الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألعجوز والتيه .. قصة قصيرة

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 5 / 29
الادب والفن


ألعجوز والتيه .. قصة قصيرة
كان صوت العجوز الخافت يتردد في فضاء الغرفة برتابة ، والصمتُ يُخيم على الجميع ، لم يكسر هذا الصمت ، سوى صوت زوجته العجوز التي تتكئ على عصا ، تقول :
-أين مسجلة الصوت ، فبدون مسجلة لن تستفيدوا ، ستنسون هذا الحديث ، يجب ان تسجلوا ..!!
-أكيد ، فهذه (وأشار بإصبعه على كتلة سوداء على الطاولة ) مُسجلة وهذا ميكروفون ..
سادَ صمتٌ قصير وعاد صوت العجوز اللاهث الى التردد في أجواء الغرفة ...
-جلسَ الشابُ خلف الخيمة وأجهش بالبُكاء ..!! واستمر العجوز في رواية قصة الشاب الذي لا يملك ثمن تذكرة الباص للسفر الى مدرسته ...
على الحائط المُقابل عُلقت صورة بالاسود والأبيض ، تضم أفراد أسرة وقد تكأكأ الصغار على والدهم يُحيطون به سعداء فرحين .... كانت الصورة بعيدة ، لم يستطع تمييز وجوه الجالسين عن بُعد ، لكنه يتذكر كل تفصيل صغير فيها غيبا ، رغم مرور السنين ..
وصوت العجوز اللاهث الهامس يأتي وكأنه خارج من بئر ، يحكي ويحكي ويبكي ...
ذات صيفٍ لا يُنسى ، وقفت هناك ، وكأنها كانت هناك كل تلك المُدة ، كتمثال إلهة يونانية ، يراها لأول مرة ، لكنه يعرفها حق المعرفة ، وكأنه التقاها في مكان ما وزمان آخر غير هذا الزمان وهذا المكان ..هكذا شعر وأحس..
كانت تكنس الارضية ، كان بإمكانه أن يدخل البيت من مدخل آخر ..
توقفت عن التنظيف وما زال ظهرها منحنيا ، وهي تنظر تجاهه وكأنما كانت تترقب قدومه ، طالَ وقوفها على هذه الحال وكأنها صورةٌ تلفزيونية ، جُمدّت ..!! لم تتحرك ولم تتزحزح ، كانت تدعوه للدخول والمرور بجانبها ، دون ان تنبس ببنت شفة.. أراد التمعن في قسمات وجهها وارادتْ هي ذلك أيضا . فهي لن تستطيع رؤيته جيدا وهي تمشي .. تجمدت في مكانها لتضمن للعيون ان تلتقي ..ولسماع خفقات القلوب التي تحاول الوثوب من الصدور ،نحو آفاق جديدة .
كانت تلك اللحظة هي لحظة التّماسِّ الكهربائي ، أو لحظة الإنفجار العظيم ..
-إنها هناك في الصورة ،تبتسم ابتسامتها الغامضة تلك .. قال في سرِّه مخاطبا نفسه ..
"لقد وقفتُ أمام القاضي وحكيتُ قصتي .." ، أخرجَه صوت العجوز من خيالاته وذكرياته ، كان قد بدأ الغوص عميقا لإصطياد لحظات نادرة كانت قد توارت خلف حوادث الايام ..
والعجوز يروي ويروي وكأنما هو خائف أن يأتيه الموت على حين غرة ، وتضيع حكايته تحت التراب .
-أين انتِ الآن ؟؟ عشرات السنين مرت وانقضت ..
وفجأة أحس بشوق عارم ، لمطالعة وجهها فقط .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ