الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الجزائري: بين الإقالة و الاستقالة

بوشن فريد

2015 / 5 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


المجتمع الجزائري: بين الإقالة و الاستقالة
يقول الشاعر الفرنسي أندريه بريتون أحد مؤسسي و أعمدة المذهب السوريالي عام 1921: " إنّ أبسط عمل يقوم به السوريالي هو النزول إلى الشارع بمسدس في اليد, و إطلاق النار على الجماهير حيثما اتّفق ", و هذه المقولة المعروفة تأتي في إشارة إلى الجمود الكلي الرهيب الذي أصاب المجتمع آنذاك, فلا يعقل حسب بريتون أن يستسلم المجتمع بسهولة في وجه الظلم السائد يومها و لا يعير اهتمامه لمستقبل مصيره و مصير وطنه, و نفس الحال بنفس الشكل و اللّون و الصورة تتجلى معاناة المجتمع الجزائري اليوم, خاصة في مرحلة حكم الرئيس بوتفليقة, فمنذ عام 1999 يوم اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم إلى غاية اليوم, ما يزال المجتمع الجزائري يتخبط في دائرة الجمود و الانطوائية على الذات, بمعنى أن الإنسان الجزائري أصبح لا يتحف بما يدور حوله, و أعلن استقالته المبكرة من الانخراط في العملية السياسية و الثقافية و الاجتماعية, فقد تحوّل من إنسان دون أمل إلى إنسان بلا مصير و لا قيمة و لا هوية وجودية, و إذا تعمقنا بجدية في البحث عن تفسير يليق بهذه الظاهرة الخطيرة التي مست المجتمع الجزائري في السنوات الماضية القليلة, بعدما كان قدوةً و عبرةً عند المجتمعات العربية و دول الجوار, نجد أن العامل السياسي الذي ينتهجه النظام الجزائري في حقه " المجتمع ", و الطريقة العفريتية التي يعتمد عليها لتفكيك أي رابط متين بين المجتمع مع التطور الفكري و الوعي الحضاري, و ذلك باستخدام عامل المال لشراء الذمم و الضمائر و النخب التي لم تفقد بعد خيوط الأمل في عملية التغيير الممكنة بالجزائر, كلها عوامل منطقية استغلها النظام لدمج الجمود بالغباء و تركيع الأذكياء و الأغبياء في آن واحد, قصد الحفاظ على نصاعة التاج و مزايا السلطة و نفوذ الحكم.
و هذه الخطة الجاهلية التي يعتمد عليها النظام من أجل البقاء و استمرارية في الحكم, يمكن أن لا تجد صدى أو قابلية للتطبيق, لو لم تجد مجتمع متعطش للبيع و المزايدة و المقايضة, مجتمع قابل للركوع و الخنوع باسم تقاسم الأرباح و تلقي نصيبه من خيرات النفط, و هنا يكمن جوهر التناقض الصارخ في طريقة تفكير المجتمع, فمن جهة يملأ الشوارع صراخا و عويلا و يهجو بأبشع الخطابات عصابة الحكم, و من جهة أخرى لما تحين فترة الاستحقاقات المهزلية " الانتخابات في الجزائر ليومنا هذا ما تزال رهينة التزوير و العبثية في الفساد ", يتسارع الجميع لإدلاء بأصواتهم و تقبيل صورة عصابات النظام و إطلاق زغاريد مصطنعة إلى غيرها من الخلال المنافقة, مقابل الاستفادة من بقايا الريع و مسح الديون و أشياء أخرى لا تقبل التشهير بها, إذن يمكن و بكلمة واحدة إعلان المجتمع شريك النظام فيما وصلت إليه الجزائر, من عبثية و تطرف في كل شيء, و صناعة للكساد التفكيري و الأخلاقي و الوطني, الجميع متهم في إزالة الوطن من خريطة الوجود.
لذا إن اتخذنا مقولة بريتون بعين الجدية و قراءة المنطق, نجد أنها مقولة صالحة في زمننا هذا, و قابلة للتجديد في كل مرة سقط المجتمع في فخ الجمود و الخيانة, و رغم كوني من الداعين إلى التغيير السلس و السلمي, و أرفض منطق استخدام العنف و القوة لإظهار مفاتيح الحرية و بلوغ الطموح الذي نصبو إليه, إلا أنني هذه المرة, و بحكم تعمقي في تصرفات المجتمع بجميع شواربه و طبقاته العلمية, أجسر القول بأن عامل تعنيف المجتمع و عقابه على ما أقترفه من ذنب في حق الوطن و تاريخه, و ذلك بمحاكمته علانية عبر كتاباتنا و خطاباتنا و الوسائل المتاحة, يمكن أن نجني منه ثمار كبيرة في المستقبل, فلا يعقل أن يرضى الإنسان الجزائري في ظل البحبوحة المالية و تفشي ظاهرة الظلم و الجور و البطالة و الغباء و محاولة التطرف الإرهابي العودة بثوب الاجتهادات الدينية و استقامة سلوك المجتمع و بلوغ نسبة 70/ بالمائة من فئة الشباب, العيش في كنف العبودية و السخرية و الملكية... أين دور النخب الذكية في هذه العملية؟ أين ضمير الأذكياء؟ أين المجتمع أمام هذه الديكتاتورية و الفاشية؟.
إن وراء كل مجتمع غير مهتم و جامد و انطوائي و منافق يقابله نظام سياسي يشبهه في النفاق و الانتهازية, و لكن ما هي الحلول المتاحة لإعادة المجتمع الجزائري إلى سكة النضال و المقاومة و التحدي؟ و هل فعلا تعد نظرية الهدم و التدمير هي وحدها التي تمدّ الإنسان بوسائل الاتفاق مع نفسه.. ذلك أن غاية الإنسان لا يمكن إدراكها, إلاّ بالهدم و التدمير, و الانقلاب, أي بانقلاب القيم و على هذه الخيانة المجتمعية التي صنعها النظام بمال النفط, حتى جعلت من مجتمعنا يعاني ويلات السخط و المعاناة و التحقير؟.
و هل المجتمع الجزائري تعرض للإقالة أو الاستقالة؟ و من كان وراء ذلك؟.
و هل أصبحت الجزائر عاقرة لا تنجب الأدمغة و النخب الذكية؟
بوشن فريد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي