الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي مستقبل نريد؟

رضا لاغة

2015 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تتكاثر في عالمنا العربي باستمرار أنواع لا تحصى من الجراثيم القاتلة التي تمتلك القدرة على التفشي بصورة سهلة. و إنه ليتضح أنهم لا يصنعون أنفسهم بل يصنعون. و في هذه الفسحة نناقش جرثومة الإرهاب التي تزعزع أركان الأمة . و هذا يظهر بجلاء في روح العصر و أحداثه . فالإرهاب يصل إلى قلوب شبابنا و يدخل عقولهم و يغيّر مزاجهم . هم يسترخون حين يصعقهم بأحلامه المضمرة , يعزفون على وجدان شبابنا كمن يعزف على قيثارة. تلامس الدّاخل بنبرة قويّة هادئة تحثّ على الرّكض خلف ملعب القتل . هم يعرفون متى يظهرون و أين يضربون. يقرعون طبول الحرب على الدولة متعطشين لمجد الخلافة . إثارة و تشويق تنتج لطخة تتدفق دون خشية الخطر ، لطخة معدية و حصينة ضد الذعر؛ تزحف ضد كل ما هو مدني حقوقي و وطني . لطخة ضارة لا تهدر وقتا لبلبلة الذعر و شنّ هجوم متهوّر ضد الأبرياء و أصحاب الرأي...
المعضلة تكمن في التلاعب السري و الاستيلاء على البنية الذهنية لشباب هش ينهشه اليومي. الضربة المؤلمة تبدأ حين يعيقون لديك فن المجادلة و تجذبك فكرة الانضمام إلى التدمير . إن قرصنة محاصيل الحجاج و البرهنة تمنعك من إيقاف الكارثة ، لأنك ستستسلم لإستراتيجية القتل حتى لو كان في حق صديق عزيز.
لاحقا يعترف بولايتك ، فيتكلّمون معك بتهذيب و دبلوماسية . فأنت مدرّب و مهارتك الإقدام على الموت . وهم يمرحون و يسبون النساء و الجواري . تصمّم على قتال عدو صمم بضرب من الالتباس و الاقتباس فتخسر أحبتك و عائلتك و وطنك . و تمضي قدما إلى الهلاك . يخطّط لك لكي يستمتع غيرك بقتل عابث . تتورّط في معركة بشعة تلحق ضررا بأمتك . كنت تبدو شخصا لطيفا ، يعرفك الناس من جموع قريتك محبوبا نقيا و حرا. و تحت ستار تهذيبات التحضّر يخرج منك حيوان ضار، أفقه ضيّق يحتقر العلم و المعرفة . أهدافه متعارضة معزّزة بمعنى الهدم . و لما كان علم اجتماع المعرفة كبحث تاريخي يهدف إلى اكتشاف الأشكال التي تتخذها العلاقة بين الفكر و الواقع في التطور الإنساني
يمكننا أن نفترض أن هناك ترابط و تجانس بين الإرهاب و وجودنا الاجتماعي لا بد أن نصل إلى طريقة موضوعية للحكم على أسباب نشأته. وهذه هي الوظيفة الفعلية للعلوم الاجتماعية.
مجال البحث إذن هو أن نفهم ما ينطوي عليه الإرهاب من معان خطرة تعكس في أعماقها طبيعة وجودنا الاجتماعي التاريخي و منطلقاته السابقة السياسية منها و العلمية و الاقتصادية . فلو أن شاغلنا هو أن نفكّر لكي نصنع مستقبلا أفضلا لأمتنا فلا بد أن تدقّق النظر في أمسها بكل أبعاده قصد تسريع عملية التطور .
سياسيا
لا أحد يشكّك في كون الحياة السياسية نمت بمواصفات اتّسمت بالصراع . فمنذ وفاة الرسول الأكرم كانت مسرحا تتصارع فيه مراكز قوى خلّفت وراءها ندوب أغرقت الحضارة العربية الإسلامية في متعة القتل و التصفية . فكانت نظمنا كسيحة لا تستوعب الشرط الديمقراطي كأسلوب في التطور الاجتماعي. و لسنا نبالغ حين نقول إن القتل لبّس بمعان عقدية إلى يومنا هذا . فقد ظهر ابتداء وفق سلوك المرجعية التي تدرأ السوء بالخيار الأصلح: القتل.
هذا المنزع الوراثي ألقى ظلاله اليوم عند التكفيريين الذين ينهبون و يسفكون دماء الأبرياء باستخدام الدين وفق قراءة شرسة تقذف شهب من القسوة و البشاعة . وهو ما يتطلب إعادة النظر في الكثير من القضايا لصناعة عقل عربي مسلم متصالح مع الحداثة و معتدل في فهمه للدين بعيدا عن التوظيف و التطرف.
اجتماعيا
المتغير الاجتماعي الذي بالكاد يلاحق و بصورة لاهثة المتطلبات الجديدة و الصعبة للحياة في زمن نعرف فيه طفرة ديمغرافية و سدود و فوارق طبقية مجحفة أنتجت ضياعا لشرائح شبابية واسعة تعاني معاناة مريرة و مؤلمة من البطالة و الفقر.
قيميا و تربويا
انتصار ثقافة المبادرة الفردية في وجود معولم نسجّل فيه تراجع الدور الطلائعي للمعرفة مقابل تنامي معايير النجاعة و المردودية ؛ مما يستدعي إعادة قراءة القيم الكونية الجامعة و ضبط مدخلات جديدة لبرامجنا التعليمية تحقّق قدرا من الترشيد للسلوك الحركي و النفسي للناشئة استنادا إلى منهجية عمل مثمرة تعتنق مفهوم المواطنة العالمية و ترسّخ مفهوم الهوية العربية الإسلامية بما هي وجود مركب يقوم على فكرة التنوع.
اقتصاديا
إسراع وتيرة التنمية من خلال تنشيط و تركيز مشاريع وطنية تكسر عزلة الدولة القطرية و تستفيد من العمق العربي القومي لصالح وجود اجتماعي عادل.
من المؤكد أن الدور هنا موكول للساسة و لكن قبل ذلك للانتلجنسيا الثقافية التي تعمل عضويا من أجل رقيّ مجتمعاتها. و لكن الكارثة أننا نجدها ككل يوم تقع في أحبولة السلطة . إن المراهنة على المثقف العضوي ، و بضرب من التراكم ، هو شرط مسبق للتحرر من الإرهاب و كل ضروب التخلف. بمعنى آخر إن الفكر التسلّطي و الشمولي و الإرهاب التكفيري ليس سوى نماذج لفكر متحجّر لا يجري التفكير فيه وفق عقلنة موضوعية استنادا إلى فروع العلوم الاجتماعية و الإنسانيات. إنها ، و للأسف ، لا تزال علوما هائمة في زمن التصوف التكفيري و العسكرة الشمولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البكاء ليس حلا.
salah amine ( 2015 / 5 / 21 - 17:32 )
إن غالبية الفئة المثقفة تحاول النهوض والمساهمة في حل المشكلة التي تعيشها الشعوب العربية والإسلامية، ولكننا لا نرى لها أي أثر، وهذا لأنها لا تذهب في تفكيرها إلى الحلول الجذرية. إلى متى ونحن نسبِّح بحمد الله ورسوله، وهما أصحاب المشكلة، وفي الحقيقة ليس الله هو الذي خلق المشكلة، بل محمدا. إن مشكلة الإرهاب الديني هي مشكلة دينية. والأنبياء (موسى وعيسى ومحمد وغيرهم) هم الذين نشروا خرافاتهم على شعوبهم وادعوا الحكمة والمعرفة، ويا ليت أنهم نسبوا ذلك إليهم، بل نسبوها إلى قوى خفية لا حول لها ولا قوة ولا وجود، أخذت بذلك تلك الأفكار، قوة التأثير والاعتقاد المتزمت.
لقد آن الأوان أن تدرك الطبقة المثقفة - طبعا، الحل هو على يدها-، أن الحل يجب أن يكون في مقاطعة الفكر الخرافي، والدعوة إلى ثورة دينية تحررنا من الخرافة والجهل. مع تحياتي.

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة