الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كونوا على مستوى المسؤولية ، فالتأريخ لن يرحم أحداً !

جودت هوشيار
كاتب

2015 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


سقطت حكومة جمبرلن ، فى العاشر من شهر أيار 1940، في أحلك أيام الحرب العالمية الثانية ،عندما كانت لندن تتعرض يومياً الى الضربات الجوية الألمانية المدمرة ، وأصبح ونستون تشرتشل رئيسا للوزراء . وفى الثالث عشر من الشهر نفسه ، أي بعد ثلاثة ايام من توليه الحكم ، وقف تشرتشل فى مجلس العموم البريطاني يخاطب رئيس وأعضاء المجلس ويطلعهم على الحقائق المرة للوضع السيء في جبهات القتال . وفي ختام كلمته التأريخية قال تشرتشل : "
" أود أن أقول لكم ، وكما اخبرت زملائى اعضاء الحكومة ، لا يوجد ما اقترحه عليكم سوى الدم والدموع والعرق والعمل . تسألون ماهى سياستنا ؟ اقول لكم انها النصر ، النصر بأى ثمن ، النصر رغم الأرهاب كله ، النصر مهما كان صعبا والطريق اليه طويلة ، لأنه لا حياة لنا من دون النصر .
أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، الذي خيب الآمال المعقودة عليه ، فلم يكن صريحاً مع شعبه ، عندما خاطب العراقيين في كلمته المتلفزة يوم الخامس عشر من هذا الشهر ، بعد يوم واحد من سقوط الرمادي .
قال العبادي ، أن ( التراجع ) الحاصل في الرمادي أمر عابر وان المبادرة ما تزال بيد قواتنا المسلحة البطلة ، وان داعش قد تجرع في الآونة الأخيرة هزائم متلاحقة ، ولم يبق في صفوفه سوى أعداد قليلة من الأرهابيين ، الذين سيتم القضاء عليهم خلال الساعات القليلة القادمة وطردهم من مدينة الرمادي .
صدق العبادي في حكاية ( الأعداد القليلة ) ، فعناصر داعش الذين استولوا على مدينة الرمادي ، كان تعدادهم لا يتجاوز ( 150 ) عنصراً . يقابلهم أكثر من ( 6000 ) عنصر من الجيش والشرطة مزودين بأحدث الأسلحة من دبابات وصواريخ ومدافع ولديهم كميات هائلة من الذخائر . كل هذه الأسلحة اصبحت لقمة سائغة لـ( داعش ) ، وتكررت انتكاسة الموصل مرة أخرى ، وطوى النسيان مسألة تحرير الموصل الى أجل غير مسمى
كانت كلمة العبادي الأنشائية المفخمة غطاءاً تجميلياً لواقع مرير تعيشه القوات المسلحة العراقية والشعب العراقي بأسره .وتقول صحيفة " صنداي تايمز " البريطانية : "القوات العراقية أصبحت عديمة الجدوى تماماً، ولا تتمتع بالروح المعنوية، ويتم إرسال الجنود إلى ميادين القتال دون طعام أو ماء، مع قليل من الذخيرة، ويطلبون منهم التزود بالذخيرة من رفاقهم القتلى."
الجيش العراقي الحالي تشكلت من دمج الميليشيات الحزبية ، غير المنضبطة . ولعل ظاهرة " الفضائيين " خير دليل على استشراء الفساد بين القادة العسكريين الجدد – الذين منحوا رتباً عسكرية عالية من دون استحقاق . ويقال أن حصة الأسد من رواتب الفضائيين ، كانت تذهب الى مكتب القائد العام للقوات المسلحة ، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي .
البيانات العسكرية الصادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية وقيادة عمليات بغداد ، ما هي الا قنابل دخان في محاولة للتغطية على الحقائق ،التي يعرفها ابسط جندي في ارض المعركة . لقد قمت بأحصاء تقريبي - استناداً الى تلك البيانات - لعدد قتلى داعش منذ معارك الفلوجة ،قبل نحو سنة ونصف وحتى يومنا هذا ، حيث بلغ العدد الأجمالي لقتلى ( داعش ) حوالي ثمانين ألف قتيل في محافظات الأنبار وديالى والموصل وبغداد وكركوك .
ولما كان عدد الجرحى في الحروب ، هي خمسة أضعاف عدد القتلى تقريباً ،فأن عدد جرحي داعش بموجب هذه البيانات كان ينبغي ان يصل الى ( 400) ألف جريح . لنتذكر الخسائر الأميركية في العراق ، والتي بلغت أقل بقليل من خمسة آلاف قتيل وحوالى ثلاثين الف جريح .
الجيش العراقي لم يتمكن من تطهير الفلوجة من ارهابيي داعش رغم عشرات المحاولات التعرضية والقصف الجوي بالصواريخ والبراميل والغارات الجوية التي تشن على المدينة يومياً طوال حوالي ثمانية عشر شهراً .كما أن الجيش العراقي عجز عن الأحتفاظ بالمناطق المحررة ( مصفاة بيجي ، الكرمة ، ناحية البغدادي .. الخ ) .
وصفوة القول ان الجيش الحالي المترهل ، الذي يقوده جنرالات الدمج - والذي عجز تماماً عن الأستفادة حتى من الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي ، لن يحقق النصر على داعش ،اذا ظل على وضعه الحالي ، ولا بد من اعادة هيكلته والتركيز على التدريب واكتساب المهارات القتالية ، وتعزيز القدرات الأستخبارية واختيار القادة الكفوئين .
ثم أن داعش ليس مجموعة ارهابية صغيرة ، ولو كان الأمر كذلك ، لكانت الشرطة العراقية وحدها كفيلة بالقضاء المبرم عليه في وقت وجيز ، بل جيش مدرب ومنظم أقوى من معظم القوات البرية للجيوش العربية .
ماذا كان العراق سيفعل لو كانت لدى داعش الطائرات الحربية القتالية والقاصفة .؟
كفى خداعاً أيها السادة : لتكن لديكم شيء من شجاعة وحكمة تشرتشل .!
آن الأوان لمكاشفة الشعب بالحقائق والقضاء على الفساد والتعيينات الحزبية داخل الجيش الوطني ، وتوفير كل مستلزمات دحر داعش على الأرض وليس بالبيانات والتصريحات والخطب الرنانة وتبرير الهزائم وتزوير الوقائع ، لأن هذا الطريق لن يؤدي الا الى الحاق مزيد من الأذى بالجيش العراقي واطالة أمد محنة العراقيين ، لا سمح الله .
كونوا أيها السادة على مستوى المسؤولية ، فالتأريخ لن يرحم أحداً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -