الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية إلى القاهرة .. ثم إلى أين ؟

بدر الدين شنن

2015 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لأن سوريا تتمتع بموقع جغرافي متميز ، يتوسط أوربا وآسيا إفريقيا ، لفتت عبر تاريخها ، وما تزال ، الغزاة ، والفاتحين ، والمستعمرين ، إلى ضرورة السيطرة عليها . فكان غزو الإغريق ( اليونان ) والرومان ، والفتح العربي الإسلامي ، وغزو المتطرفين الصليبيين الأوربيين ، واجتياحات المغول والتتار، وغزو الأتراك العثمانيين ، وغزو الدول الاستعمارية الغربية ، وغزو المشروع الصهيوني ، وأخيراً غزو الإرهاب الدولي الفاشي .
ولأن سوريا تتمتع بإرث حضاري تعددي ، تمكنت أن تحظى في كل المحن التي مرت بها ، بقيادات ونخب ، ذكية في إدارتها ، ووفية في التمسك بأرضها ، وحمايتها ، والحفاظ عليها .

أسوا ما مر عليها من فتوحات وغزوات واجتياحات ، كان غزو المغول والتتار القبلي الهمجي ، الذي مر كالوباء وتلاشى ، وغزو الأتراك العثمانيين الظلاميين الذي دام أربعة قرون ، وغزو المشروع الصهيوني العنصري ، وأخيراً غزو الإرهاب الدولي الفاشي .

بعد طرد الاحتلال العثماني 1918 ، تنفس السوريون أولى نسائم الحرية في العهد الفيصلي ( 1918 ـ 1920 ) . لكن فرنسا وبريطانيا خذلتاه ، وقامتا تنفيذاً لاتفاقهما التآمري المسمى (سايكس ـ بيكو 9 ) باحتلال سوريا وتقاسمها .
احتلت فرنسا بيروت ، ثم زحفت نحو دمشق . وفي ميسلون ( 20 تموز 1920 ) تصدى الجيش السوري الفتي ، الذي كان يضم بضعة آلاف قليلة من الجنود والقليل من العتاد المتخلف ، تصدى للجيش الفرنسي الذي كان يضم عشرين ألفاً ، والمجهز بأحدث الدبابات والطائرات .
وكان تحدي الكرامة الوطنية السورية لجبروت فرنسا العظمى ، الذي مثله تصميم وزير الدفاع السوري الأول والجنود السوريون ، بأن لا يمر الغزاة لاحتلال الوطن وهم أحياء . واستشهد في غمرة المعركة الملحمية الأولى للجيش السوري ، الكثير من الجنود الأبطال ، وفي مقدمتهم قائدهم وزير الدفاع " يوسف العظمة " الذين رسخوا بدمائهم القيم الوطنية ، وأسسوا لنهوض جيل سياسي مقاتل قادر على انتزاع الحرية والاستقلال ، ولبناء طبقة سياسية ، يحمل رجالاتها الوطن دائماً .. في قلوبهم .. وعيونهم ..

ووحد السوريون ، على اختلاف أطيافهم ، صفوفهم .. وإراداتهم .. ونضالهم .. ضد المحتل الفرنسي . وكان تشكيل " الكتلة الوطنية " هو الإنجاز الكبير ، المعبر عن مصداقية نضالهم .. ووحدتهم . وقد تكلل نضال الشعب السوري بالنصر ن وانتزع حريته واستقلاله .
بعد الاستقلال ، ظل الواجب الوطني ، أمام الطبقة السياسية ، قائماً ، وتضمن أولاً ، الحفاظ على الاستقلال ، واستعادة لواء اسكندرون ، الذي منحته فرنسا بصفقة قذرة لتركيا ، وإعادة بناء دولة وحدة الأمة . وقد عبر الرئيس السوري الأول " شكري القوتلي ، عند رفع العلم الوطني في ( 17 نيسان 1946 ) بقوله " لن يرفع فوق هذا العلم إلاّ علم الوحدة العربية " وصدق وعده ، وشارك " جمال عبد الناصر " بإقامة أول دولة عربية موحدة في التاريخ المعاصر ، تحت اسم " الجمهورية العربية المتحدة " .

ومنذ أن تحقق الاستقلال انتهت الكتلة الوطنية . ومارست الطبقة السياسية التعددية الحزبية . وكان أهم حزبين تصدرا المشهد السياسي هما ، الحزب الوطني ، وحزب الشعب ، اللذان تداولا السلطة والمعارضة ، حسب النتائج الانتخابية . وكان هناك أحزاب أخرى تمارس نشاطها السياسي ، أبرزها .. الحزب الشيوعي ، وجماعة الأ خوان المسلمين ، والحزب السوري القومي الاجتماعي . بيد أن تعدد الأحزاب ، وتداول السلطة والمعارضة ، لم يغيب الواجب الوطني وظل الانشغال الدائم به قائماً . فقد احتل واجب التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين ، ومن تحرير فلسطين الرقم واحد في الأولويات الوطنية ، إلى جانب استعادة لواء اسكنرون . ومع تزايد التآمر الاستعماري للعودة إلى الهيمنة على المشرق العربي ، الذي تمثل بالانقلابات العسكرية المتوالية ، ما بين( 1949 ـ 1954 )، وبحلف بغداد( 1954 ـ 1958 )، والحصار على سوريا ( 1957 )، ارتفع المنسوب الوطني عالياً ، واستدعى ارتقاء الطبقة السياسية إلى مستوى القدرة على التصدي للمخاطر الأجنبية ، فتم تشكيل " التجمع القومي البرلماني " في أواسط الخمسينات ، الذي ضم " حزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الوطني ، والحزب الشيوعي ، وكتلة خالد العظم ، وعدد كبير من المستقلين . وقد تمكن هذا التجمع من الحفاظ على سوريا ، ومن إسقاط التآمر الاستعماري الرجعي الصهيوني عليها . وكانت هذه التجربة تعبيراً صادقاً عن وطنية القوى السياسية في البلاد .

ومن أسف لم تستطع الطبقة السياسية السورية ، أن تحافظ على دولة الوحدة مع مصر . وخسرت أهم إنجاز في تاريخها كله . وذلك حين خدعت نفسها ، وآثرت تقاطع مصالحها مع الخارج وارتباطها به ، عوضاً عن تقاطعها الأبدي مع الجذور الشعبية والاجتماعية في الوطن " الجمهورية العربية المتحدة " . وقامت بالانفصال عن مصر في ( 28 أيلول 1961 ) .

وبعد إسقاط حكم الانفصال ، جاءت ( حركة 8 آذار 1963 ) ، التي وعدت بإعادة الوحدة مع مصر ، وإعادة ، التأميم ، والإصلاح الزراعي ، ونشر الحرية . غير أنها استقرت على الحكم الأحادي وعلى كل مقتضياته في المجالات الأخرى .
ابان العهود التي توالت تحت ، ( عنوان 8 آذار ) ، كان عهد ( 23 شباط ) اليساري النزعة ، هو البادئ بملاقاة الآخر التقدمي . فضم وزيراً شيوعياً إلى الحكومة . ثم جاءت ( الحركة التصحيحية 1970 )، وانتهجت سياسة ملاقاة الآخر بالاحتواء ، ضمن إطار " الجبهة الوطنية التقدمية ، بقيادة حزب البعث بصيغته " التصحيحية " الجديدة ، التي ضمت قوى " اشتراكية وقومية الهوى " والأسماء . وقد أدى ذلك إلى حدوث انقسامات في الأحزاب التي انضوت تحت قيادة هذه الجبهة . كما أدى إلى تشكيل الكتل المنقسمة تحالفاً معارضاً باسم " التجمع الوطني الديمقراطي " حمل أعضاؤه الأسماء الأولى للأحزاب التي انشقوا عنها . وقد كرس هذا التجمع حضوراً معارضاً في الداخل . وبقي مستقلاً منذ تأسيسه 1979 ، عن جبهة الإنقاذ ، التي تقيم قيادتها في بغداد ، التي ضمت " البعثيين السوريين التابعين للقيادة القومية ، وجماعة الأ خوان المسلمين ، وبعض الفصائل ، والشخصيات ، القومية ،والناصرية ، واليسارية ، المستقلة ، والاشتراكيين العرب .

كان التجمع ينهج سياسة معارضة سلمية متوازنة ، منسجمة مع المفهوم الديمقراطي .
وكانت جبهة الإنقاذ تنهج سياسة عدائية متوترة ودموية ، منسجمة مع المفهوم الأ خواني المغامر ، ومع المفهوم البعثي القومي الإ نقلابي .
ولم يعد المنسوب الوطني رغم العدائية الإسرائيلية متفوقاً . ما حدث وحاول إلغاء المنسوب الوطني في السياسة ، هو أن قام الأ خوان المسلمون " الطليعة المقاتلة " بمجزرة مدرسة المدفعية بحلب 1979 ، التي كانت تعدياً صارخاً على مؤسسة وطنية ، وشكلت استفزازاً طائفياً بشعاً . ثم توالت الأحداث الدامية في البلاد ، ما بين 1980 - 1982 - التي أكان أبرزها سيطرة الأ خوان المسلمين على مدينة حماة 1982 ، وقد جرى التعامل معها من قبل كثير من القوى السياسية ، على أنها وسيلة من وسائل التغيير في الشأن الداخلي ، فيما هي بوضوح وسيلة تدمير في الشأن الوطني عامة ، لجر سوريا إلى التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل ، مماثلة للمعاهدة التي وقعها أنور السادات في كامب ديفيد 1979 . كانت جبهة الإنقاذ تعتبر حرب الأ خوان مع النظام هي حربها . أما التجمع - باستثناء الحزب الشيوعي - المكتب السياسي - فقد نأى بنفسه عنها ، وأدان التطرف المسلح ، والتطرف الديني .في البلاد .

بالمحصلة ، غيرت تلك الأحداث المناخ السياسي إلى الأسوأ ، وكرست معادلة ( عنف / قمع ) ووضعت الطبقة السياسية في نفق الرهانات على القفز والمغامرة ، وعلى الخارج ، لتوفير السبل في هذا المسار . وكان الانزلاق إلى التسلح ، والانخراط في الإرهاب الدولي الفاشي ، أسوأ الخيارات والرهانات ،التي أدت إلى فقدان المعارضة لمختلف أطيافها دورها السياسي . فمنها من حمل السلاح وتعاون مع الإرهاب الدولي وسميت " معارضة الخارج " ثم سميت " المعارضة المسلحة " ومنها من بتعد عن السلاح والتسلح ، وسميت " معارضة الداخل .. أو المعارضة الوطنية " . لكن هذه المعارضة أو تلك ، ظلت تتمسك بمقولة أن السلاح والتدخل الخارجي ، يصبان في مجاري الحل للشأن الداخلي المأزوم ، متجاهلة بقصد أو بدون قصد ، أن ما يجري هو شأن وطني عام لإسقاط الدولة السورية من خلال إسقاط النظام لحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد ، بدلالة التدمير الواسع الهائل ، والعدد المرعب من القتلى ، والضحايا البريئة ، والتهجير ن والتشريد ، الذي تصدر كوارث البلدان الأخرى الطبيعية والحربية في العالم .

ونتيجة لذلك ، اقتصر التعبير السياسي للمعارضة على معارضتين ، " مسلحة وغير مسلحة " . المعارضة المسلحة هي حقيقة جزء من الإهاب الدولي الفاشي مكلفة بمهام مدنية . والمسماة غير مسلحة ، هي فاقدة القدرة والتأثير ، في مجريات الحرب ، وفي تحريك الشارع . ولو كانت تملك القدرة والتأثير ، وأحجمت عن لخسرت موقعها المعارض ، وتحملت المسؤولية بالتوازي مع مجرمي الإرهاب الدولي . إنها تحمل فقط قيمة سياسية للتداول في الخارج ، وقيمة معنوية نفسية في الداخل ، قد تتحول إلى قيمة سياسية مفتوحة على التوسع ، في مجال التعبئة العامة لإنقاذ البلاد ، شرط أن تحسم خياراتها ، وتتخلى عن لعبة استخدام الحرب وتداعياتها للاستحواذ على السلطة ، أو لانتزاع حصة دسمة فيها ، وقررت القيام بالدور الوطني المسؤول .
وحسم الخيارات لا يحتاج لكثير من المؤتمرات .. وإنما يحتاج إلى وضوح في الرؤيا ، والقناعة ، والشجاعة ، والإرادة . بدلالة ، أن الحوارات التي دارت في كافة المؤتمرات السابقة ، إن في داخل المعارضة ، أو مع ممثلي الحكم ، في جنيف ، وموسكو ، والقاهرة وغيرها ، كانت تدور اعتماداً على نتائج الواقع العسكري الميداني ، حول عقدة تقاسم السلطة ، تحت عنوان " الحكومة الانتقالية " وليس حول كيف يمكن توفير ، بأسرع ما يمكن ، مقومات الوحدة الوطنية ، والتصدي للإرهاب الدولي الفاشي .

إن مؤتمر القاهرة المزمع عقده في أوائل الشهر القادم ، لا يبشر بتغيير جاد نحو الأفضل ، في عقلية وتوجهات الكتل والشخصيات المستقلة المشاركة فيه ، إن تبادل التصريحات بين المدعوين البارزين ، تظهر التباين العبثي المسبق ، كنوع من اشتراط الحضور ، أو رسم المسارات المعارضة في المؤتمر وخارجه . الجديد الإيجابي في مقدمات مؤتمر القاهرة القادم ، أن الجميع يقرون ، بقناعة تامة من قبل البعض ، أو مناورة من قبل البعض الآخر ، بارتفاع المنسوب الوطني ، وبأن مقاومة الإهاب الدولي ، واجب وطني عام . لكن عقدة الحكومة الانتقالية ، بمشاركة النظام أو عدمها ، وتوزيع الحصص في توليفتها ، تغطي على أولوية الواجب الوطني العام ، وعلى ضرورة وضع الخطوط الأساسية للمشاركة فيه . وهنا يكمن ضعف المؤتمر .. وربما فشله .. ما سوف يستدعي عقد مؤتمرات أخرى .. دون التفكير المسؤول ، بالتسامي فوق خلافات وجروح المرحلة الماضية ، والانتقال إلى ملاقاة الآخرين الشركاء في الوطن والمسؤولية بدمشق ، لإنقاذ الوطن من محنته المصيرية العصيبة .

والسؤال المفصلي الآن .. هل يستوي هذا الفعل المعارض " الوطني " مع موجبات التصدي الصادق المسؤول للإرهاب الدولي الفاشي ، الذي يستبيح كل شيء في البلاد ، والمعادي حتى الموت ، لكل الشعب .. ولكل القيم الحضارية للشعب ؟ .
أين يكمن السر في عقدة " الحكومة الانتقالية .. هل هو عدم الثقة بالنظام ، وهو يقاتل هذا الإرهاب أربع سنوات ومازال .. فيما يتردد البعض من المعارضة بالمشاركة بقتاله ؟ . هل هو " قدسية " الديمقراطية ، التي تحولت إلى عقدة ، في حرب لا تسمح صواريخها ورصاصها وحركة مواقعها ، بمكان ووقت لممارسة طقوسها المحترمة ؟ .. أم أنه الثأر الحزبي والشخصي .. وحساسيات المكونات الموروثة ، في وقت كل رقاب السوريين مرشحة للذبح ؟ . أم هو الرغبة الجامحة لامتلاك السلطة ، أو المراكز الهامة فيها ، للاستحواذ غلى امتيازات وثروات موسم الحرب ,و بعدها في موسم إعادة الإعمار .. فيما التهجير .. والتشريد .. يهدد الجميع ؟ .

في أي حال .. ستجري ولاريب .. مراقبة أعمال المؤتمر .. وسيكون الحكم على نجاحه أو فشله .. حسب ناتجه .

وبهذه المناسبة .. تحية احترام وإكبار" للكتلة الوطنية " التي انتزعت الحرية والاستقلال .. و " للتجمع القومي البرلماني " الذي حما سوريا .. من غدر الأحلاف الاستعمارية والحصار .. وعزز مسارها الوطني والقومي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص