الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخر مابين الصدمة والتجاوز قراءة في المجموعة القصصية ( تراتيل العكاز الأخير ) للقاص محمد علوان جبر ( ضوء أسفل الوادي ) انموذجا

حيدر جمعة العابدي

2015 / 5 / 24
الادب والفن


الاخر مابين الصدمة والتجاوز قراءة في المجموعة القصصية (تراتيل العكاز الأخير) للقاص محمد علوان جبر ( ضوء ازرق أسفل الوادي) انموذجا .
ان محاولة البحث في اي نص ادبي تتطلب من الباحث او الدارس جهد ودراية واسعة لفك اسرار ذلك النص ومن ثمة حل اسرار هذا النص من رموز ودلالات وعقد فنية وتقنية بني عليها النص، ليتسنى له مساءلة النص وسبر عوالمه المتمثّلة بما وراء المعنى والجوانب الفنية والجمالية التي يحاول التاكيد عليها ولفت انتباه المتلقي نحوها باعتبار النص خطاب يحمل بداخله انساق ثقافية معلنة ومضمرة تتسرب عبر اللغة المحكية والعوالم المتخيلة لإنتاج بنية نصية متحركة كما يسميها ( بارت) .لذلك فإن اي عمل ادبي سواء كان شعرا او قصة او رواية يحتاج من الكاتب رؤية معرفية وثقافية دقيقة تقيه السقوط في فخ الرتابة والتكرار والتقريرية التي تفقد النص قيمته الفنية والفكرية وعناصر الشد والتشويق ، وبما ان النص القصصي يكاد يكون أشبه بغابة كثيفة اللغة والاحداث والدلالات والاساليب الفنية تحتم على من يروم اقتحام هذه العوالم امتلاك أدوات العمل الفني والادبي ليتمكن من فهم مداخل وخارج هذه الغابة ،لفك اسرارها واكتشاف مكامن الضعف و الجمال فيها وبالتالي يسهل على الكاتب اقتفاء بنية النص العميقة، لذلك يعتبر فن كتابة القصة من اكثر الفنون والأجناس الأدبية تعقيدا وتكثيفا في البناء، وكي يتسنى للكاتب انتاج عمل إبداعي لابد له من رؤية وتوظيف جيد قادر على انتاج نص مختلف ،ولتحقيق ذلك على الكاتب ان يسعى من خلال النص ترتيب و تشيد عوالمه المتشابكة الاحداث والتصورات بشكل فني وعلمي متجانس باعتماده على اُسلوب و لغة مسبوكة بشكل ادبي مميز، وتراكيب صورية فنية مؤثرة وهي من اهم عوامل الإبداع والنجاح في اي عمل ادبي .
تمثل المجموعة القصصية ( تراتيل العكاز الأخير ) للقاص محمد علوان جبر الصادرة عن دار عدنان - 2015 والتي تضم بين طياتها ثلاث عشرة قصة تتشارك فيما بينها بمنظور ورؤية ثيمية ناقمة لفكرة الحرب التي تكشف حجم المأزق الانساني الخطير الذي صنعه الانسان لقمع أخيه الانسان حيث يتضح ذلك في عناوين قصص المجموعة التي تبدأ في قصة حفارو الخنادق ، وضوء ازرق أسفل الوادي التي ستكون محور دراستنا وتنتهي بقصة مطر بلون الرثاء . اعتمد الكاتب في جميع قصص المجموعة ،على عقدة مركزية تقوم على الصدمة والتجاوز ،المتمثل بواقع مثقل بالحروب والصراعات والاقصاء للذات الانسانية وبالتالي هو واقع صادم لكل من يعيش احداثه ،ولايمكن تجاوز هذه الصدمة الا عبر الا خَر الباحث عن الجمال والسلام في خضم الحرب والقتل المستمر الذي بات يشكل فشل انساني فضيع ، لذلك فالقصة تحاول اثارة عدة أسئلة وجودية : كيف نسترد بعدنا الانساني من خلال الاخر ونحن نقتل بَعضُنَا بعضا بأسم الوطن وباسم الدين وباسم الحرية ؟ وهل الحرب هي خيارنا الأخير للنجاة ام ان هناك ابعاد اخرى تحتاج منا اعادة مراجعة وتقييم وتوجيه لكل ما هو قيمي سائد من خلال نقد الذات والانفتاح على الاخر المختلف ثقافيا ؟ ، ان هذه التساؤلات جميعها تدفعنا عميقا لسؤال جوهري يرتبط بهم فلسفي عن الجدوى من الصراع مع الاخر الذي في جوهره (النحن) يتضح ذلك في نمط الخطاب القصصي المعلن في أقسام المجموعة والتي تمثل قصة ( ضوء ازرق أسفل الوادي ) انموذجا ناجحا للإجابة على هذا السؤال أو الأزمة الانسانية التي عصفت بكل المفاهيم والقيم الانسانية التي أنتجت لنا واقعا مئزوم ورؤية مشبعة بالعداء والكره للاخر بوصف الاخر عدوا لا شريكا في الحياة لكن شريك مختلف ضمن ثقافة ووعي خاص ،لذلك وسم عنوان قصته بالضوء وهي دلالات على بقايا أمل ومساحة للمشترك رغم عتمة العداء والقتال الذي دام اكثر من ثمان سنوات من الموت والدم لكلا الطرفين في الحرب لذلك حاول الكاتب لإجابة عن هذه الأسئلة بتمثل خطاب الاخر الانسان قبل العدو والفنان قبل الجندي في سعي من الكاتب لأحداث مقاربة ثقافية ومعرفية مع الاخر . استخدم الكاتب تقنية. الكامرة في الوصف لما تحملك من دقة وتساع ( بدا الامر كأنه دخول مغارة معتمة الا من كتل بيضاء شكلت مدخلا ضيقا ، تنفذ منه خيوط ضؤية على هيئة اشكال صغيرة بدة عصية على عقلي ) اعتمد فعل الروي ،على راو عليم يتحكم في كل شيء ويتدخل في فعل السرد وصياغة الاحداث من الداخل والخارج وتقديم وتأخير الاحداث ( كان الدفتر الذي قدمه لي فخري وهو يطلب مني ان أترجمه له ، دفتربلا ألوان ممزقا في بعض الصفحات ومتربا) لذلك حاول هذا الراوي ان يضعنا امام صدمة اكتشاف الاخر الذي اكتنزت ذاكرتنا طيلة الحرب معه بشتى انواع الصور العدائية بوصفه محتلا يسعى لقتل أبناء جلدتي وهي صدمة تضع المتلقي امام مأزق صعوبة التعاطف مع الاخر المختلف في الأيديولوجية لكنه متشابه في الانسانية حيث يسعى المؤلف الى سؤال القارء من خلال دفع النص والمتلقي لتجاوز الصدمة عن طريق الاصغاء للاخر لكن هذا الاصغاء لا يمكن أحداثة الا عن طريق النص المقروء المحايد المرسل لا عن طريق الخطابة الحماسية او الوعظية التي طالما خدعتنا بشعاراتها البراقة التي كرسته السلطة لفترات طويلة لمصالح واهداف خاصة ، فجاء فعل الكتابة او النص المكتوب عن الاخر أفضل طريقة لكتشاف الاخر من خلال فتح نوافذ المشترك التي يحاول الراوي العليم ( اخو فخري ) ان يطيل السرد والتأكيد عليها عبر ترجمته للدفتر او المخطوطة التي يصفه الراوي بأنه دفتر مترب وممزق، وبالتالي يتوجب عليه التاني في حل طلاسمه ورموزه اللغوية والتي لايمكن حلها الى عن طريق المقاربة والتأويل ليضعنا الراوي امام احداث هو المسؤول الاول عن سردها بوصفه راو مشارك في سرد الاحداث وفي تشكلها ( المشكلة عزيزي "فخري "ان الكثير من الكلمات حفرتها شظايا او غبار القنابل ) توزع الحوار مابين مونولوج داخلي ( كنت أتعمد حديثا مفترضا مع الفضاءات المزرقة وأطالع انحداراتها وابعث له التحية ) والحوار مابين فخري وأخيه الراوي والمؤلف ( قالها فخري وبدات اشرح له رسما سألني عنه ) تميز النص بالغة مكثفة أغنت النص بصور فنية وشعرية رائعة ففي مشهد يصف فيه لحظة الهجوم عليهم يقول : ( يومها احسست ان الجبل يئن بل يريد ان يقفز الى السماء احتجاجا على موته او موتنا الذي كان وشيكا ) وهنا نجد هذا الشعور الجميل والعميق بالًأخر الانساني والطبيعة يصل حد الحيرة والسؤال عن جدوى أن اُقتل او اقتل، استثمر المؤلف تقنية التسريد المتزامن اي عرض صورة مع النص لكن صور ذات دلالات انسانية وفكرية بعيدة عن جو الحرب والقتل تعمد الكاتب في إدامة زخم هذه الحظات من خلال التاكيد عليها في كل مفاصل النص وذلك كرسالة تحمل خطاب انساني رافض لفكرة الحروب والقتل والتفرقة والصراعات لذلك عمد على اعادت هذا المشهد عن طريق أخيه فخري بطريقة فنية جميلة تعتمد على استبدال لحظة الحرب بلحظة البحث عن الجمال في الاخر الذي بعث رسالة بعد ايام من التحاقه يصف فيها نفس المشهد ( وانا اتطلع الى سلسلة الجبال التي تفصلنا عنهم ، أتخيّله جالسا يحدق في المكان الذي اجلس فيه ، وربما اقتنى دفترا جديدا ... وهو يتطلع الى فضاءات الجانب الاخر من الجبل محاولا إخفاء انهماكه برد التحية لي كما افعل أنا ) برع المؤلف في اختيار شخوص ذات وعي فني وفكري انساني ، وهي دلالة واضحة على ان الرهان على البعد الثقافي والانساني ؛ لانه البعد الوحيد القادر على امتصاص وتجاوز صدمت الحرب والقتل رغم التهميش الذي يعانيه هذا الثقافي داخل مجتمعه، ولأنه الوحيد القادر على ردم هوة الصراع من خلال البحث عن الجمال والفن المشترك في الاخر الانساني اذا نحن امام اعادة سؤال الذات عن طريق الاخر مفاده الحياة بمعناها الفلسفي والفني اسما بكثير من صراعاتنا التي نقتل فيها بَعضُنَا البعض من اجل مكاسب سياسية تطيح بكل ما يجمعنا من اواصر إنسانية مشتركة تحتم علينا تهشيم وإزاحة لصورة الاخر العدو واستبدالها بصورة الاخر المشارك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي