الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأثير في الواقع والتأثر به ونمط التفكير البناء

صادق الازرقي

2015 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلتنا نحن في بلدان ما يسمى الشرق الأوسط والعالم العربي، ان عدداً متزايداً من الناس يفكرون ويتصرفون بطريقة غير عقلانية، ولا تتلاءم مع مستجدات العصر وضروراته، ما يؤدي الى مشكلات كبيرة يتسبب فيها هؤلاء لتلك المجتمعات بما يؤذي البشر بنحو مباشر.
ما نعنيه هنا بالتحديد امراً ربما ليس من اكتشافنا؛ اذ قد يكون سبقنا الى تشخيصه علماء الاجتماع والنفس والسياسة، لأن القضية التي نحن بصدد التحدث عنها ليست جديدة، انما رافقت المجتمع البشري منذ البدايات الأولى لتكوّنه، و لاسيما مع بدء تحوله من الحياة البدائية الى مراحل التطور الانسانية التالية، وقد ظهر تأثيرها بخاصة مع انبثاق التفكير البشري وتساؤلاته المتواصلة عن الحياة والموت، وماهية العيش البشري والعقائد والافكار التي ارتبطت بذلك؛ بل ان الامر شمل ايضاً حتى أفكاراً وعقائد كانت تعد نفسها علمية وتحررية.
الامر الذي نتحدث عنه، يتعلق بمحاولة جعل الواقع، بل اجباره على أن يصبح مثل الأفكار التي يحملها بعض الناس، وهذا هو مكمن اللامنطقية والخطورة بعينها، اذ ان التطور الطبيعي الذي يقود المجتمعات الى التقدم، هو العكس تماماً، وذلك بجعل افكارنا تتكيف مع الواقع، و ذلك هو السبيل السليم لتطوير المجتمعات البشرية وتنقيتها من ادرانها وتنميتها بما ينسجم مع الوقائع الجديدة التي لا تشبه ابداً ما كان عليه الناس وانماط التفكير قبل آلاف السنين او الف سنة او حتى مئات السنين.
ولنا في هذا الصدد امثلة كثيرة، فبلدان شعوب شمال أوروبا التي كانت تعيش حتى عهد قريب قياساً الى عمر الزمن حياة همجية وقبلية، وتلجأ عادة الى السيف والقتل الدموي، لمجابهة غيرها من الشعوب والقبائل او حتى مواجهة الافراد بعضهم البعض في المجموعة البشرية ذاتها؛ نقول ان تلك الشعوب سرعان ما تعلمت في ظرف زمني قصير واثر التطورات التي حدثت في بعض بقاع العالم ومنها أولى المكتشفات العلمية، فتكيفت مع الوقائع الجديدة، وجعلت أفكارها تتغير على وفق تغير الواقع؛ وبالنتيجة فانها تقدمت في ذلك الزمن القصير لتصل الى ما وصلت اليه الآن من الرقي الذي يعرفه الجميع، وهي لو أصرت على التمسك بقناعاتها ـ وعقائدها أيضا ـ القديمة بحذافيرها لما تقدمت أي خطوات باتجاه حياتها الملائمة لسكانها، ومثل ذلك حدث في بقاع أوروبا الأخرى، فبعد ان كانت الكنيسة تحاول ان تستأثر بكل شيء، وان تفرض رؤيتها ومعتقداتها على المجتمع، وتكيفها تبعاً لها ضاربة صفحاً عن التطور المتسارع لتلك المجتمعات نتج عن ذلك انبثاق هائل للكوارث والحروب والقمع والطغيان و مزيد من نزف الدماء؛ ولم يبق الامر مقصورا على الأفكار والرؤى المرتبطة بقناعات دينية، بل شمل أيضا حتى تلك القوى التي تقول انها لا تعتمد على الدين، ولكنها أيضاً ارتكبت التصرفات القاتلة عينها بمحاولة فرض ايديولوجياتها وافكارها وعقائدها؛ لجعل الناس والمجتمع يسيرون في قالب أفكارهم التي تتقادم مع مرور الأيام والسنوات، ولعل تجربة و مآسي النظامين النازي والفاشي في أوروبا في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي، ونماذج الأنظمة الدكتاتورية في العالم ومنها منطقتنا ابرز نماذج لذلك التفكير الذي أدى الى خراب البلدان وهلاك الناس.
أسس و أساليب التطور الطبيعي للمجتمعات والدول، معروفة للجميع، واولهم السياسيون ورجال الدين، الذين يقود كثير منهم الناس الى حتوفهم بمحاولة عكس بوصلة التقدم البشري وجعل الناس يدورون ضمن اطار الأفكار التي كانت سائدة قبل مئات او آلاف السنوات حتى وان أدى ذلك الى المشكلات المعروفة التي يتعايش معها الناس الآن مرغمين بفعل نمط التفكير هذا؛ اننا نعرف الآن بوساطة المؤرخين والتاريخ ان شريعة حمورابي حفلت بكثير من الأمور الجميلة التي تحقق العدالة، بحسب ذلك العصر، ولكننا لا نستطيع قطعا ان نطبق قوانين حمورابي في عصرنا الراهن على انها صالحة لهذا العصر، ونعممها على المجتمع لنحقق ما نرتئيه، لأن ذلك إضافة الى كونه غير منطقي، فانه يؤدي الى تفاقم مشكلات الناس، الذين بهم حاجة الى قوانين تلائم زمنهم، وليست تلك الازمان التي كان الناس يعيشون فيها في مراحل الحياة البدائية، الصحراوية او القروية مثلاً، ولعل ما يحاول فرضه بعض الإسلاميين لما يسمونه إقامة دولة الخلافة الاسلامية يصب في الاتجاه نفسه فقد أدت محاولة فرض العقائد والأفكار على الناس، وجعل المجتمع يسير على وفقها الى خسائر كبيرة، لاسيما في أرواح الناس الذين قتلت وشردت منهم اعداد هائلة، بسبب نمط التفكير هذا، ونعتقد هنا ان بعض ما جاءت به الأديان والعقائد كان يهدف الى حماية حياة الانسان؛ ولكن ذلك النمط من التفكير الذي يريد اقحام كل شيء في المجتمع بغض النظر عن جدواه بصفته عقيدة او أيديولوجيا، أدى الى خراب كثير، اذ انهم اخذو يحاولون تفسير ما جاءت به الأديان على هواهم وتطبيقه على المجتمع، وهو السبب الرئيس في حدوث الانتكاسات الكارثية في مجتمعات الشرق الأوسط والعالم العربي.
ان عقائد الناس وافكارها محترمة ومن الواجب الحفاظ على قدسيتها، غير ان استعمال البعض لها في محاولة لفرض تصوراتهم على المجتمع المتنوع يؤدي الى التصادم الحتمي والى ضياع الأرواح البريئة والى انهيار بنيان المجتمع وهو ما ادركته الشعوب المتحضرة في وقت مبكر وعملت جاهدة على النأي عنه؛ بإقامة دول تكيف نفسها مع التطورات الهائلة في العلم والحياة؛ لا ان تحاول جعل مجتمعاتها أسيرة لانماط التفكير القديمة التي تسببت في موت ملايين الناس في تلك البلدان وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة