الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألجغرافيا والإبداع .

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 5 / 19
الادب والفن


ألجغرافيا والإبداع .
تلقيتُ تعليقين على مقالي السابق ، الذي كان عُنوانه : " خالد حسيني ليس أفغانيا .." ورابطه هو :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=468489
ألتعليق من الزميل رائد حواري يقول فيه " ....وهناك مثل واضح للكتاب الفلسطينيين، فهم يحملون جنسيات مختلفة، ويعيشون في دول عدة، ومع هذا عندما يكتبون نجدهم فلسطينين، وليسوا اوروبيين او غيرهم، هذا ما ينطبق عليك، أنت ايضا، فأنت تكتب كفلسطيني،.. " .
إميل حبيبي المُخضرم ، الذي عاصر فلسطين الإنتدابية ودولة إسرائيل ، يختلف عن سيد قَشّوع الفلسطيني الإسرائيلي الذي "لجأ" إلى العبرية وأصبحت "وطنه " الإبداعي ، أو الشاعر ثنائي اللغة نعيم عرايدي الذي كتبَ باللغتين ، فحينما كتبَ بالعربية كان يُلقي قصائده في نوادي الشيوعيين والقوميين العروبيين ، لكنه "تمأسسَ" مع الوقت ،ليُصبحَ سفيرا لإسرائيل في النرويج ،وليُصبح شاعرا بالعبرية (بشكل حصري ) وليكتبَ قصيدة بعنوان القدس حبيبتي ، يقول فيها : وهي لم تتنازل عن شيئين
عن الصلاة والسماء
لقد كانت طفلة جميلة
والآن أصبحت جميلة ًضعفين ..
وهذا "الجمال " كُلُّهُ " لأنها رفضت التقسيم ، كما في موضع أخر من القصيدة .
ثلاثتهم فلسطينيون ، وثلاثتهم مبدعون وثلاثتهم مشهورون وحاصلون على جوائز إسرائيلية قَيِّمة .. يُمثّلون الطيف الفلسطيني الذي يحمل مواطنة وجواز سفرٍ إسرائيلي .. ورسميا أو شكليا وفقط بهدف التوضيح ، فإميل هو مسيحي ، نعيم هو درزي وسيّد هو مسلم . أما إميل فهو مخضرم ، ونعيم فهو من مواليد السنوات الأولى لقيام الدولة (عام 1950 ) بينما سيّد فهو من مواليد العام 1975 . وثلاثتهم "تجمعهم " جغرافيتهم ، لكنهم "إبداعياً" أصحاب "بيئات " إنسانية متنوعة بل ومُختلفة .
لا أشُّك في "ولائهم " لقناعاتهم الشخصية ، لكنهم أبناء البيئة الإنسانية أيضا ، يؤثرون ويتأثرون عليها وبها. وهناك مُبدعون فلسطينيون في كل أماكن الشتات الفلسطيني (الدياسبورا الفلسطينية ) ، لكن التيمات الإبداعية التي تُشغلهم هي غير التيمات التي تُشغُل المُبدع الفلسطيني مواطن دولة إسرائيل .
فإذا كان "الهّمُ" الإبداعي لفلسطيني كسيد قشوع هو "التيه " الإنساني للفلسطيني في مجتمع الأغلبية اليهودية فإن" الهم" الإبداعي ، لمُبدع من المخيمات الفلسطينية في لبنان مثلا ، هو العودة الى "الفردوس " المفقود أو لدولته المستقلة ، وليس تحديدا إلى بيت جده ..!!
فالإبداع أولا وأخيرا ، هو "إبن "شرعي للبيئة الإنسانية والجغرافية للمُبدع ..
فالفرق بين سيد قشوع الفلسطيني وأي مبدع فلسطيني يعيش في مخيمات اللجوء ، ليس في الإنتماء القومي ولا في "الولاء " للقضية ، بل في "القضايا " التي يواجهها كلٌ منهما في حياته اليومية ، وهذه "القضايا" هي التي تفرضُ نفسها على الأجندة الإبداعية للمُبدع ، ولو شاء غير ذلك لما استطاع ..
فسيد قشوع في حالتنا هذه ، هو مبدع فلسطيني ، لا تستطيع غالبية أبناء شعبه ، قراءة إبداعه لأنه أختار العبرية وطنا إبداعيا .. ولأنه "إبن " للثقافة العبرية ، فقد درس الثانوية في مدرسة يهودية .. هل يُقلّل هذا من قيمة إبداعه ؟ بالتأكيد لا ..
لكن لهُ ميزة إضافية ، لا يُمكنُ تجاهلها ، وهي قدرته الفائقة على إيصال "رسالة " الفلسطيني الإسرائيلي ،إلى اليهودي الإسرائيلي بكل سلاسة ويُسر ، لأنه يمتلك اللغةَ ويمتلك الثقافة ، يعرف أدق التفاصيل الثقافية والإجتماعية ، والتي قد يؤدي "غيابها " لدى مبدع آخر، إلى وصول "الرسالة " بشكل مشوه أو غير دقيق. فهو "يُتبّلُ " عملّهُ الإبداعي "ليُرضيَ" الذوق الأدبي العام ، لأنهُ يعرف "التتبيلة " الثقافية ويعرف "طعمة فم " جمهوره المُستهدف ، أي ذائقتهُ الأدبية ..!! وفي رأيي هنا يكمن السرُّ في شعبيته لدى ابناء الشعب اليهودي .. ويبقى السؤال ، هل كان سيحوز على نفس الشعبية ، لو كانت العربية لغته الإبداعية ؟؟ لستُ أدري .
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال ،بأن "سيد" تخلى عن شعبه وعن ذاته أو عن همومه الإبداعية ..!! فهو إبن أقلية قومية ، وهو وقلة غيره، يشكلون أقليةٌ لا يُحّس بها، جيرانه من سكان المدينة اليهودية الكبيرة (تل ابيب ) التي يسكنونها بشكل دائم .
ونعودُ الى التعليق الثاني الذي جاءني على الفيسبوك من الزميل حميد كشكولي ، يقول فيه :" قرآت رواية ألف شمس ساطعة بالسويدية و استمتعت بها إلى حد كبير وفهمت خلالها الشيء الكثير غن نفسية الافغاني .. الرواية جميلة و لكني لا ادري لماذا كل هذا التهويل لها و كيف اصبحت البيستسيلر فانها لا ترقى الى الروايات الغربية " .
وفي رأيي فالذي ينطبق على سر نجاح سيد قشوع بالعبرية ، هو نفس ما ينطبقُ على خالد حسيني بالإنجليزية ، فهو يعرف كيف يخاطب الجمهور المستهدف بأدق التفاصيل .. ويصل مباشرة إلى أعماق النفس ..
سيد قشوع فلسطيني يكتب عن الفلسطيني الذي يسكنُ عمارة في مدينة غالبيتها الساحقة من اليهود حقيقة لا مجازا ، وأنا فلسطيني يعيش في مدينة كل سكانها من الفلسطينيين المسلمين .. فهو فلسطيني عِبري إبداعيا (إن جازَ لي التعبير) وأنا فلسطيني عربي ثُنائي الثقافة واللغة ..
وهكذا هو خالد حسيني ، فهو أمريكي ثقافة وإبداعا ، أفغانيٌ قومية ..
فلو كتبَ مبدع أفغاني (يعيش في أفغانستان ) بلغة البشتون ، ما كَتبهُ خالد حسيني بالإنجليزية ، فالأمر الأكثر إحتمالا أن لا يسمعَ به احد ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قاسم محاجنة أنا وإدوارد سعيد
أفنان القاسم ( 2015 / 5 / 20 - 06:45 )
صحيح ما تقوله، لكنك أغفلت شيئين الترجمة والإيديولوجيا، الترجمات اليوم تحل محل الجغرافيا ومحل معرفة الكاتب للغة أجنبية، بالطبع من الأفضل أن يعرف الكاتب أكثر من لغة، فيكون التواصل أسهل وأسرع... بخصوص الإيديولوجيا، عندما تكون ضد الفكر السائد، كما هي حالي، تقف كل وسائل الإعلام في وجهك، حتى ولو كنت هوميروس زمانك، أي أنهم يشطبون على الناحية الإبداعية ولا يهمهم شيء آخر غير الناحية الفكرية، وهم في الغرب، في إسرائيل، في العالم العربي، من هذه الناحية لا يختلفون عن بعضهم، كلهم واحد. أعطيك مثلاً إدوارد سعيد كنقيض لي، استطاع الغرب الدخول عبر فجوة في كتاباته دون إرادة إدوارد، واستغلها لصالحه (فيما معناه نعم هذا هو استشراقنا مهيمن مسيطر مذل كل الشرور فيه ونحن سنبقى هكذا داعسين على أدمغتكم شئتم أم أبيتم) لهذا كان الترويج لكتابه الإستشراق ولباقي الكتب التي يروجون لها، القيمة الأدبية هنا تصبح ثانوية، حتى ولو لا توجد يوجدنوها.


2 - شكرا لك
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 5 / 20 - 10:07 )
الأستاذ افنان
أضفتَ -للإبداع- جانبا تسويقيا له اهداف بعيدة عن التقييم الفني .
شكرا ودُمتَ

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان فضيل يتحدث عن جديد أعماله في صباح العر


.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال




.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا