الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصومال وجدل الفيدرالية والمركزية 2

خالد حسن يوسف

2015 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عند النظر في مواقف المؤيدين لنظام المركزي أو الاتحادي, نرى أن كلاى الطرفين يمثلكان رؤية مشتركة وهي أن النظام السياسي والذي رحل مع انهيار الدولة الصومالية في عام 1991, شكل بنية سياسية استبدادية, وظلت مقرونة بالاستبداد وغياب الديمقراطية التعددية ومناخ الحريات, هذه السمات تجمع كل الفريقين المؤيدين للمركزية والفيدرالية في الصومال, إلى أنه لا يمكن بالمطلق ومن وجهة فكرية وقانونية القول أن كلاى النظامين لا يناسبان المجتمع الصومالي.

فالدولة الصومالية التي نالت استقلالها في عام 1990 من الاحتلال البريطاني والايطالي, كانت تمثل بدولة بسيطة في مقوماتها وتركيبها, وتجانس منظومتها الاجتماعية والذين يمثلون الغالبية من الجمهور الصومالي, لم تكن وليست هناك فوارق اجتماعية ملحوظة ثقافيا,عرقية,دينية,طائفية,اقتصادية(رعاة ومزارعين), جملة هذه القضايا وقفت وراء الأخذ بالنظام المركزي, فالشعور الوطني كان يومها في أوج ذروته,وقلة الأطر السياسية والثقافية والتي لم تكن كافية لنظام المركزي ذاته,وضعف القدرات الاقتصادية للبلاد,وجود مشروع قومي قضى بتحرير الأراضي الصومالية الواقعة تحت قبضة الاحتلال الأجنبي, كل ذلك لعب دورا كبيرا في الخيار نحو المركزية, رغم مطالبة حزب حزبيو Xiisbiyo والذي كان يطالب بالفيدرالية منذ ما قبل استقلال صومال الدولة.

ونظرا لتجربة الاستبداد في الفترة ما بين 1969-1991 والتي شكلت تجربة العسكر الإنقلابيين ومن تحالف معهم من النخبة الصومالية, شهدت البلاد نظام الواحد من خلال بنى سياسية جاءت في صورة المجلس الأعلى للثورة والحزب الاشتراكي الثوري الصومالي واللذان شكلا النظام الواحد الغير تعددي, وخلال سطوة الأخير تم اللعب على التناقضات والسعي لإطالة عمر النظام عبر كل الأدوات الممكنة, وبدورها مارست المعارضة الصومالية نفس أساليب عمل النظام الحاكم, فانتهت الأمور إلى أزمة مجتمع وكان المجتمع الصومالي عند حلول سقوط النظام قد بلغ قدر كبير أصاب وحدته الوطنية, وبذلك كان انهيار الدولة سريعا في عام 1991.

تلك الظروف والمعطيات ومعها استمرار الحرب الأهلية, كانت العامل في تفكير صوماليين في التوجه نحو النظام الاتحادي, وجاءت البدايات الأولى لاستحضار هذا النظام في عام 1993 وبصورة خجولة, حيث عمل نخبة صومالية مثقفة مع بعض الدوائر الخارجية لتطبيق النظام الاتحادي, ونظرا لغياب قوى سياسية منظمة إداريا في المحافظات الصومالية فإن الأمر كان من الغير الممكن تكريسه, إلى أن المخطط كان حاضرا باستمرار ولاسيما في ظل المراهنة على أن الصراعات الصوماليين المستمرة وغياب الثقة ستفضي إلى هذا المنحى لا محالة, وهو ما كان.

واقع أنصار المركزية والفيدرالية

وبذلك بلغ الأمر بكلاى المؤيدين للمركزية أو الفيدرالية أنه ليس من الامكان طرح نموذج دولة يجتمع عليه المجتمع الصومالي وفق صيغة ديمقراطية تستند على المواطنة, فانتهى الأمر بالأذعان لواقع الثجزئة السياسية وتكريس إدارات قائمة على الجغرافية الجهوية القبلية, وبدورها تسعى إلى أن تنتهي كبنى جغرافية اتحادية, فالمركزيون والاتحاديون كلاهما يمارس لعبة وخيار الثجزئة وفي الحين ذاته يؤكد كلاهما على خياره مع أحد النظامين, وكلمة السر هي النزعة العصبية القبلية, فالفريقان جوهرا لا يمتون بصلة للمركزية أو الفيدرالية, بقدر ما أن الأمر دعوتهم تمثل بأدوات لصراع القائم.

وعند النظر في تجارب الإدارات التي أعلنت عن نفسها في الصومال منذ عام 1991 أكان بقالب دولة أو إدارات مناطق, فالجامع بينهم أنهم لا زالوا يستخدمون أدوات وسياسات النظام الصومالي السابق والذي حكم دولة مركزية, مما يستشف منه أنه ليست هناك أرضية سياسية تمارس العمل الفيدرالي في الصومال, عوضا عن أن هذه القوى تمارس الاستبداد وكل أشكال سلبية الممارسة السياسية وبصورة اسواء من الحكومات السابقة في ظل الدولة الصومالية المنهارة, كما أن أبسط متطلب لدولة أو لإدارة وهو بسط سيطرتها على الأراضي التي تدعي تمثيلها لا زال غائبا في تجارب هذه القوى, وفي ظل هذه الأوضاع التي تغيب معها مقومات الدولة البسيطة, يأتي أنصار الفيدرالية لتطبيق هذا النظام, وهو ما يمثل بتناقض جوهري يعيق النظام الاتحادي ذاته.

كما أن الصومال يفتقد إلى دولة ذات حضور مؤسساتي وذات قدرات على بسط سيادتها على جغرافيتها السياسية أكان من خلال أساليب الاستبداد أو المنحى الديمقراطي المدني, وبتالي عدم امكانية إرساء بنيان الدولة المركزية المتشددة أو تجسيد دولة اللامركزية الإدارية والتي يمكنها منح المحافظات أن تدير شئونها الداخلية باستقلالية عبر أداة الحكم المحلي والارتباط بالحكومة المركزية, فالحكومة المركزية أو الفيدرالية في الذهنية الصومالية, كلاهما مرتبط بحكومة حاكم البلاد والنخبة السياسية الملتفة حوله قبليا أو سياسيا, الدولة الصومالية المنهارة كانت وبكل مساوئها كانت المسؤولة عن توفير الاحتيات الأمنية,الدفاعية والخدماتية لمواطنيها.

بينما يدرك أنصار المركزية في الصومال حاليا صعوبة إيجاد نخبة سياسية صومالية قادرة على مستوى القادم المنظور, في تحقيق هذه الاحتياجات لمواطنيهم, فما بال إرساء للامركزية إدارية, ورغم هذه المعطيات يطالبون بحكم مركزي, المسألة أولا وأخيرا لا تتجاوز مناكفة بين من لا يدركون واقعهم أو أنهم لا يبالون به انطلاقا لحساباتهم البدائية لممارسة الإخضاع المتبادل.والملحوظ أن أنصار المركزية والذين عادتا لا ينطلقون من مبررات فكرية وسياسية بحته يتراجع حضورهم ومطالباتهم, ونراهم اتحاديين متى ما واكبتهم المصلحة أو أشتد عليهم الخناق, المسألة الأخرى التي تقف كعائق أمامهم هي أن النخب الصومالية قد تعاقدت وبدفع خارجي نحو خيار الفيدرالية, فأنتهت الدولة الصومالية الحالية الهشة إلى النظام الاتحادي واعتمد دستورها انطلاقا من ذلك.

واقع الخيار الفيدرالي في الصومال

النظام الاتحادي دقيق في إرساء البنى منذ اللبنة الأولى له وهو العقد الدستوري السياسي, في حين أن الهشاشة والتناقضات لا زالت تعثري الدستور الاتحادي الصومالي ولدرجة أن هناك اتهامات علنية توججها أدارة أرض البونت إلى الحكومة الصومالية وتحديدا إلى مؤسسة رئاسة الدولة في تزوير مواد وبنود في مسودة الدستور, بالإضافة إلى وجود تفسيرات متناقضة لمواد الدستور وحالة الخروقات الدستورية من قبل العديد من القوى السياسية أو الحكومة.

والملحوظ أن الأزمات السياسية أصبحت متكررة ويتم التعامل بالهروب إلى الأمام وفي اتجاه بلوغ الطريق المسدود في نهاية الأمر, ويساهم المبعوثين الدوليين لصومال في المشاركة بتلك الممارسات ولدرجة أن المبعوث الأممي الحالي نيكولاس كي,الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود عولسو ورئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالولي الشيخ أحمد يوقعون على الإشراف على مسودتين لإرساء أنظمة إدارتين إقليميتين هما أرض البونت والمنطقة الوسطى, وذلك عبر مواقف متناقضة ولا تتماشى مع مسودة الدستور.

ورغبتا في الهروب نحو الأمام تم التوافق وعلى حساب الدستور ذاته فتم تقسيم محافظة مذوج ما بين إدراتين وهما أرض البونت وإدارة أخرى قيد التشكل, وهو ما تم رفضه فيما مضى واستبعاده عن المطالبين بإدارة جنوب غربي الصومال ممن طالبوا بإقامة أدارة مكونة من ستة محافظات, أنه ليس أكثر من صراع النخب والذي تغذيه دول إثيوبيا وكينيا, وهو ما سيدفع قوى أخرى في البلاد في التمسك إمتيازات غير دستورية تمنح لقوى سياسية معينة, ونحو مسار دولة مشوهة الملامح وقائمة على التناقضات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو