الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط سجن تدمر

خالد قنوت

2015 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكن الرحلة إلى تدمر سوى غصة متواصلة تبدأ من الخامسة صباحاً و خفقان قلب متصاعد و توقف الانفاس عند حاجز ابو الشامات للتفتيش الدقيق لشوال الخضرة الذي سيقدم للمعتقل و رفاقه.
التصاريح و الهويات الشخصية جاهزة و لكن الوقوف على مسافة من بوابة السجن لساعات تحت شمس حارقة هو عقوبة لأهل المعتقل و محاولةً للاذلال مقصودة و مبرمجة. لم تتوقف للحظة, قصائد السباب و اللعنات في اعماقي لصاحب الصورة الضخمة على بوابة السجن, صورة الطاغية حافظ الأسد بلباسه العسكري و بنظرته الحاقدة.
اصابنا إعياء و دوخة و كادت أختي أن تقع أرضاً. حتى أخي الذي كان برتبة نقيب اضطر لخلع معطفه العسكري و قد اصابه التعرق و التعب.
اخيراً, ينادي عنصر الشرطة العسكرية علينا ثم يدقق بالأوراق. وجهه الصلب الخالي من أي مشاعر أو تعابير لازال بذاكرتي و صوته الجاف يأمرنا بالسير خلفه إلى غرفة الزيارة و نحن نتقاسم حمل شوال الخضرة و بعض الاكياس التي تحوي ملابس داخلية و كنزات صوف و نظارات طبية.
مرورنا بظلال بعض الشجيرات اعاد لنا الروح, لطريق طويل, ترابي أو نصف مزفت, تصطف على يساره ابنية أو قد يكون بناء أرضي شاحب بدون نوافذ, لم أعد أذكر.
انعطفنا على اليسار و دخلنا عدة بوابات حديدية يحرسها عناصر من الشرطة العسكرية الآليي التحرك و الانفعال, لندخل غرفة الزيارة التي تتصدرها صورة الطاغية يجلس تحتها شاب برتبة رقيب بالشرطة العسكرية يبدو أنه مجند. كان لطيفاً و كان عليه أن يسمع كل كلمة و ينظر إلى كل حركة لزيارة تمتد لخمسة عشرة دقيقة.
كانت اصوات البوابات الحديدية تفتح و تغلق تباعاً و تقترب من غرفة الزيارة ليدخل اخيراً عنصران من الشرطة العسكرية و خلفهما جسد طويل نحيف لشاب كان قبل سنوات مفعم بالحياة و الصحة قادماً من اوكرانيا و معه شهادة بالهندسة باحتصاص ميكانيك دبابات.
كانت بشرته أكثر بياضاً مما كانت و كانت عيناه التائهتان تبحثان عن الضوء لترى الاشياء و الاجسام. ما لفتني أنه بحركة لاإرادية رفع يده و كأنه يحاول حماية وجهه عندما طلب منه السجان أن يدخل للغرفة.
العناق و الاحاديث و الكلمات المحسوبة بيننا نحن المرهقين من ساعات الانتظار خارج المعتقل الرهيب و بين شقيقي المعتقل السياسي, أمام الرقيب الذي حاول بجهد خاص منه أن يبعد نظره عنا لعلنا نسرق لحظة حميمية انسانية واحدة خارج اصول الزيارات.
لم أعد اذكر الاحاديث التي كان علينا أن نسردها خلال خمسة عشرة دقيقة فقط لزيارة تبدأ إجراءاتها قبل شهر من تقديم طلب في فرع التحقيق العسكري بمنطقة الجمارك لزيارة معتقل خاصة بأقرباء الدرجة الاولى ثم رحلة تبدأ من الخامسة صباحاً لتبدأ الخمسة عشرة دقيقة في الساعة الواحدة ظهراً تحت اعين صورة الطاغية الجاحظتان.
مر الوقت سريعاً ليخبرنا الرقيب الشاب أن الوقت المتبقي للزيارة هو دقيقتان فقط, لكن صوت من خارج الغرفة سأله عن شيء ما, فتظاهر الرقيب بأنه يريد أن يرد فقام من خلف طاولته و خرج. كلمات اخي لا انسى منها أي حرف حتى الآن: (لن نتراجع عن مبادئنا و ملتزمون بإسقاط نظام حافظ الأسد و بناء دولة وطنية ديمقراطية, خبر الجميع) لتنتهي هذه الكلمات بدخول الرقيب معلناً بود انتهاء الزيارة و ليدخل السجانان و يطلبان من المعتقل أن يرافقهما و ليرفع اخي يده لاإرادياً مرة أخرى محاولاً حماية وجهه.
أخرج أخي من جيبه قطعتين و طلب من الرقيب أن يتفحصهما قبل أن يقدمهما لي, كانتا مسبحة مشغولة من بذر الزيتون و أخرى عبارة عن نواة ثمرة دراق مشغولة بطريقة رائعة و قد كتب عليها اسمي.
مازالت تلك الهديتان معي منذ ثلاثين عاماً لتخرج اليوم من صندوق الذكريات مع اخبار سقوط سجن تدمر العسكري بأيدي متطرفي داعش الارهابي الذي سيعيد ترميمه و ملؤه بأحرار سورية من جديد.
كان على السوريين أن يثوروا بعد أكثر من ثلاثين سنة على نظام الطاغية حافظ الأسد ليتحرر السجن و لكن ليس كما حرر ثوار فرنسا سجن الباستيل إنما بتواطئ النظام المجرم مع اجرام الارهاب الداعشي كي يجعلنا جميعاً نندم على ثورتنا.
لكن و بعد اكثر من اربع سنوات على قيام الثورة و مع كل هذا الدمار و القتل و الاجرام الأسدي فليكن علينا جميعاً كسوريين أن نؤمن بأن لا هدف لنا اليوم, سوى إسقاط هذا النظام عسكرياً و خلعه من جذوره لتغيير قواعد اللعبة التي تضع السوريين بين سندان النظام و مطرقة الارهاب و التطرف و سيكون علينا أيضاً كسوريين أن نقوم بثورة أخرى على أي استبداد جديد و ربما أن نخوض حرباً وطنية طويلة لاستعادة السيادة و الوحدة الوطنية و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أضواء قطبية -مذهلة- تنير السماء بفعل عاصفة شمسية -تاريخية-


.. النيابة العامة في تونس تمدد الاحتفاظ ببرهان بسيس ومراد الزغي




.. الجيش الإسرائيلي يعلن تكبده خسائر بشرية على الجبهة الشمالية


.. الحرب تشتعل من جديد في جباليا.. ونزوح جديد للغزيين




.. بعد الزلزال.. غضب في تركيا و-مفاجآت سارة- في المغرب