الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثل بصار خذلته مرآته

عبدالله مهتدي

2015 / 5 / 25
الادب والفن





مثل بَصَّارٍ خذلتْه مِرْآتُه

مِثلَ بَصَّارٍ
من زمَن غابر
كلما نظرتُ في المرآة
رأيتُ أسْرارَ الغيْب
قلتُ:
ها تمضي
إلى خَرابِها الفاتِن الأرضُ
فمن سيقطفُ وْردةَ الحُزن
من حنايا يدايْ؟
من سيعلنُ الحدادَ عن السَّنابل؟
سيْرمي دُموع الوَداع
على ظِلال رؤايْ؟
مثل حَكّاءٍ ماكِرٍ
أمُدُّ طَرَقَاتَ أصابِعي
على باب الحلْم
وأرْمي في درج الوقت
عميقا خطايْ
ألمِّعُ الذكْريات القديمة
بِزَيْتِ الغياب
وأمْسُدُ وجْنَة الرُّوح
بِوَرْدَة النّسيان
أرى وجْهي يَقْفِز
كسِنْجاب من فوْق الظّلال
وأغازِل غيْمةُ
رمَقَتْنِي مِنْ على التّلِّ
أزيِّن حداء أوْهامِها بالحكايا
أطيل الكَلام
عن مَجْدٍ هاربٍ
وألْهو بلِساني مع الرِّيح
لمْ يعُد لي خاطٌرٌ
لأعْدو بِكُرَةِ الحُزنِ
على حافِية القلْب
أهُشّ على الذكريات
أمُدُّ الخُطى في الطريق
فتصُدُّني المَمَرَّات
لأنّ في فمي غَيْمَةٌ
أو ربَّما سيمضي الّرّبيع الآتي
بآخِر الفرَح
هكذا
سأزيِّن الطرُق التي سافرتْ بي
إلى الحُزن
بمِلْح الدّموع
وسأترُك الماء
يسْكن خيْمَة الفقدِ
هكذا
سأرْثي خيْبَة العَواطِف
قبل أن تأتي الخَطاطيفُ التي ستسْكن الجرح
سأعانق اليتم الذي واعَدْتُهُ
في أَّوَّلِ الخَطو
و في داخلي
سيمضي إلى حتفِه العالم
لكنّني،
لسْتُ ماردا
يبتكر الخرافة
مُتَيَّما بالأساطير
حِرْفَتِي أنْ أُسائِل الليل
عن هُبوب الحُزن إلي
لم أنهزمْ قَط أمام النّهر
ولم أرْمِ الشباكَ لطائِر اليَأس
غير أني مَدِين للرِّيح
وحدي أخْبزُ الحروف
بماء الليل
وحدي أقَشرُ جلده
ليلبسَني النّهار
وحدي أطْهي اللغة
في فُرْن الجُرْح
وأنتعِلُ الفراغ الهَشَّ
وحدي
أسْكن خيْمَة الخسران
فماذا تقولُ الرِّيح لي؟
كلما شاكستُ بالحلم
يُتْمِي
بَيْتِي الغياب
– تقول لي –
ومَسْكَني لُغَة تُحاكي الخَراب
ماذا تقولُ الرّيح لي؟
تسألني أنَايْ
لم أمْتهن طَقس الفَرَحِ قط
غير أني مُتَيّمٌ بالسؤال
عن بلادٍ كساها الغيْم
واحتواها الضَّباب
وأعْرِفُ أنّي
من هذه الأرْض التي أدْمَنتني
لَذة الجُرح
لكنْ،
لماذا أسْمع أنِين الطُّين
كلّما تَمادَيْت في الحلم؟
لماذا كلّما رمَيْتُ الشباك
في حوْض الذكريات
أصْطاد فرَحا شاردا
بيْن مَمَرَّاِت الحُزن؟
لماذا كلما واعدَتني ورْدة
خَبأتُ أحلامي في ثنايا الرِّيح
وانطلقتُ إلى النهر
أنْصِتُ لِناي الجُرْحِ
وَألهُو مع فَرَاِش الماء؟

مثل صائِد أحْلام
خذَلتْه الشباك
أحْمِلُ حقيبة الماضي إلى النَّهر
أسْمَع على الماء دَقات
وفي مِرْآتي التي أسْكَرها النّعاس
أرى غْيمة
تكْسو حجَر الأرض
بِخيْطِ ظِلّ
أرى ضوْءا يتسَلل
من فخِد الجبال
أرى سعيدة المنبهي
تُلمِّعُ قصائدها
بزيْت السؤال
عيناها بَحْرٌ من الأشواق
شفتاها قَمَرْ
وَجْنتاها شهْدُ حلم
أرى حسن حمدان
يفكِّرُ
كيف يمكن لظلِّ غزال
أن يصبح فراشا
ليفلتَ من قوس الرصاص؟
أرى غسان كنفاني
يحْكي ل"أم سعد"
عن بيروت
يسامر فيها عصافير الجليل
ويمْحو عن وجْهِ قنديله
غبار الّرَّحيل
أرى عمربنجلون
يحمل مُزْنا
بين يديْه القمحيتين
لِيَرْوِي عطَش عمال الفحم
بدمه النازف وردا
بيديه القمحيتين
يَخِيطُ شِراعَ الحلم
وناجي العلي
يُعلِّم حنظلة
أناشيد الوَطن
يرْسم ضفيرة شمْس
على فمِ الليل
ونَايًا
يغنّي مواويل المِحَن
أرى دلال المغربي
وجهُها ليْلَك
تخْبُز
بأسْرارها جغرافية الشفق
أرى الحلاج
يغْتَسِل في لغَة المجاز
قبل أن" يصلي ركعتان في العشق"
وفكتور جارا
في الملعَبِ الكبير
يَعْزفُ على القيتار
قصيد النّصْر
أرى غاليلي
يضيئ بشمْع القلب
خرائط الجرْح
بنيامين مولويزي
يُحَرِّرُ البوْح من يُتمِه
وغيفارا
قد نَطَّ بالجمْع
من جُبِّ الغياب
الى مقام العِشق
مثل بصَّار خذلته
مِرْآتُه
أرى أحد عشَر عاشقا
قد افترشوا عُشْبَ الرّحيل
حرّرُوا الطرق التي ارْتَجَلَتْهم
من غَيَابَاتِها
يَمَّمُوا جِهَة الحلم
كان الجُرْح قنديلهم
قصِيدهم العِشق
لسْت بصَّارًا
لكن الغيْب في المرآة
يكْشِفُ لي تَعاوِيذه
لست بصَّارا
ولكنْ على الوادِي
رأيْتُ المِرآة
تَخبز أسْرارها بالماء
قلت:
ماكِرة هذه المرآة
تكْشِف لي مَخْبُوأها
تُسْكِنني في جُبِّ الحُزن
تُسَرْبِلني في خبَاياها
كلما سَلَكَتْ بي إلى النهر

لي شهْوة الماكِر
فأنا صائِد مجاز
ولسْت نَحَّاة تماثيل
أتَعقبُ الحروف إلى أوْكارِها
وألبَسُ أسْرار الكلمات
في داخلي
سلّة مَليئة بالذكْريات
وعلي يَدي قُفاز
يَطالُ الطرائد في النهر
كلما أرَدْتُ أن أصْطاد حلما
يمْكر بي الخَيال
فيصْطادُني الحُزن
لكنّي مولَع بمِرآة
يفِيض مِنْ كَفِّها المَاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع