الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوستويفسكي))... الإبحار في النفس، واختزال المعاناة))

سيف عبد الكريم الربيعي

2005 / 10 / 3
الادب والفن


تتسبب المعانات في توليد صراعات جسيمة داخل النفس البشرية، والتي قد تؤدي إلى انبثاق الإبداع لدى الإنسان، عن طريق اختزالها ضمن إطار التجربة... هكذا اختزل الأديب الروسي الكبير (فيدور دوستويفسكي) الفقر والمعاناة التي عاشها، باعتقاده أن معاناته ليست بالصدفة الاعتباطية، إنما هي سبيل لفهم الحياة، وأسباب الوجود الإنساني، الذي أصبح هاجسا في حياته، وتتضح معالجة دوستيوفسكي لهذا المفهوم في روايته (الإخوة كارامازوف) حيث وظف فيها صراعاته الداخلية، والتي تشي بمدى فهمه لكينونة الشخصية البشرية التي يخيم عليها التشويش والغموض، وعبر( فاسيليفيتش روزانوف) عن هذه الرواية بأنها مركزية في كل إبداع دوستويفسكي، مشيرا إلى أن دوستويفسكي يصور لنا نفس الإنسان بخفاياها المبهمة، أما (سيغمون فرويد) فقد وصف دوستويفسكي بأنه الفنان الذي يستحق الخلود، منطلقا من معاناته، وتحليله لنوازع النفس البشرية، والتي جسدتها هذه الرواية، وروايات أخرى، كـــ((الجريمة والعقاب)) و((الممسوسون)).....الـــــخ.
ولد فيدور دوستويفسكي (1881- 1821)في موسكو وتلونت حياته بشتى أطياف العذاب، من فقر ومرض ــ حيث كان مصاب بنوبات الصرع ــ ، وأصبحت معاناته تلك معبرا له نحو الإبصار بالحقيقة....
أنجز روايته الأولى( المساكين)في الرابعة والعشرين من عمره، وانطبعت بها كل تلك الظروف التي مر بها أيام طفولته، واتسمت بالحقيقة الواسعة في البحث عن المصير البشري، التي عبر عنها الناقد الكبير ( بيلنسكي) : ((إنك فنان عظيم الحساسية.. إن الحقيقة تكشف لك وتعلن بوصفك فناناً، أنت تلقيتها هبة، فاعرف كيف تقدر هذه الهبة. ابق أمينا لها وسوف تصير كاتباً عظيماً)) .
وفي عام(1849) نفي دوستويفسكي إلى أوربا وهو مكبلا بالهموم والمرض الذي ينخر في جسده، واستمر النفي حتى عام ( 1859) ، الذي عاد به وقد أصبح رجلا كبيرا يبحث عن الحقيقة، وانعكس تأرجح نفسيته وتناقضاته على ملامح شخصياته الروائية، المعبرة عن تكهناته حول أمور الحياة ...
ظل ناقوس العذاب يقرع في رأسه، حيث اعتقل دوستويفسكي وختمت أوراقه بالشمع الأحمر: كان كل ذنبه الاشتراك في مناقشات بعض الأصدقاء الغاضبين، التي سميت على سبيل المبالغة باسم "مؤامرة بتراشيفسكي" ومع ذلك ينزل الحكم إلى أقسى العقوبات إلى الموت بالرصاص ، فولدت انتقالة مفاجئة في نظرته إلى عوالم الإنسان .... ومرة أخرى يتدخل القدر، فيخرجونه من السجن مع تسعة من رفاقه ، ويقرأ حكم العفو محولا الحكم بالإعدام إلى سجن أربع سنوات في سيبيريا.
ويعود دوستويفسكى إلى (سانت بطرسبورغ) رجلا منسياً، وقد أصبح لديه انطباعا خاصا حول الجريمة والعقاب، ظهر بوضوح في روايته " ذكريات من بيت الموتى" التي تصور كل ما عاناه أيام السجن.
إن سجن سيبيريا والأشغال الشاقة والصرع والفقر وحمى المقامرة والتهتك، والرفض من قبل المجتمع كما يزعم بعض مؤرخي الأدب، كل هذه التجارب القاسية في حياته أصبحت مثمرة بفنه، موسعة لقدراته على التعبير عن أفكاره، وعبقريته بنقل التجربة إلى عالم التفكير واستخلاص الدروس منها، كما واتسعت لديه الرؤى في تحليل المواقف الإنسانية ... و مابين الإيمان والإلحاد أخذت شخصيته بالتأرجح أكثر، حتى أن (فرويد ) كتب عنه قائلا " : لقد قضى حياته حتى آخر أيامها، حائرا بين الإيمان والإلحاد "وقد أرسى دوستويفسكي هذا الصراع بثلاث شخصيات روائية (ايفان واليوشا وديمتري )حيث تبرز من بينهم نظرة دوستويفسكي لعلاقة الحياة بالإيمان والإلحاد...
لقد حقق دوستويفسكي على حد تعبير(باختين) ثورة داخل الفن الروائي، حين أعطى لأبطال رواياته حرية رسم مصائرهم بأنفسهم، وأعطاهم الحق في الكلام بحرية مطلقة، ويبرز هذا المفهوم في رواية ( المراهق) .... أما ذروة الخير الذي ملأ نفس دوستويفسكي فقد تمثل في الأمير مشكين بطل روايته (الأبله) الذي حمله مرضه ( الصرع)، وبعض مشكلاته التي أزمت حياته وأرهقت فكره، فكان موقع سخرية من الجاهلون فوصفوه بالبله، لما كان يحمله من انعتاق وإشراق.... وبالإضافة إلى الحقيقة الواضحة في أدب دوستويفسكي، فأننا نلاحظ في نهاية كل رواية من رواياته بزوغ عملية تطهير العواطف المعروفة في التراجيديا الإغريقية ...
وبهذا يظل دوستيوفسكي الرائد الأكبر للرواية الواقعية، فرواياته تضج بالعبقرية والفكر السامي، مبحرة في أعماق النفس البشرية، مضمنا إياها قيما إنسانية رفيعة، وروعة أدبية، وانعتاق، وشاعرية لاتضاها، كما وضمنها صفات النفس البشرية المتعددة والمتناقضة من الإيمان والإلحاد، والخير والجريمة، والسمو والسقوط ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس