الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشهد لم يحدث في جنازة عائلية

فاتن واصل

2015 / 5 / 31
الادب والفن



وقفنا في انتظار أن يؤذن لصلاة الظهر فيدخل الرجال لتأدية صلاة الجنازة على أحد أبناء العموم، والتففن نحن حول أخت الميت نواسيها ونطيّب خاطرها بكلمات نعرف كلنا أنها بلا معنى وأن لا حيلة لأحد مع الموت.
كانت سناء ابنة أخي تقف بجواري دموعها تسيل بغزارة، وأنا كنت متأكدة ان هناك سبباً آخر غير وفاة ابن عميّ هو ما يجعلها تبكي بكل هذه الحرارة. ولكن عرفناها جميعا عاطفية، وأنا بالذات لتقاربنا في العمر رغم أنها ابنة أخي.
كنت أتمنى من قلبي ألا يحضر عبد الحميد إبن اختي الكبرى وألا تراه، فمن الجائز ألا تسيطر على كلماتها وتتفوه بشيء يحرج الجميع، ولكن لا تأتي الرياح دوما بما تشتهي السفنُ فقد لمحته قادم من بعيد، يمشي ببطء كما لو كان يحاول اكتشاف الوجوه قبل أن يقترب من الجمع، وحين أصبح على مسافة أقصر رأيت شعراته البيضاء كبصمتين على جانبي رأسه أعلى أذنيه، يرتدي نظارات شمسية. صافح الرجال بوقار ثم أومأ برأسه من بعيد بأدب ملقياً علينا التحية.
لكزتني سناء بكوعها في ذراعي بقوة وقد تحولت حالة الحزن والبكاء إلى ابتسامة واسعة تفضح فرحتها برؤياه، فهمست حتى لا تسمعني إحدى السيدات الواقفات بالقرب منا:
- الحقي .. حبيب القلب وصل.
فردت بصوت يكاد لا يُسمَع:
- تصدقي وحشني موت .. أنا هاروح أسلّم عليه.
فنظرت لها بحدة وأمسكت بذراعها قائلة:
- انتي اتجننتي!! ده وقته ؟ وبعدين ده اتجوز وخلف وولاده قربوا يتجوزوا.. عاوزة منه إيه بقى ؟ مش خلاص.
أدرت وجهي حتى لا يلاحظ الواقفون كلامنا فهمست هي في أذني:
- بس بذمتك مش لسة قمر..!
مصمصت شفتي وأدرت وجهي متجاهلة ما قالت، وانصرفت عنها أتحدث مع إحدى المعزيات.. لمحته يسترق النظر نحونا.. وفجأة دون أن ألحق بها تسللت من بيننا ومشت متجهه نحوه ومدت يدها لتصافحه، فخرجت مسرعة من بين السيدات لألحق بها قبل أن تتفوه بكلمة، كما أني لم أكن متأكدة إن كانت زوجته قد حضرت معه أم لا وهي التي تعرف قصة حبهما بالتفصيل.
لم أستطع أن أوقفها فوقفت بجوارهما حتى يبدو الموقف طبيعيا.. نظرت سناء نحوه وقالت بعذوبة :
- إزيك يا عبده .. وحشتني.
ارتبك لبرهة ثم استعاد ثباته ورد محاولا إضفاء نبرة عادية على كلماته :
- أهلا سناء، إزيك وإزي أحوالك.. البقية في حياتك.
فبادرته سريعا وأنا أرقبهما وأقنع نفسي أني أمسك بزمام الأمور:
- وفي حياتك.
في هذه اللحظات كانت راجية ابنة أخي الأصغر قد لحقت بنا فصافحها عبد الحميد بود ليدلل لسناء أنها لم تعد تهمه.. كما أنه بدأ يتململ في وقفته ليظهر أنه سوف يذهب للوقوف مع الرجال.
فجأة قالت دون مواربة وبصوت مسموع للجميع وهي تنظر داخل عينيه بقصد اكتشاف المزيد:
- فاكر لما كنت بتغني لي أغنية عبد الحليم " بأمر الحب " !؟
تلفتت حولي فوجدت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، ينظرون نحونا باندهاش وعلى وجه الخصوص أخت الميت التي توقفت عن النحيب وهي تنظر نحونا غير مصدقة..صمت عبد الحميد ولم يبدي أي تعبير كأنها كانت تكلم شخصاً آخر، ومن بعيد لمحت أختي الكبرى أم عبد الحميد وكانت تقف بين سيدات العائلة الكبيرات وتنظر لي وهي تتميز غيظاً وبعيون يملؤها اللوم.
وماذا عساي كنت أفعل !!
كيف أستطيع الوقوف في وجه عاطفة ظلت مسجونة بقلبها كل هذا العمر..
سحبت سناء من ذراعها فمشت بجواري مستسلمة وبقت عيونها معلقة بعبد الحميد ..
أجهشَتْ بالبكاء..
نودي للصلاة فتحرك الجميع إلى داخل المسجد، وكأن الموقف برمته لم يحدث.
اقتربت هند ابنة سناء نحونا وقالت:
- ماما .. بابا بيقولك اقعدي في العربية علشان الشمس ما تتعبكيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر