الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الدولة في -تنوره -.

صالح حمّاية

2015 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حين نرى الصرامة والعصبية التي تعامل بها رئيس جامعة الجزائر، و وزير التعليم العالي لاحقا "الطاهر حجار" مع مسألة الطالبة صاحبة التنورة القصيرة ، قد يخيل لنا للوهلة الأولى أن الجزائر دولة " اصولية -دينية " و أنها من هذا المنظور تتعصب مع اللباس القصير ، فالرجل وحين حاول تفسير معنى اللباس اللائق لدخول الجامعة ، زعم أن هذا اللباس يتنافى و ما ارتدته الفتاه من تنوره قصيرة وعليه فهو منعها من الدخول ، لكن الحقيقة أن ما طرحه السيد حجار كمبرر كان عاري عن الصحة تماما ، فعلى الأقل و إذا نظرنا للنساء العاملات في مهن الدولة (نقصد النساء العاملات في السلك الأمني بالتحديد ) فجميع هؤلاء النسوة مفروض عليهن وكلباس رسمي بدلات بجيبات قصيرة ، فسواء الشرطيات أو الدريكات أو الجمركيات فالجميع ملزم بلبس بدلات ذات جيبات قصيرة إن لم نقل أنها اقصر من تلك التي منعت بسببها الطالبة من دخول الجامعة ، فما الذي جرى لكي ينتهي الحال بالسياسي الجزائري كسيد حجار لأن يخالف تقاليد الدولة في فهمه لما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة للمجتمع ، ومتى حصل هذا التغير الشاذ ؟ .

الحقيقة و بالنسبة لهذا السؤال فالجواب يكمن في حالة التناقض التي تتفاقم يوميا بين تصور السياسيين لما هو واجب لكي ينفذ ، وبين تقاليد الدولة الجزائرية ، فالجزائر كدولة أسست أساسا على النمط الحديث ، ونقصد هنا إنشاء الدولة على أنقاض التركة الاستعمارية التي كانت تركة حداثية ( عدى طبعا مفهوم الدولة الوطنية الذي هو تصور حداثي ) لهذا فالدولة حين صاغت قوانينها لتنظيم اللباس أو الهندام للأسلاك الأمنية ، فهي قد تبنت نموذجا متحررا يتماشى و النموذج الذي تبني عليه ، في المقابل ومن الناحية الأخرى فالساسة الذي تعاقبوا على حكم الجزائر كان لكل تصوره الشخصي في رؤيته للحداثة ، فهناك مثلا من تقبل الحداثة في الدولة ودعمها ، وهناك كما هي جماعة حجار الآن من لها أزمة مع الحداثة و الحريات ، وعليه فنحن حين نرى هذا التعصب من السيد حجار إتجاه اللباس القصير ، فهو تعصب السياسي الآني مع تقاليد الدولة الجزارية ، وهو ذلك الصراع الأزلي الذي تعاني منه الجزائر و جل الدول التي انتكست في علاقتها مع الحادثة ، فالحقيقة أن ما يجري اليوم من فضوى في هرم السلطة حول أمور الحداثة و الدين في الدولة (مثلا في قصة التنورة ، أو في قصة تحرير بيع الخمور الخ) هذا كله نتيجة لهذا التناقض الحاصل بين تقاليد الدولة الحديثة ، وبين متطلبات السياسية الطارئ عليها ، فاليوم - أو لنقل منذ تصاعد المد الديني في المجتمعات (العربية )- هناك حالة من التذبذب في علاقة السياسي وقيم الدولة الحديثة ، فمن جهة هناك الدولة بالشكل الحديث الدولة الجزائرية الديمقراطية الشعبية ، في المقابل هناك بعض الساسة هم ذو توجه تقليدي ماضوي في أحسن الأحوال كي لا نقول داعشي ، وعليه نجد هؤلاء دائما في صدام مع الدولة ككيان ، وليس مع الحرية أو المجتمع ، وكدليل مثلا على هذا ما جرى في قضية التنوره القصيرة ، فالسيد حجار الذي منع الطالبة من الدخول ولأنه لم يكن يملك أي سند قانوني لفعلته ، سارع مباشرة وبعد تعيينه كوزير للتعليم العالي لسن قانون يمنع فيه اللباس القصير على الجامعات ، بما معناه أن الرجل كان يعي أن فعلته منافية للقانون و الدستور من البداية ، وعليه فقد رقع لنفسه سريعا قانونا لكي يعطي لنفسه المبرر بأثر رجعي .

وعلى هذا فحين نعود لقضية التنورة فهذه القضية الحقيقة ليست قضية تعصب ديني عابر ، أو قضية ربما قضية شكليات قانونية ، بل القضية هي دولة تفقد معالمها الأساسية، فالدولة الجزائرية بشكلها الحديث اليوم وللأسف تتلاشى رويدا رويدا أمام تصاعد التصورات التقليدية داخل السلطة ، ونحن لو دققنا لوجدنا الفوضى الحاصلة في هرم السلطة اليوم كلها فوضى ناتجة بسبب هذا التناقض بين دولة قائمة على النمط الحديث ، وبين ساسة منحازين للماضوية، وعليه فنحن دائما نشهد حالات من تفجر الصراع بين ما هو ماضوي و بين ما هو حديث ، وربما إذا أردنا إعطاء مثال واضح على هذا، فيمكن ذكر حادثة تحرير بيع الخمور ، ففي تلك الحادثة مثل الوزير عمارة بين يونس كسياسي لبرالي وجه الدولة بشكلها الحديث ، فهو حين تعامل مع مسالة الخمر تعامل كما تملي الدولة الحديثة بدون أمزجه أو أهواء دينية ، وعليه مرر القرار ، في المقابل ذهبت رئاسة الحكومة إلى النقيض بتبني الآراء الأصولية و الدينية المناقضة لقيم الدولة ولغت القرار ( أو،ولنكون أكثر دقة جمدت القرار لأنها لا تملك سند قانوني لمنعه) وكما ترون فهنا لدينا نظام يسير في حالة منافية لقيم الدولة التي يقود ، بل دعونا نذهب لما هو ابعد ونقول أن النظام الحالي وكما نلاحظ بات يعاني من مشكلة مع الدولة الحديثة ، فالجزائر لو أسست على نمط بدائي في مؤسساتها كما هي ممالك الخليج أو دولهم حيث اللادستور، و اللاقانون و اللاحقوق ، فقد كان يمكن بسهولة رفض و تمرير القوانين على حساب الهوى الشخصي ، لكن لان الجزائر دولة لها تقاليد، فالسلطة ( ولنقل بعض الأطراف فيها ) باتت مضطرة لتعاني مع كل تلك الضغوطات حتى تفعل تفعل، تماما كما فعل حجار حين ذهب لتفكيك قيم الدولة بالتلاعب بها قانونيا لكي يمكنه تمرير ما يريد من تصورات رجعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دائما تدافعون عن الاباحية
عبد الله اغونان ( 2015 / 5 / 26 - 20:47 )

هههههههههههه

هل هذا كل ماتملكون وما تبقى لكم

اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر