الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهمية الاقتصاد في فهم الالتفاف على الحراك العربي

محمد بوجنال

2015 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية





عرف العالم العربي منذ الأربع سنوات الأخيرة حراكا مرد أسبابه وعلله الفقر وسوء توزيع الثروات بالأساس؛ إلا أن أشكال الدولة السلبية العربية الريعية استطاعت، بفعل تحكمها بالاقتصاد، احتضان الحراك ذاك والتمكن من تحويله إلى وضع حيث الاقتتال والحروب بين الطوائف القبلية والدينية والميليشيات المحلية منها والمستأجرة والجماعات المتطرفة والنخب المتهافتة معتمدة أساليب وآليات عديدة ومتنوعة ومحسوبة النتائج. هذا علما بأن حراك الشعوب العربية قد تميز بالعفوية والالتباس التنظيمي وضعف الوعي بالهدف أو قل ضعف الوعي بدلالة الوجود بمختلف مستوياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية؛ بل يمكننا الجزم أن أشكال الدولة الريعية تلك قد تمكنت من رفع سقف تدمير الشعوب العربية تلك على مستوى الوجود الوطني والجمعي والفردي على السواء وبالتالي الرقع من سقف تدمير هويتها ووحدتها وسيادتها على الرغم من ضعف السيادة تلك أصلا.

لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية العامل الاقتصادي في حصول الحراك العربي ومصيره إلا المتآمرون والمغفلون؛ فالصراع يقتضي، لامتلاك ميزان القوى، التوفر على الآليات والمعدات العسكرية، وتأجير اللوبيات، سواء المحاربة منها أو الدبلوماسية، والتجهيز الالكتروني وشراء الأقلام والفضائيات وهو ما يتطلب التمويل الذي لا يمكن التوفر عليه بهذا الكم إلا بالسيطرة على الاقتصاد. إنه العامل الحاضر دوما والمغيب مكرا من مجمل التحليلات والتغطيات الإعلامية والثقافية. لذلك لا نندهش إذا قلنا أن تغييب العامل الاقتصادي في تفسير الحراك والانتفاضات والاحتجاجات العربية يعتبر العامل الثابت الذي بقي دوما مبعدا عن الطرح والمساءلة والتعليل؛ بل حتى في مجمل الأحزاب المسماة يسارية، نجد أن التركيز قد بقي على مستوى أدلجة باقي المستويات، وهي مستويات تستحيل فهمها بتغييب أو تهميش الاقتصادي. إنه الوضع الذي يعني الانغماس في الأطروحات اللبرالية. وتباعا لما ورد أعلاه، نقول أن الاقتصاد قد لعب الدور الأساس في مدى قوة أو ضعف كلا الطرفين: الجماهير العربية وأشكال الدولة السلبية العربية؛ في الأولى أشعل فتيل الحراك، وفي الثانية أطفأ فتيل الحراك. وتهميش الاقتصادي من أهم أسباب فشل الحركة الإخوانية في مصر التي لم تعط الاقتصاد أهميته اللازمة المتمثلة في التغلب على الفقر واستشراء الفساد الاقتصادي وآفة البطالة وإعادة النظر في توزيع الثروات والنظر في لامشروعية عمق التفاوت الطبقي.

هكذا، وانطلاقا من الشارع والساحات الكبرى، افتقر الحراك العربي إلى الوعي بأهمية الاقتصاد أو قل استبعد التركيز على العامل الاقتصادي وهي الهفوة التي استغلتها قوى الثورة المضادة لإبراز أن الحراك ذاك هو خراب اقتصادي وتدمير لبنياته. فهذا الإهمال للإقتصادي كانت وما زالت له خطورته التي أفرزت لنا ضياع الحراك وإخماد حصول سقف الثورة وبالتالي ضياع الإنسان العربي أداة ومادة.فبالنظر إلى المعيشي اليومي والمطالب المادية الملحة لأسر الجماهير من فلاحين وعمال ومهمشين وموظفين مبلترين وغيرهم، يتضح عدم اهتمامهم بالحريات العامة والفردية بقدر ما أن اهتمامهم ذاك ينصب بالأساس على تحسين وضعيتهم الاقتصادية وهو الوضع الذي، إن حصل، سيمكنهم على المدى القريب من التشبث بمطالب إعادة النظر في الحريات العامة والفردية أو قل أن الحراك لم يتمكن من تحديد العلاقة بين الاقتصادي والسياسي للتمكن من إنجاح الحراك الذي، إن حصل، سيلحق الهزيمة بأشكال الدولة السلبية العربية وبالتالي التحكم في هذا المجال وحمايته بالسياسي. ومن هنا تبدأ عملية إعادة هيكلة الاقتصاد والتطهير السياسي والحد من التفاوت الاجتماعي والحق في تمثل وامتلاك الثقافي. إنه الوضع الذي يعني بوضوح، التوجه السليم لامتلاك الوعي بمعنى وجوده كعربي وفق برنامج مسطر تتحمل مسؤوليته مكونات الحراك علما بأن تحقيق الوضع ذاك ليس بالعمل الهين بقدر ما أنه يتطلب المثابرة وبذل المجهود.
وعموما، فنجاح حراك الشعوب العربية في المراحل المقبلة يكون رهينا بتحسين أوضاعها الاقتصادية والمعيشية. بدون تحقيق الثورة الاقتصادية المدعمة والمحمية بالثورة السياسية، ستجد الشعوب العربية نفسها محاصرة، وهو الحاصل اليوم، بقوى الثورة المضادة. فالشعوب العربية، لكي تكون حرة، ومسؤولة لا بد من امتلاكها حقها المشروع في الثروات الاقتصادية لأوطانها وما يلزم عن ذلك من إدارة حكيمة وفق مبدأ الكفاءة والمحاسبة. بهذا تحكم بالاقتصادي المدعوم جدليا بالسياسي يتم بناء ميزان القوى الكفيل بتدمير بنية الاقتصاد الريعي ومعه تسلط أشكال الدولة السلبية العربية لصالح بناء مجتمعي يتميز بتنظيم اقتصادي عادل وحكيم إنتاجا وتوزيعا وتدبيرا؛ وبهذا تكون الشعوب العربية قد تحكمت، وبالمثل، بالمستوى السياسي وبالتالي إعادة النظر في لامشروعية التفاوت الاجتماعي والتحرير من مكر الثقافي. فالوضع هذا الذي يكون فيه للإقتصادي الدور الأساسي المرتبط جدليا بالسياسي، هو شرط عدم حصول الالتفاف على الثورات التي من أحد مستويات داخلها نجد الحراك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا