الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي: لماذا لا يحسن حكامه حتى خداع شعوبهم؟

عماد صلاح الدين

2015 / 5 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



حتى الخونة والجواسيس والعملاء، يلجئون إلى الحيل المختلفة، وأساليب الخداع والتخفي، والعمل على صورتين في الظاهر والعلن؛ بين عادية إنسان على- الأقل- في حالة كلية لمجتمع ما، وبين خيانة مبطونة هناك وراء الاكمات، وفي سراديب العتمة والظلام.

لا استطيع أن اسميها مرونة الخيانة، فالمرونة كما هو معروف دليل السلامة السيكوسوماتيكية في الروح والنفس والجسد والعقل، وهي دليل انسجام واتحاد بين الإنسان وماهيته الشامة، وهي دليل تربية صحيحة ووعي وعمق وذكاء ابتدائي ومدرب.
لكنه كما يبدو لي أن دورات المرض العام وفتراتها طولا وقصرا، بداية ونهاية وفي الوسط، في مسار طريق البشر العام، لها سماتها وخصائصها وطبائعها، وأنت في الطريق سائر لدواع الذات والموضوع نحو انحطاط وتخلف وجهل ومرض وتراجع مستمر، يتفاقم حالة بعد حالة، ويتكرس ويتوسع مرحلة بعد أخرى.
ويبدو أن الإنسان أو المجتمع أو المنظومة السياسية والنظام الرسمي في بدايات مراحل انحداره نحو التراجع العام، بسبب الإرادة الإنسانية القابلة لاستقبال عوامل ومكونات الأمراض الإنسانية والاجتماعية، أو على ضوء ما تصل إليه المجتمعات من عمر الهرم، ومن ثم الدخول في بيئة الانحطاط والتخلف الحضاري العام، على حد وصف العلامة ابن خلدون في قيام المجتمعات ثم ضياع واندثار قوامها السياسي والمنظومي الراعي لمجمل ماضي وحاضر مشروع الإنسان في دورات زمنية بعينها، يبدو- ومن جديد- أن بقايا القدرة والمقدرة وحتى الرؤية في سلاسة ومرونة التعامل مع الوقائع والأحداث هبوطا أو خضوعا أو تسليمية، تبقى قائمة ولو من باب التبريرية والديباجية في محاولة طرح وتفسير الذي جرى ولو كان تراجعا حقيقيا.
لكن تقدم عمر ومسار عموم المرض؛ في الأخلاق والثقافة والممارسة، يترافق معه حالة من الابتعاد والافتراق إلى حد الانفصام بين الشخص وذاته، بين الحاكم وذاته، والمجتمع وذاته أيضا، انه انفصام يتجلى في عدم المرونة في أحوال الإيجاب والسلب.
انه غير قادر على الانخراط فيما هو نافع في غمرة استفحال المرض والداء، ولا هو قادر على الخروج من عنق زجاجة التورط في كل قبيح وشنيع ولا إنساني، وهو عند نقطة ما في ذروة التخلف العام يجد وعاءه الإنساني فارغا حتى من قدرة تبرير الفشل والخيانة في صعد المحليات، وما هو قائم بمفروض الضرورة والواقع مع خارج محلياته.
وهو في محلياته يحس مرضه ومرض المجموع الساكن معه، لكن وعيه وإرادته معطلتان، كما هو حال المجموع نفسه، والمشاهد والمتابع السليم والواعي لأحوال هؤلاء أعلاه، يتساءل عن نوع وحجم الجنون الذي صلوا إليه بدهشة وانشداه.
وفي مجتمع المرض الشامل والتراجع العام يتفارق الناس حضورا وغيابا بمحض الطبيعية الغريزية والصدف والاستثناء الذي لا يقاس عليه أصلا، وبالواسطة والمحسوبية والجهوية والقبلية، وعندها يكون معيار التفاضل بينهم طبقيا وبامتياز، ويكون لكل طبقة ديباجتها سواء في الدين أو الحزبية أو حتى التصورات الاعتقادية ضمن مرجعيات في حقيقتها راكم عليها التشوه والانحراف طبقات متكلسة من غياب الأخلاق وممارستها العملية، وتجلي ذلك في تفشي ظاهرة التمييز والعنصرية بمخرج كل طبقة وما لديها من حظوظ وحظوات أو أوجاع وحرمان.
وحين تحاول مجتمعات التخلف والتراجع والانحلال والتبعية الخروج من ربقة الاستعمار الداخلي والخارجي كرد فعل أول دون اختطاط مسار النهوض العملي بعد، من خلال ما اصطلح عليه الثورات، يكون تقريبا وبالمعرفة التاريخية رد الفعل الآخر من الاستبداد، وبما تبقى له من بقايا مقدرة على المناورة والتحايل، والتي اصطلح عليها بالثورات المضادة.
وعند الدخول في مظنة غلب الاستبداد لحراك الناس ومطالبهم، فان المرونة المتحايلة إن جاز التعبير هي الأخرى تغيب، بعد كل هذا التقدم الزمني والموضوعي، في عموم الدورة الكاملة للمرض العام، الذي يصيب المجتمعات الإنسانية، في غير جانب ومجال.
وأمام ذلك أعلاه، وعند الوصول إلى مستويات متناهية جدا في القرب من القعرية والقهرية والعهرية، يزداد الناس تضليلا في وعيهم وتعطيلا لإرادتهم وتسليما بما هو واقع، وتحدث احترابات أهلية، أشعل فتيلها الاستبداد في الأساس ، منتظرا ومؤملا الفوز بالاستبداد مرة أخرى، وتحت عنوان مكافحة الإرهاب الأبرز هذه المرة في الساحات العربية، في مثل هذه الأوقات.
وحكام الاستبداد العربي هذه الأيام تخلوا عن مسألة الاعتذارية والتبريرية، في خداع شعوبهم بخصوص جرائمهم وفسادهم وفشلهم وإفشالهم لكل محاولات النهوض والتقدم العربي، ولذلك فان الكذب وصناعته في الإعلام الرسمي وفي المرافق الرسمية الأخرى كالقضاء والأمن وحتى الجيش تجاوزت ما بعد بعد الوقاحة، حتى صار إعلامه يتحدث عن عظمة الانجاز المتوقع في تشكيل قوة عربية مشتركة، لضرب شعوبهم وقمعها وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية بحقها، وإسرائيل لا زالت هناك في فلسطين والجولان وفي ارض السيادة والوطنية المذبوحة في سيناء وعموم مصر العرب.
هو إذن أقصى مدى وصلناه في قعر الانحدار، فلا شعوب بقيت أو يراد لها البقاء، ولا حكام وأنظمة تتورع عن كل هذا الوضوح الصارخ في حجم الجريمة ونوعها بحق شعوبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا


.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين




.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا