الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالشفا يا فيلسوف

ميلاد سليمان

2015 / 5 / 20
كتابات ساخرة


أحمد طالب جامعي، شاب زي أي شاب، ولكنه حاول يكون متميز ومختلف عن اللي حواليه، بالتالي ذاكر واجتهد وفضل نازل حرت في المناهج لحد ما اتخرّج بتقدير عالي، واتعيّن في نفس السنة معيد، في كلية آداب قسم فلسفة. وبعد امتحانات الترم الأول، اللي شارك في تصحيح الأوراق بتاعتها لأول مرة، مع الدكتور المُشرف على رسالته، كان حاسس فعلًا إنه بيقدم حاجة للمجتمع وفيه تغيير هيحصل قريب من خلال شغله وتخصصه اللي ناس كثير بتهمله وتقول مالوش لازمة.

يوم السبت بالليل، وهو أحمد في بيتهم نايم وسط أسرته، فوجيء بموبيله بيرن الساعة 3 الفجر!!؟، طبعًا اتفاجأ وتوقَّع يكون المُتصل بينقل له خبر زي الزفت، طالما مكالمة في وقت زي دا!!. وفضل يستعيذ من الشيطان ويقول بشكل متكرر "جيب العواقب سليمة يا رب.. واللهم اجعله خير"، طبعا كل دا والتليفون عمال يرن ويزعج في دين أم الناس اللي نايمين معاه في الشقة. في الآخر رد على الموبيل، لقى صوت الدكتور المشرف على رسالته بيزعق فيه وبيقوله "قابلني يا أحمد عند باب الجامعة الرئيسي دلوقتي حالا... فيه مصيبة حصلت"، وقفل بعدها السكة على طول!!؟. استغرب أحمد من اتصال أستاذه بيه في الوقت دا، خاصة أن مكالمته مُبهمة ومش واضحة، واللي وتره أكثر إنه عاوز يقابله عند الجامعة!؟، وعقله فضل يودي ويجيب؛"يا ترى إيه اللي حصل بس!؟، هل الدكتور عاوزنا نتقابل في وقت زي دا عشان نصلي الفجر سوا!؟.. مظنش دا ما بيركعهاش أصلا.. هل داخل على نوبة اكتئاب وقبل ما يدخل في قوقعته المحببة حابب يوصيني وصية!؟.. مظنش دا دكتور سخيف وما بيحسش أصلا لا بحزن ولا فرح!؟.. يمكن عاوز يقرب مني اكثر عشان تلميذه الوحيد اللي بيحضَّر معاه، وهياخدني ونسهر في أي كباريه في شارع الهرم؟!.. على الأقل كان طلب يقابلني في الهرم على طول أو في موقف مكيروباصات الجيزة!؟.. ولكن اختيار الباب الرئيسي بتاع الجامعة أكيد له مغزى!؟؟.. طيب هقولهم إيه في البيت عندي هنا وأنا نازل.. أمي عمرها ما هتصدق إني رايح أقابل الدكتور في وقت زي دا!؟".. فضل أحمد يكلم نفسه بالشكل دا وهو بيلبس هدومه، وبعد ما جهز ووصل للباب ونازل خلاص، دخل على أبوه وأمه أوضتهم وقال لهم "أنا نازل أصلي الفجر وهقعد في المسجد شوية اقرا مع بعض الإخوة"، أمه مكدبتش خبر وصرخت فيه وقالت له "هبلغ عنك وأقول إخوان... من امتى وانت بتصلي ولا بتقرا في كتاب ربونا يويسخ!؟"، ولكن أحمد طلع نبيه ووضح لها وقال "ما تقلقيش يا ماما الحاجَّة.. أنا في مسجد سلفيين مش إخوان"، فالأم قلبها ارتاح ودعت له يروح ويرجع بالسلامة، ويدعيهاله كمان.

*أمام الباب الرئيسي / جامعة القاهرة*
سيارة الدكتور قدام الباب، والدكتور واقف متوتر وعرقان في عز البرد، وبيبص في ساعة موبيله بانزعاج... شاف أحمد جااي عليه من بعيد، قام مزعق فيه "انجز يا أحمد .. مقدمناش الليل كله... مِد شوي بالله عليك"، وقبل ما يرد أحمد أو يسلم عليه أو حتى يحاول يفهم منه إيه اللي بيحصل، لقى الدكتور بيمسكه من إيده ويمشي معاه بخطوات سريعة ويدخلوا من باب الجامعة، واللي كان مفتوح في وقت زي دا!!، ويتجهوا ناحية المبنى الجديد في كلية آداب!!. ولسه أحمد هيحاول يسأل تاني، لقى الدكتور بيقول له "فيه طالب إبن حد مهم قوي في البلد إنت صححت الورقة بتاعته غلط وشيلته المادة.. والطالب قدم التماس لأنه واثق إن إجابته صح.. وأبو الطالب اتصل بيا وبيهددني انه هيقلب الدنيا لو ابنه سقط.. الموضوع لو اتعرف للإعلام يا أحمد هيبقى فيها رفد ليك وترقيتي هتتأخر... وآديك شايف السوشيال ميديا مش سايبة حد في حاله... أنا عارف اني صحيتك من احلى نومة.. بس الموضوع مكانش ينفع يستنى للصبح". حاول أحمد يستجمع شجاعته ويهدي نفسه ويسأل الدكتور سؤال "إيه اللي نقدر نعمله دلوقتي يا افندم؟!"، جاوب الدكتور من غير ما يبص له "دي مشكلتك ولازم تصلحها.. هتدور على ورقة الإجابة دلوقتي وتعيد تصحيحها حالا.. بينا على الأرشيف في الدور الأرضي". نزل أحمد على السلالم مع الدكتور، اللي كان بيجره من إيده زي البهيمة، وفوجيء أن أحمد أن أحد الفراشين موجود في وقت زي دا على باب الأرشيف، وعينيه غالبها النوم، فتح لهم باب الأرشيف ونور لمبة واحدة بس، لأن الدكتور طلب منه كدا، لأنهم كانوا خايفين حد يعرف هم رايحين الجامعة في وقت زي دا يعملوا إيه.

*في الأرشيف*
أحمد قاعد وسط عشرات الكراتين المفتوحة، وبيخرَّج ورق إجابات منها على الأرض، وعارف إنه حرفيًا زي اللي بيدور على إبرة في كوم حمادة، خاصة إن إسم الطالب ثنائي، والدفعة فيها 800 واحد!!؟. ولو على الترتيب الأبجدي، دا بيكون في وقت إخراج الشهادات، وقليل أما بيحصل في تخزين أوراق الإجابات وأرشفتها.

صوت العصافير بدأ يتسرب لودان أحمد، فعرف أن الساعة عدت خمسة، يعني بقاله ساعة ونص قاعد على الأرض بيبحث عن الورقة المفقودة!؟. فجأة باب الأرشيف خبط بشكل هستيري، اترعب أحمد، والدكتور جري على الباب يفتح يشوف مين، لقاه رئيس القسم داخل ومتوتر وبيسأل الدكتور "قللي إنكم لقيتوا الورقة... الموضوع خطير وفيه تهديدات بتعقب أُسرنا وتصفيتهم لو الطالب دا سقط.. إنتوا متعرفوش دا ابن مين في البلد؟!"، وبعد ما قال الكلمتين دوول، نظر رئيس القسم لأحمد نظرات كلها إحتقار وتعَالي، ورفض يسلم عليه اما أحمد حاول يقوم ويمد له إيده، "مش وقت سلام يا أخي... اترزع كمل بحث عن الورقة عشان نخلص من أم المصيبة دي". اتحرج احمد جدًا وحس بشريط حياته كله بيعدي قدام عينيه، وفضل يفتكر ايام مذاكرته ومناقشة خطة الرسالة، ومناقشة الرسالة مع أستاذه ورئيس القسم، حس إن خلاص مستقبله المهني كله ضاع، وتخيل صدمة مامته لو عرفت، ممكن تموت فيها، دا إذا ما اتشليتش قبلها وجاتلها أزمة القلب والسكر والضغط، ومش بعيد تبول لا إرادي كمان!!.

"لقيتها... لقيتها... لقيت الورقة بتاعت الطالب"، صرخ أحمد بالجملة دي، وجري عليه الدكتور ووقف قدامه، وفضل رئيس القسم واقف من بعيد باصص لهم، فتح أحمد الورقة عشان يعيد تصحيحها ولسه هيطلع القلم من جيبه، لقى جواها جواب أبيض مقفول؛ كان شكله مستطيل، مكتوب عليه على اليمين فوق "وزارة التعليم العالي / جامعة القاهرة / كلية الآداب / قسم الفلسفة"!؟، بص أحمد للدكتور باستغراب، وهو مش فاهم حاجة من اللي بيحصل حواليه!؟، فلقى الدكتور إبتسم وقال له "افتحه يا أحمد... متخافش"، بهدوء فتح أحمد الجواب وهو إيده بتترعش ومتوقع هيكون جواب رفده، ولكنه لقى جواه كارت ملون، بيفتح أحمد الكارت لقاه عمل مزيكا مبهجة وصوت انثوي بيغني "Happy Birth day to you"، وفجأة رئيس القسم رفع الزراير بتاعت الكهربا ونوّر الأرشيف كله، فشاف أحمد كل دكاترة قسم الفلسفة ملمومين حواليه ولابسين طراطير ملونة وماسكين بلالين على شكل ميكي ماوس، واستغرب انهم إزاي كانوا واقفين حواليه طوال الوقت ولكن مكانش واخد باله إنهم موجودين في نفس المكان!!، ولسه جاي يقوم من على الأرض لقى رئيس القسم جاي ناحيته، وشايل طورطا عليها شمع ملون كثير، ومبتسم إبتسامة طفولية أول مرة أحمد يشوفها من ساعة ما كان في الفرقة الأولى، واما قرب منه قال له "مكنش ينفع تحتفل بيوم زي دا لوحدك يا أحمد".

من الفرحة أحمد عينيه دمعت، واستغرب إزاي إن رئيس القسم والدكتور المشرف وباقي الأساتذة رغم كل مشاكلهم وخلافاتهم المذهبية المنهجية الإيديولجية المابعد حداثية، اتجمعوا مخصوص عشان تفصيلة صغيرة زي عيد ميلاده، فجأة وفي وسط الضحك والهزار، حس أحمد بشكة خفيفة في مؤخرته، لسّه هيحط إيده مكان الوجع، لقى حد واقف وراه لابس روب أبيض وماسك حقنة 3 سـم وبيقول له "بالشفا يا عم الفيلسوف...إدعكها بقى عشان ما تورمش".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا