الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موكب نحو الخلود

زينب علي

2015 / 5 / 30
الادب والفن



سار موكبي وسط الجموع في جو مشحون بهتافات الموت و ألصيحات وأبواق السيارات وضجت الاصوات المتعالية في كلا الطرفين , امامي وخلفي. زمجرة اصوات وتكبيرات الملثمين الذين ينشرون الموت في كل شبر تطأه اقدامهم.
نظرت الى الوجوه التي تلوح وتركض امام موكبي فرحا, ككرنفال ملك بل كقائد عسكري يطوف شوارع المدينة المبتلاة احتفالا بانتصاراته,, كفارس حمل لهم بشارة النصر بعد ماجرعوا الهزيمة التي كبدتهم الكثير, ازاح الظلام المخيم على مدينتهم منذ زمن.
او كحفلة عرس,
نعم هكذا احسست وانا اطوف الشوارع وارى فرحة الأهالي يضحكون, يلوحون ويلتقطون الصور,
انه كرنفال او حفلة زفاف,, حفلة زفافي الى الخلود,,
نعم لايفرق شيء في كلتا الحالتين الناس مسرورين وفرحين, الفرق بالنسبة لي حزني لأجلهم وانا ارى الصبية يركضون و يضحكون,,
اه ياصبيتي لو تعرفون,, انهم يدفعون بكم كطعم ابله لمبتغاهم اللعين, كما ستكونون يوما,, كما انا اليوم...
ان لم تكونوا في مكاني الذي يسوقني الان الى منية الموت في هذه الزفة الطويلة التي صنعتم فرحتها بسعادكم.. تلك السعادة المبهمة التي لا تعرفون مصدرها او سببها سوى ان الذي امامكم " صفوي" تلقفنموها حتى من غير ان تعرفوا ما تعني وليتكم تعرفون بأني " انا المتهم بها" لا اعلم معناها أيضا تماما كأنتم..
ستكونون في مكان اولئك الملثمين الذين يحوطونني بأسلحتهم, حقدهم وغلهم..
وسابكي عليكم كثيرا يا صبيتي,, لانكم امنتم للجزار ان يحز رقابكم بعقيدته..
لانني اعلم ان كلينا مكانه تلك العتمة السوداء المخبوءة تحت الارض التي تستقبل الصديق , العدو والمحايد فتجعل منهم اسوياء,, فأني انشد هناك العدل الابدي..
اه يا صغاري,, خدعوكم باسم عقيدة الحقد البلهاء,, كم هي واهنة تلك العقيدة التي تُذبح على قارعتها كل لك الجثث وتسيل دماء الاخوة غدرا بينهم.
تساءلت وانا انظر لموكبي المزفوف لمقصلتي,, ترى هل نحتاج ان نموت جميعا من اجل ان يسود الامان في بلدي؟
ومن سيعيش في بلد الامان من بعدنا؟؟
كاذب من قال انهم قتلوني من اجل وطن,, فلقد مزقوا علما في جيبي مكتوب عليه العراق,, طرحوه ارضا وبصقوا عليه..
وموكب موتي يسير ببطيء بين الجموع المهلهلة,, لكي يستمتع المحتفلون لاطول فترة ممكنة بنهايتي,, كنت اتلقى ضرباتهم المتوالية وبصقاتهم التي تشبه ريح نتنة تمر على انفي المعطوب سلفا لكثر ما المته روائح الدم والبارود..
صفوي, صفوي,
لم تفارقني تلك الابتسامة الساخرة لبلادتهم وغبائهم,, وانا اقف متحديا حماقتهم, جامع كل قواي المتهالكة من الم الجرح الذي ينخر قدمي,, والجوع الذي نال مني لثلاثة ايام.
ابتسامتي الباهتة الصغيرة التي لا تكاد تُميز أهي ابتسامة ام شرود, مزقت شفتي الجافتين المتعطشين لقطرة ماء تطفأ براكين قلبي الملتهبة..
وموكبي يحوم بين الجموع السعيدة,, رايت وجه امي باكيا,,
لاتبكي يا يا امي,, هو الموت واحد وها انا اذهب اليه شامخا,, اعذريني, فلا توجد رجعة,, ولا توجد فرصة اسمى من تلك لاستبدلها..
لا زال عطر بخورك ملتصقا بخدي,, سحقا لاشرار الحياة,, سحقا للطاغوت..
سحقا لجحافل الموت التي تطوقني.. سحقا للموت الذي يقترب مني اكثر فأكثر..
اجزم بانك سوف تتالمين كثيرا لموتي,, لكنني اعدك بان اكون هناك نجما كبيرا في السماء,, مرفوع الراس,, وساكون مدفون في قلب الارض ,, التي لم تشبع بعد..
استفقت من مناجاة امي على رقصات ذلك الشيخ الكبير, ولم يهزني ماستكون عليه امي مثل ماهزتني سعادة ذلك الشيخ.
نظرت اليه طويلا عله يخجل,,
لكنه لم يخجل,, عجبا ايرقص الاباء فرحا لموت أبناءهم
رايته يرقص لموتي,, بينما ساكون هناك جثة ملقاة, سيعود ضاحكا لزوجته يتلوا عليها قصة اعدامي,,
الا تعلم ياشيخ بأني ما اتيت الا لأجلك؟..
لأمسح عنك درء ذلك الغريب الذي قطع اميال طويلة ليبعثر مبادءنا...
مباديء؟؟ اية مباديء,, وهل توجد على هذه الارض مباديء؟؟
ها انا ذا,, يزفني ابناء جلدتي للموت على يد اعدائي..
لازال موكب زفتي للموت سائرا..
نظرت لذلك الشاب الذي يتقدم موكبي ويبتسم,, كان يردد كلمات فهمتها,, وآلمتني جدا,, حتى انني احسست بأنني لست في بلدي..
تمنيت ان يوجه احدهم سلاحه نحوي ويمحو تلك أللحظة حين يشمت اخي لموتي..
سار موكب موتي بين الجموع السعيدة,,
وكانت كلماتك طرق باب رأسي,, سيكون مهري حفنة من تراب" الرمادي" كبرهان نصر وثمن الشرف..
كنتي تحلمين ان اعود كالامير الذي عاد محملا بقصص الحروب,, اعذريني يا حبيبتي,, سأعود اليك,, ولكن كجثة محملة بالفخر..
اثرته عليك ياحبيبتي,, اعذريني..
اكمل الموكب مسيرته ببطيء,,
كنت انظر لعيون الواقفين.. هل ستحصل معجزة؟ هل سيخرج احدهم ويقول توقفوا,ثم فجاءة, يتجمد كل شيء؟
هل انا في حلم,, سأصحو منه,, وساجد نفسي بين رفاقي وقد اهلكني الاعياء والتعب وقلة النوم وجرح قدمي, حاملا معه الكوابيس المقيتة ككابوس زفتي للإعدام.
لا, انهم حقيقيون,, وانا بدمي ولحمي,,
انهم حقيقيون,, وانا ألان ألان سأكون خبرا على تلفاز او على صحيفة..
سيحزن اناس وسيفرح آخرون اما انا فسأواجه الموت لوحدي,, وسأموت لوحدي..
كن قويا يا مصطفى,,,
فلا توجد بطولة أوخلود اكبر من ان تواجه الموت.
مهما اشتدت الصعاب تبقى مواجهة الموت اصعبها,, حتى انها اصعب من الموت نفسه.
ها انا اقترب اكثر,,
اكثر,,
ماهي الا دقائق وساكون بعيدا عن هؤلاء,, بعيدا عن كل شيء..
سوف لن تسمع امي ضحكاتي ولا اعانقها ولا اقبل راس ابي الذي ينتظرني الان.
اين انتما الان؟؟
ربما هما الان يجلسان, يستذكراني,, قلقان علي لانهما فقدا الاتصال بي؟؟
او لربما يحتسيان الشاي وينصتان للاخبار,, لربما يضحكان على كلام "ندى ابنة اخي" الغير مفهوم,, وانا اُساق للموت بطيئا..
اه,, اه,, ليتني ارى ماتفعلانه الان يا والدي, وابنكما يُطاف به في الشوارع في موكب الموت وحيدا بلا محب او مؤازر, مكسور الخاطر لشماتة اخوته به..
سار الموكب نحو موتي,, وتذكرتك يا قائدي العسكري,,
هل ستحتفل بالانتصار الذي يعقب موتي؟؟ وانت الذي تركتني اواجه الموت وحيدا؟
سأموت,, وسيموت غيري,, وستخرج انت هناك تتمايل امام اللاقطات لتعلن نصرا صنع بدماءنا, مفتخرا بإحرازه بلا خجل..
اكمل الموكب مسيرته الى حيث الشموخ,,
لم اكن اشعر بضرباتهم التي بدأت تنهال علي من كل مكان, حيث ان الالم تخدر في داخلي هو ايضا,, ورحت اتألم للفرحة التي كانت تغمرهم,, انهم اهلي يفرحون لموتي,,
اقتربت اكثر,,
ارتقيت المكان حاصرتني الايادي المتعطشة لصفعي والافواه التي لا تهدا من ذمي..
اهلا بك ايها العلو,, اهلا بك ايها الشموخ,, ها انا ذا اتقدم نحوك,, لاعلق رقبتي بحبالك واكون ثمرة تتدلى على شجرة عزك..
ها انا ذا,, اُزف اليك,, يزفني اخواني في الوطن, فرحين, يصفقون, يكبرون, ويلتقطون الصور..
ها انا ذا ايتها الكرامة,,
وهل يخلو عرس من التصفيق والفرح والتقاط الصور؟؟
ساد الصمت المقطوع بالتكبيرات,,
انه الصفوي الكافر,, سيلاقي حتفه..
ضحكت باستخفاف لعقولهم التي لا تفهم.
انا عراقي,, امي عراقية وابي عراقي.. كنت العب هناك في الدربونة العراقية ممزق الثياب شبه عاري وحافي القدمين..
رماني احدهم بحجر,, تبسمت له,,
ساد الصمت بأنتظار موتي.
ها انا انزلق نحو الخلود, بينما تترقب الابصار لحظة موتي,, لحظة خلودي..
عانقني الشموخ وانا في كامل حلتي وحبل الكبرياء يزين عنقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال