الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السَّفَر بين الأكوان

جواد البشيتي

2015 / 5 / 27
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
إذا كنتَ في داخل قريتكَ فإنَّكَ لن ترى قريتكَ كلها؛ فَلِتراها كلها ينبغي لكَ أنْ تخرج منها، وأنْ تَقِف، مثلاً، على قِمَّة جَبَلٍ مجاورٍ لقريتكَ.
وإذا أردتَّ أنْ ترى كوكب الأرض كله فينبغي لكَ أنْ تغادره، وأنْ تَنْظُر إليه من على سطح القمر مثلاً.
وإذا أردتَّ أنْ ترى المنظومة الشمسية كلها (الشمس وكواكبها) فينبغي لكَ أنْ تغادِرها إلى نقطة ما في الفضاء بين نجوم مجرَّتنا (مجرَّة "درب التبانة").
وإذا أردتَّ أنْ ترى مجرَّتنا كلها فينبغي لكَ أنْ تغادِرها إلى نقطة ما في الفضاء بين المجرَّات التي تؤلِّف مع مجرَّتنا عنقوداً واحداً في فضاءٍ كوني يضمُّ بلايين العناقيد، أو عدداً لا يُحْصى منها.
وإذا أردتَّ أنْ ترى عنقودنا كله فينبغي لكَ أنْ تغادره إلى نقطة ما في الفضاء الكوني، أيْ الفضاء بين عناقيد المجرَّات.
ماذا تريد أنْ ترى بَعْد؟
كأنِّي أسمعُكَ تقول: "أُريد أنْ أرى الكون (أيْ كَوْننا) كله".
وقياساً على ما تَقَدَّم، تقول: "ينبغي لي أنْ أغادِر الكون حتى أراهُ بكُلِّيته من الخارج".
كلاَّ، لن تراه كله؛ فالطريقة التي اتَّبَعْناها مِنْ قَبْل لا تَصْلُح الآن؛ لأنْ ليس للكون "خارج" حتى ترى منه الكون بكلِّيته. الكون (كَوْننا) له "داخِل" فحسب؛ فهو لا يشبه بالوناً مُنْتَفِخاً مُعَلَّقاً (أو يسبح) في "فضاءٍ آخر".
هل مِنْ وجود لـ "أكون أخرى"؟
الجواب: "لا نَعْلَم"، أو "رُبَّما"، أو "لا بُدَّ".
وعلى افتراض وجود كَوْن آخر (أو أكوان أخرى) فهل يُمْكِننا الوصول إليه؟ وكيف؟
كَوْننا له ثلاثة أبعاد (طول وعَرْض وارتفاع). إنَّها أبعاد المكان؛ ونضيف إليها بُعْداً رابعاً (يتَّحِد مع الأبعاد الثلاثة اتِّحاداً لا انفصام فيه أبداً) هو "الزمان".
تَخَيَّل أنَّكَ الآن موجود في نقطة ما من الفضاء الكوني؛ وَلْنَقُلْ إنَّكَ موجود في نقطة ما في الفضاء بين عناقيد (أو زُمَر) المجرَّات. لقد قَرَّرَتَ أنْ تنطلق من هذه النقطة مغادِراً الكون، لتراه كله من نقطة ما في خارجه.
وَلْنَفْتَرِض أنَّكَ ستسير بسرعة تُقارِب (لا تَعْدِل ولا تتجاوز) سرعة الضوء التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وَلْنَفْتَرِض أنَّكَ ستسير في خطِّ (مسارٍ) مستقيم استقامة تامة، وأنَّ اتِّجاه سَيْرِكَ سيكون "إلى الأمام"؛ فما هي النتيجة النهائية؟
بصرف النَّظَر عن الزمن الذي ستستغرقه رحلتكَ (لمغادرة الكون) ستكون النتيجة النهائية هي عودتكَ إلى النقطة التي منها انطَلَقْتَ في رحلتكَ.
وستَصِل إلى النتيجة نفسها لو سِرْتَ "إلى الخلف"، أو "إلى اليمين"، أو "إلى اليسار"، أو "إلى أسفل"، أو "إلى أعلى"؛ فلا مَخْرَج لكَ من الكون!
ومع ذلك، لا تيأس؛ فلا بدَّ من وجود طريقة ما لمغادرة كَوْننا إلى كَوْن آخر؛ لا بُدَّ من وجودها؛ ولا بُدَّ، في الوقت نفسه، من عدم مخالفة مبدأ "لا خارج للكون"!
عملاً بفرضية "البُعْد الرابع للمكان (Hyperspace)"، يمكن مغادرة كَوْننا إلى كَوْنٍ آخر؛ فالسَّيْر في هذا البُعْد فحسب هو الذي ينتهي بكَ إلى كَوْنٍ آخر.
والسَّيْر في هذا البُعْد له ما يشبه المَرْكَبَة الخاصَّة به؛ وهذه المَرْكَبَة قد تكون من "الجاذبية"، وقد تكون من "السرعة"؛ فثمَّة مواضِع في فضائنا الكوني استثنائية لجهة شِدَّة جاذبيتها، فإذا دَخَلْتَ في أحدها قد تغادِر الكون إلى كون آخر.
كيف نَفْهَم هذه المغادَرَة؟
عُدْ الآن إلى منزلكَ في القرية، وتخيَّل أنَّ منزلكَ لا نوافذ له؛ فأنتَ لا ترى إلاَّ ما يَقَع في داخل منزلك. وثمَّة منزل يَبْعُد عن منزلك بضعة أمتار؛ وهو، أيضاً، لا نوافذ له.
فجأةً، وفي طريقة ما، وَجَدتَّ نفسكَ في داخل المنزل الآخر؛ لقد انتَقَلْتَ (في ما يشبه الطريقة السِّحْريَّة) من داخل منزلكَ إلى داخل منزل آخر؛ ولن يكون في مقدوركَ أنْ ترى منزلكَ الأوَّل (بكُلِّيته) من داخل المنزل الآخر؛ فلا نوافذ لهذا المنزل ايضاً.
وكل كَوْن من الأكوان (ولو كان لدينا عدد لا يُحْصى من الأكوان) له داخل، وليس له خارج؛ والانتقال من كَوْنٍ إلى آخر إنَّما يعني الانتقال من داخِل كَوْنٍ إلى داخِل كَوْنٍ آخر، وبغتةً؛ فـ "لحظة الانتقال (من كون إلى آخر)" مع موضع الانتقال لا تُمثِّل "زماناً ـ مكاناً ثالثاً"، أو منفصلاً عن الكَوْنَيْن.
قد تُغادِر كوننا إلى كون آخر؛ لكنَّكَ لن تَجِدَ نفسكَ أبداً في خارج كوننا؛ لأنْ ليس له خارج؛ فأنتَ إنَّما انتَقَلْتَ من داخل كوننا إلى داخل كون آخر بغتةً؛ ولن ترى أبداً كوننا بكُلِّيته من الخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحلة خيالية لكن منطقية
علاء الصفار ( 2015 / 5 / 28 - 00:35 )
تحياتي استاذ جواد البشيتي
موضوعة جميلة!حسب معلوماتي المتواضعة هناك شئ يدعى الما لانهاية فلووجد كون فلابد ان يوجد ما لا نهاية من الاكوان فان وجد سبب لوجود كون فلابد هذا السبب يستمر الى الما لانهاية, فيعتقد ان اكوان لازالت تنشاء,لكن هل هناك صلة بين تحطم النجوم بعد انتهاء عمرها وتحولها لثقوب سوداء في انهاء الكون ذاته إذ كما معروف ان الثقوب السوداء تقوم بابتلاع كل ما يدور حولها,ويعتقد هذه الثقوب هي من تعمل على توليد الطاقة اللازمة لاستمرار بقاء ودوران الكواكب والنجوم.امر الخروج من الكون شئ يمكن تصوره نظريا,فيقال ان الانتقال من كون لاخر ممكن ان يجري عبر ثقوب في الكون اذ هو اقصر طريق بين كونين,هذا ما فهمته من ان تغادر كون لاخر كما شبهته حضرتك بخروجك من بيت بلا فوافذ لترى نفسك في بيت اخر بلا نوافذ! هو شئ نظري بحت يعوزه امر العلمية في اختراق المكان مع تجاهل للزمن, فهل هو امل وخيال ممكن ان يكون له صحة لكن بلا اي امكانية للتحقيق, إذ الصعود المريخ يحتاج الى طاقة للتخلص من الجاذبية ثم إلى زمن!فكيف في ما يخص رحلة بين كون واخر.ومن ثم يعني ان يرحل انسان ليعود من ذريته الينا بعد الالاف السنين لكوننا!ن


2 - جواد البشيتي
ايدن حسين ( 2015 / 5 / 28 - 07:51 )

استاذي العزيز
هل تستطيع ان تشرح لي .. لماذا سنرجع الى نفس النقطة التي انطلقنا منها .. و لو سرنا في مسار مستقيم
و الانتقال من كون الى كون اخر بصورة مخالفة لقوانين المكان و الزمان .. الا تدخل في الغيبيات و الميتافيزيقا
و احترامي
..


3 - جواد البشيتي
ايدن حسين ( 2015 / 5 / 28 - 07:52 )

استاذي العزيز
هل تستطيع ان تشرح لي .. لماذا سنرجع الى نفس النقطة التي انطلقنا منها .. و لو سرنا في مسار مستقيم
و الانتقال من كون الى كون اخر بصورة مخالفة لقوانين المكان و الزمان .. الا تدخل في الغيبيات و الميتافيزيقا
و احترامي
..


4 - لِمَ لَمْ تشرح انت ذلك! هل انا في اختبار؟
علاء الصفار ( 2015 / 5 / 28 - 11:52 )
الاستاذ العزيز
لا للغيب ههه!بما يتعلق لسؤالك اعتقد ان امر الابعاد في الكون له مقاييس اخرى غير التي نتحدث عنها في الارض أوعلى الورق والخرائط فيمكن رسم خط مستقيم على الورقة, إذ ان الابعاد تكون ثلاث ولا وجود للبعد الرابع هنا, فاعتقد ان الجاذبية الكونية هي من تجعل هناك سفر ينحني على البعد الرابع اي ليحيد طريق السفر عليه فيكون بالمحصلة النهائية الرجوع الى نفس النقطة,إذ ينحني المسار كما ينحني الزمن في الكون نتيجة الجاذبية او ثقل او العتالة التي تضبط الكون ذاته, فلا مفر من يجري السفر كما تشاء القوانين في الكون وليس كما نستطيع ان نرسم خط مستقيم على الورق, هذا كما فهمته من قراءة سابفة لاينشتاين, الذي شرح امر شكل الكون على اساس كما مصباح كبير وفي قعره تكون الارض فلذا نبقى نحن والاشياء على سطح الارض دون ان نطير في الفضاء الخارجي اي هو شكل الجاذبية وانحناء البعد الرابع على الكون لياخذ طابعه اخيرا على ما تفضلت من سؤال حول الرجوع الى نفس النقطة حين السفر بشكل مستقيم, فمفهوم المستقيم يكون شئ مختلف في التصور في الرحلة في الكون ازاء مفهوم رسم خط مستقيم بين نقطتين على الورق.الثقب ربما به أستقامه الخط!ن


5 - توضيح للسيد ايدن حسين
جواد البشيتي ( 2015 / 5 / 29 - 02:22 )
تحية
إنك تعود إلى نقطة الانطلاق؛ لأنَّ الفضاء مُنْحَنٍ. أنتَ المسافر تسير في خط مستقيم من وجهة نظرك فحسب، تماما مثلما تسير في مسار مستقيم حول خط الاستواء مثلا. إنَّكَ لن ترى ابداً كوننا، او اي كون آخر، من خارجه، أي من نقطة في فضاء ما يسبح فيه كوننا؛ لأنْ ليس للكون خارج؛ وعليه، يكون الانتقال من كون إلى كون انتقالاً من داخل أحدهما إلى داخل الآخر؛ فلا مرور ابداً في فضاء بين الكونين.


6 - تعليق الى جواد البشيتي
ايدن حسين ( 2015 / 5 / 30 - 14:40 )

استاذي العزيز
انت تقصد اذن .. ان الواقع هو من يمنعنا من السير في خط مستقيم .. و لكن هناك امكانية ان نصل الى حدود الكون لو اننا سرنا في خط مستقيم حقيقي
ثم هناك سؤال يطرح نفسه .. الى اية جهة .. يكون المسار منحنيا .. فمن غير الممكن ان يكون المسار منحنيا في كل الاتجاهات .. بل لو كان المسار منحنيا الى اليسار مثلا .. فيمكن اذن تصحيحه بالانحراف قليلا الى اليمين .. و اذا كان المسار منحنيا للاعلى .. فيمكن تصحيحه بالانحراف قليلا للاسفل
ما الذي يمنع من تصحيح المسار
و تقبل احترامي و شكري لاجابتك على سؤالي
..


7 - ايدن حسين
حسن عبد اللطيف ( 2015 / 6 / 11 - 18:12 )
ليس كل ما يقال فى إطار النسبية العامة قد خضع للتجربة العملية وليس كل ما تنبأت به مُجمع على قبوله بين الباحثين وصحيح أن العلماء اليوم يقدمون أقصى ما عندهم لكن الصورة الحقيقية قد تكون جد مختلفة .. وربما يشهد المستقبل نظريات أكثر عمومية ينجم عنها تغييرات جذرية ضخمة فى نظرة الانسان الى الكون

اخر الافلام

.. زيارة مركز لعلاج السرطان.. أول نشاط الملك تشارلز بعد عودته ل


.. دخان المولدات القاتل يلف بيروت.. والسرطان يرتفع 50%




.. طبيبة سورية تبتكر علاجا ضد سرطان الرحم


.. 4 ظواهر فلكية ستشهدها عدة دول عربية




.. التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي... مبادرات عديدة للإضاءة على ا