبين لا متباعدين...،متصالحين لا متعادين...الخ ؟!، وذلك من أجل البناء الجماعي لشراكة مؤسساتية حقيقية مبنية على التساوي في الحقوق والواجبات على طريق التأسيس لمجتمع سوري تعدّدي حضاري نحن أحوج ما نكون اليه اليوم قبل غد .
ولما كان الأمر كذلك...،فنحن أبناء القومية الكوردية في سوريا المؤمنين بالتنوع العرقي والتعددية السياسية ،نرى بأنّ تمَتُّع المناطق الكوردية بالإدارة الذاتية التي هي التي من صلب حقوقنا القومية المشروعة ،لا يتعارض البتة مع أية مصلحة من مصالح وحقوق غيرنا في هذا البلد الذي هو بلدنا جميعاً دون استثناء ،ونؤكد بأنّ تلك الحقوق بجوهرها الديموقراطي لن تتحقق إلا عبر الحوار الديموقراطي مع هذا الغير من الطيف السوري ،ونؤكد بأنّ الحل الأنسب للقضية الكوردية في سوريا يكمن في إجراء تغيير سياسي ديموقراطي شامل من شأنه أن يعيد لكلِّ ذي حقٍّ حقوقه الطبيعية كيفما يرغب وحيثما يريد دون أي صغط أو إكراه على أي طرف كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديموقراطي الكوردي في سوريا ـ يكيتي ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية