الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقاومة - قصة قصيرة
خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد
(Kalil Chikha)
2015 / 5 / 23
الادب والفن
ذبل النهار وشحب لونه وبدأت الشمس تودع المدينة واعدة بشروق جديد . وباستطاعتك أن تسمع صوت الأولاد وزعيقهم في الأزقة ومشاجراتهم المستمرة حول الرابح والخاسر في كرة القدم التي صنعوا لها من الشارع ملعباً . ولا تمر سيارة بهذا الملعب إلا بصعوبة بالغة ، أو قد يندفع سائق بسرعة جنونية يجعل من الأولاد غباراً ، يتناثرون مبتعدين عن الخطر ، وقد تسمع شتيمة بذيئة على السيارة وصاحبها من فترة لأخرى .
اقتعد مصطبته الملتصقة بالبيت كالعادة وهو يقلب الصحيفة . قرأ عنواناً كتب بقلم عريض في أعلى الصفحة (موافقة المنظمة على انسحاب قواتها من لبنان إلى تونس).وبعد أن انتهى من التصريحات السياسية والغطاء الدولي و الكفالات وغيرها ، (صدت) نفسه عن القراءة . تلبسه الوجوم ولم يعد قادراً على الانتقال لأي مسألة أخرى ، بل بدأت اللماذا والكيف والمتى تهرش داخله . كان صخب لاعبي كرة القدم قد هدأ ، وشرع الليل يقذف بخيوطه السوداء إلى المدينة .
يقبع البيت في المخيم ، فهو يعمل في مؤسسة النقليات منذ ثلاث سنوات إلا أنه لم ينقطع يوماً عن المشاركة في نشاطات المنظمة . تزوج منذ سنة مضت . كان أخوه يقطن معهم ، إلا أن نقل وظيفته إلى العاصمة أجبره على تركهم والالتحاق بعمله هناك . عندها قررت الأم أن تبقى بجوار ابنها الأصغر أحمد .
دخل البيت ، فسمع قرقعة آتية من المطبخ ، وقف عند الباب، فشاهد زوجته تفرك الصحون ثم ترتبها في رف يقع فوق رأسها . وقع نظره على عناقيد الثوم المتدلية من السقف . وانتبه إلى ستائر نافذة المطبخ التي كانت ترتجف جراء اندفاع نسائم خارجية . ومن دون أي مقدمات ، نبر بصوت غاضب:
- هل سمعتم، المنظمة تسحب قواتها إلى تونس .. هذا يعني أن المخيمات ستبقى مكشوفة للإسرائيليين ..هذه لعبة جديدة .
وما إن أنهى جملته حتى أطل وجه أمه الهزيل وقد غارت عيناها في الجمجمة بقسوة . عقبت على الحديث :
-كنت أعرف أن اسرائيل سترغم المقاومة على الانسحاب.
استدار نحو أمه فوجدها ما زالت تناضل مستندة إلى الجدار . توقفت قليلاً تستريح من عناء المسافة ثم أردفت:
- منذ سنة 48 ونحن نتشرد ونموت ، فليس هناك مانع أن نساوم وننهزم.
التفت وهم بالخروج ، فأحس بضيق في صدره ، قال :
- أرجوك يا أمي ، كفي عن هذا الكلام المحبط للهمم . هذا هو ما يريد عدونا أن يسمعه !! ومضى خارجاً من المطبخ . لكن تابعت العجوز وهي تنظر إلى سهام هذه المرة وقد أصبح صوتها يعتريه التعب والوهن ، فبدا كأنه موجات متقطعة :
- لماذا الهروب من الحقيقة ، هذا ما حصل لنا .. والله ما زلت أذكر أيام النزوح ، خرجنا كقطيع الغنم .. لم نأخذ معنا سوى خرق بالية يا بنتي .
صمتت لهنيهة ، ثم استجمعت قواها ، ومن دون أن تلتفت إلى سهام :
- كنت صبية في تلك الأيام ، أعدو حاملة طفلتي التي ماتت على الطريق .. كان الغبار يتطاير وصيحات النساء تشق الفضاء ، وهمهمات الرجال تضفي على الجو رعشة رعب ، وتدافع الناس وصراخ الأطفال .. كيف أنسى ذلك اليوم ، كانت ولادة يوم جديد ، يوم مليء بالتعاسة .. كم مرضنا وتقرقفنا من البرد في رحلتنا الموحشة .
توقفت عن الكلام وهي ترفع في يدها اليابسة محرمة تمسح دموعها التي أخذت تشق طريقها في أخاديد عمرها أطول من النزوح . وخيم صمت لبرهة قصيرة ، كسرته سهام متفادية النظر إلى العجوز :
ـ هذه ذكريات مؤلمة يا خالتي ، فلنشكر الله على أية حال
- الله قدير .. فهو يراقب ويعرف أن يهود الشيطان قد ظلمونا .
وتتالت الأيام ، وأحمد يأتي للبيت من عمله .يستقبل شباباً كل يوم . يمكثون ساعات يتحادثون ويتناقشون ، ثم يغادرون من دون أن تعرف وجوههم العجوز . وكان أحمد يجلس في الغرفة لمدة طويلة ينكب على تحرير أوراق ريثما يمزقها أو يخفيها عن العيون .
وقرع الباب ذات يوم ، فهرعت سهام تفتحه ، وإذ بثلاثة شباب يقفون بعيداً عن الباب ويحملون حقائب صغيرة ، فسألتهم عن حاجتهم ، فطلبوا زوجها . فتقدم أحمد من الباب وأدخل الشباب إلى الغرفة ثم أخذوا يتهامسون في أمور غير مسموعة .
وبعد مضي دقائق خرج أحمد واتجه إلى أمه وزوجته وفي نفسه شيء هام سيدلي به ، فاستقبلته زوجته بتلهف خائفة ، ويداها ترتعشان . نظر إليهما ثم حرك يده اليمنى بارتباك :
- قررنا أن نلتحق بالمقاومة .. فالحاجة لنا الآن أكثر من أي وقت مضى
ندت عن سهام صرخة تبعها بكاء ونواح :
- لا .. لن أدعك تذهب .. لا
وأنهالت عليها العجوز تعانقها وقد تحولت العيون إلى خوخات حمر . فقالت العجوز وهي تتوسل إليه :
- لا تتركنا يا بني .. أرجوك .. ماذا تبقى لي في هذه الحياة؟؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك
.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??
.. رقم قياسي في إيرادات فيلم #شقو ?? عمرو يوسف لعبها صح??
.. العالم الليلة | محامية ترمب تهاجم الممثلة الإباحية ستوري دان
.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا