الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقابة على الكتاب ، هل هي الحل ؟

رضا محافظي

2005 / 10 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


احتضنت الجزائر منذ أيام قليلة معرضا دوليا للكتاب هو العاشر من نوعه و كان فرصة لعدد معتبر من دور النشر لعرض إنتاجها المتنوع على القارئ الجزائري . و من بين المواضيع التي طرحت قبل افتتاح المعرض موضوع الرقابة على الكتاب الديني المتطرف و ضرورة تأمين القارئ من مخاطره أو على الأقل عدم السماح للمعرض أن يكون أداة لإدخال ذلك النوع من الكتب إلى الجزائر أو الترويج له .

يجد هذا النوع من الاحتراز منبعه من عشرية دامية مرت بها الجزائر خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي خلفت عشرات الآلاف من القتلى و أعدادا كبيرة من الجرحى و المعطوبين و المفقودين . عشرية لا تزال في مخيلة و ذاكرة من عايشها شبحا مخيفا و كابوسا مرعبا مجرد التفكير فيه يحيي في النفوس الآلام الموجعة السابقة و يفتح الجراح المؤلمة . و كان من أسباب تلك المأساة فكر ديني انتشر بين عامة الناس يكفر السلطة و الشعب معا و يجعل من الانقلاب الدموي على كليهما الحل الأمثل للانتقال إلى المجتمع الذي تراه تلك الفئة مثاليا و هدفا في الحياة .

و ما من شك في أن عددا كبيرا من الكتب و المنشورات المتنوعة كان وراء الترويج لذلك النوع من التفكير – بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة - في ظل انفتاح من غير قيود على ما يرد من الخارج من كتب و مجلات و إصدارات مختلفة تسممت أذهان من اقترب منها لما احتواه البعض منها و للتفسير السيء و الخاطيء لما احتواه البعض الآخر . يأتي ذلك بعد سنوات من التقييد الصارم للكتاب الديني خلال سنوات عديدة خلق عطشا و نهما لمطالعته لدى الكثيرين و أوجد أرضا خصبة لكل من يريد أن يزرع أي فكر يشاء .

انفتحت الساحة بعد ذلك على كل وارد من الخارج و رحبت المطابع الوطنية بكل كتاب و منشور من ورائه ربح وفير. و هكذا كان السيف ذا حدين : طبقات اجتماعية متلهفة لقراءة كل ما له علاقة بالدين ، و ناشرون همهم الوحيد البيع و الربح فقط دون مراعاة لما سوى ذلك من الاعتبارات ، و يتوسطهما هواة الدعوة للدين و فقهاء الجهل و الضلال . وكانت نتيجة هذا التزاوج الغريب ضخ جرعات مسمومة من فكر متطرف هوت بالمجتمع ككل في غيابات جب عميق من التقتيل و الذبح و التدمير .

لكن هل التقييد على دخول الكتاب الديني المتطرف إلى البلاد هو الحل ، أو بصورة أوضح هول هو كل الحل ؟

بطبيعة الحال ، لا يمكن لأية دولة أن تتخلى عن واجبها المتمثل في حماية نفسها و شعبها من سموم قد تبث من طرف أعدائها . لكن الطريقة التي يتم بها ذلك الدفاع أهم بكثير من ضرورة القيام به بحد ذاته . نحن في زمن التغطية فيه على أي فكر مهما كان ضالا أو مفسدا شيئا قريبا إلى المستحيل بكثير . و الأمثل يكون بمقارعة نفس الفكر بفكر أصلب و أصلح . ليست الحكمة في منع الفكر من الولوج إلى داخل الحدود بقدر ما تكمن الحكمة في منعه من الوصول إلى قلوب الناس و يكسب أفئدتهم. الأهم في العملية تكريس خطاب سياسي راشد مصحوبا بخطاب ديني أرشد يعملان معا في توافق ( و ليس في نفاق و تلفيق ) على خدمة مصالح الوطن و الشعب العليا يتم في إطارها الوصول إلى درجة يكون الفرد فيها قادرا على قراءة أخطر الأفكار دون أن يتأثر بها بالصيغة التي يصير لها عبدا أو معولا . و ليس هذا بالأمر الغريب أو صعب التحقيق و يكفي هنا النظر إلى عدد من المجتمعات الحاضرة التي تتوفر على روح وطنية عالية و فكر إنساني خالص يتواجد بين أطنان من الآراء و الأفكار غير السوية المنشورة أو المصرح بها و لا تجدها تتأثر بما يضع الكيان ككل في خطر محدق . مجتمعات فتحت صدورها لكل الآراء و لكل الأفكار بعد أن كانت حضرت عقول و شعوبها لذلك و بعد أن أشربتها صنوف العلوم وفق مناهج عملية سليمة حصنتها من التأثر العاطفي المتهور لكل ما هو قادم .

و ان كانت العملية ليست بالمستحيلة فانها بالموازاة مع ذلك ليست بالعملية السهلة . انها سياسات متينة بعيدة المدى لا تقبل ملامسة أصابع الهواة لها و لا تقبل الدوران في في أدمغة تكل بعد ساعات قليلة من التفكير و العمل . هي مهمة مؤسسات كاملة و خبراء نزهاء تمتد على مدى سنين عديدة لكن ثمارها أكيدة .


رضا محافظي – الجزائر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي ردود الفعل الدولية حول المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق ا


.. إيران.. لجنة الانتخابات تعلن ارتفاع عدد المرشحين للسباق الرئ




.. أنطونيو كونتي يعود لأجواء الدوري الإيطالي


.. مظاهرة في باريس وباريس للمطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار ف




.. حشود بمسيرات لشكر النرويج على الاعتراف بدولة فلسطين