الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية والعرق والأنساب

الشهيد كسيلة

2015 / 5 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


عند الشعوب التي اكتمل عندها النضج السياسي والحضاري لا أحد يشكك في هويته أو يبحث عن انتماء عرقي أو قومي خارج بلده لكن ما نراه في بلدان شمال أفريقيا أمر يدعو إلى التأمل وإعمال النظر فقد استفاق الكثير من الأنترنوت والمتابعين للمنتديات الانترنيتية ومواقع التواصل الاجتماعي على هجمة قوية لترسيخ هوية مصطنعة وطمس الهوية الحقيقية للبلاد لا ريب أن جهات تملك المال الغزير وراءها.
عشرات بل ربما مئات من المواقع التي تفتح مئات الصفحات التي "تخصصت" في الأنساب في بلاد ليست لها حالة مدنية (Etat Civil) على امتداد ما يربو عن 10 قرون وهي الفترة ما بين القرنين VIII و XIX ولولا الاستعمار الأوربي لاستمرّ الحال على حاله ، لكن هذه الحالة المدنية لا تزيد عن منح اسم عائلي Patronymique لا يذهب بعيدا ، أي منح هوية شخصية لا غير بل إن الكثير الآن مع التطور الاجتماعي الذي حدث أصبح غير مقتنع بتلك الألقاب التي "ألصقت" بهم بل ويتحرجون منها ... مما جعل الكثير يبحث عن أصوله البعيدة لاستكمال هويته التي يراها منقوصة ، بل وظهر التفاخر بالأصول والأنساب ...
هذا الواقع وهذه الأرضية وجد فيها البعثيون والوهابيون البيئة الملائمة لأيديولوجيتهم التي تهدف إلى عوربة البلاد نهائيا قبل أن يستيقظ "المارد" الأمازيغي النائم منذ قرون ويفسد عليهم "العزيمة" كما يقال ، والا كيف نفسر تفرغ البعض في منتديات انترنيتية تماما بالرد على كل من يرسل اليهم طلب البحث في أصوله ...
في شمال أفريقيا هناك انتماءان لا ثالث لهما عند هؤلاء وكأن البشرية هنا خرجت بين فخذي هلال وإدريس اللذين يقدمهما "خبراء" الأنساب على أنهما السلفان الأولان لكل أهالي شمال أفريقيا وما دونهما شتات لا يعتدّ به.
يعني في المحصّلة ان هناك جذمان :
1- أعراب ينتمون إلى هلال أو سلَيْم وهما عشيرتان من الأعراب الذين تمّ إجلاؤهم من نجد لأنهم كانوا على المذهب القرمطي وكانوا يقطعون طريق الحج ويفعلون ما تفعله داعش اليوم وبعد الفظائع التي ارتكبوها في سوريا تم نقلهم إلى صعيد مصر ومن هناك أرسلهم خليفة الشيعة الفواطم إلى إفريقية عقابا للمعز بن باديس أمير صنهاجة الذي شق عصا الطاعة و"ارتدّ" إلى المذهب السنّي ولمن يريد الاطلاع أكثر على أفعال هؤلاء عليه بتاريخ ابن خلدون .
2- أدارسة "أشراف" يرفعون نسبهم إلى إدريس الذي التجأ بعد موقعة فخ إلى المغرب واحتمى بقبيلة آوربة (Auréba) ومن غرائب الصدف أنها قبيلة الملك الأمازيغي الشهير الذي تسميه المصادر العربية كسيلة ، ومع أنه كان شيخا طاعنا في السن إلا أن أمازيغ أوربة زوجوه زواجا صوريا ونسبوا إليه طفلا أعطوه اسم إدريس الثاني وهذا ليكون الحكم فيهم ردّا على فقهاء الاسلام الذين يجعلون الامارة والملك والخلافة حكرا في آل البيت ، لكن المنحدرون (زيفا) من إدريس الثاني اليوم استمرأوا هذا النسب الذي يمنحهم امتيازات لا يزال من يستعمله يحظى بمكانة هامّة وتأسست في وقت لاحق نقابة أشراف في فاس توزع النسب الشريف إلى اليوم على من يدفع المال أو لأغراض سياسية ... ولا نزال نرى كل الفقهاء من كبار الأئمة إلى صغار معلمي القرآن يدّعون النسب "الشريف" لنيل التعظيم من العامّة ، وهم غير مستعدين للتخلي عن هذا النسب الذي يدرّ عليهم الهدايا والعطايا الوفيرة.
الغريب في هذه الأنساب أنها كلها تنتهي عند كبار الصحابة وأولهم علي بن ابي طالب وقليل إلى أبي بكر (قبيلة اولاد سيدي الشيخ) ولم نجد من يرفع نسبه إلى صحابة آخرين وهو دليل على أن هذه الأنساب منحولة ومع امتداد الأجيال تحول الانتحال والتزييف إلى "حقيقة" يدافع عنها أصحابها بشراسة. وتحولت إلى عرقية حمقاء حيث يرفع هؤلاء عقيرتهم بأنهم عرب وأشراف ويستعلون على الأصول الأمازيغية في بلد أمازيغي ويشعرون بانتمائهم إلى بلدان بعيدة أكثر من انتمائهم إلى بلدانهم ويرون في ذلك شرفا يعتدّون به على حساب مواطنيهم الأمازيغ مع أنهم في واقع الحال أمازيغ خلّص في ملامحهم وملابسهم وتقاليدهم وأفراحهم وأتراحهم وفي لكنتهم الأمازيغية وهم يظنون أنهم أفصح من قريش .
هكذا يكون البعثيون والوهابيون قد أوصلوا البلاد إلى حافة الانقسام في صفوف المواطنين لتكريس عروبة شمال أفريقيا بمستعربين أمازيغ زجوا بهم في أصول منحولة وتحول الوضع الى عرقية حمقاء لقوم تكسفهم ملامحهم الامازيغية ولغتهم "العربية" الأعجمية في لكنتها ولهجتها .
هؤلاء يخلطون بين أنساب منحولة وعرق مزيف وهوية مصطنعة ، وأخيرا وصل البعض إلى طريق ثالث وهو تحاليل الـ ADN المخبرية مع أن هذا لا يوصل لشيء لأن الهوية في أي بلد لا تبنى على العِرق ولكن تبنى على الثقافة وعلى الجغرافيا ، فما ذا لو ثبت أنّ المغربي مثلا من مالطة أو مقدونيا حسب مخابر الـ ADN هل يتوجب عليه أن يغادر المغرب إلى تلك البلاد ... لكن هؤلاء البعثيون والوهابيون لا يتعبون لان الهدف هو محاربة الهوية الامازيغية بشمال أفريقيا بكل الوسائل وخلط الأوراق لإلحاق الضرر بالنسيج الاجتماعي الشمال أفريقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب