الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طاقات الشباب بين متاهات العولمة... والواقع

إيمان أحمد ونوس

2015 / 5 / 31
حقوق الاطفال والشبيبة




كثيرة هي الكتب والمقالات الصحفية، والبرامج والندوات التلفزيونية، وورشات العمل التي تناولت موضوع الغزو الثقافي والفكري لمجتمعاتنا وحضارتنا. ذلك الغزو الذي أتى على موجات ثورة الاتصالات والعولمة المبجلة بوسائلها المتعددة، والتي قضمت كل ما هو مفيد حتى داخل ذاتها من علوم ومعرفة يمكن أن ترتقي بالإنسان إلى فضاءات خلاَقة ورحبة لكل ما من شأنه أن يُعلي من إنسانيته وكرامته، ويرتقي بعقله لشتى أنواع الإبداع والابتكار.
غزو تقوده شركات ومؤسسات إعلامية كبرى عابرة للقارات، هدفها الرئيسي طمس كل معالم إنسانية لدى البشر، لتحوّلهم إلى أدوات ووسائل لزيادة أرباحها ضمن سياسة مدروسة ومبرمجة لتهميش العقول وتسطيحها. برامج وسياسات أوّل ما تتوجه إلى شرائح الشباب، باعتبارهم ذوي عقول منفتحة لتلقّف كل جديد، ولديهم ما يكفي من مرونة التفكير لتبني ما يُطرح أمامهم ولهم مما يجود به الغرب علينا وعليهم، برامج وسياسات موقنة ومؤمنة أن فئة الشباب في أي مجتمع، هي من يُعَوَل عليها في عملية التنمية والتغيير والتطور بكافة الاتجاهات والمجالات، لاسيما أن المجتمعات العربية تتميّز بأنها مجتمعات شّابّة، وهذا ما يمنحها إمكانية تجدد وتطور الفكر والعقل، وبالتالي إمكانية الوصول إلى مستوى المجتمعات الراقية، لو تمّ تفعيل دور الشباب بشكل جاد وحقيقي، من خلال إشراكهم في عملية صنع القرار، واستغلال قدراتهم المتنوّعة في عملية التنمية المستدامة على مختلف المستويات.
لذا، يرمي هذا الغزو المرعب إلى تأطير شبابنا ضمن منظومة مفاهيم تُبعدهم عن واقعهم، لتحلّق بهم فيما يغذي غريزتهم وميولهم إلى التحرر من قيود الأسرة والمجتمع بكل أبعادهما إيجابية كانت أم سلبية، فيتحولوا إلى مجرد متلقّين لما تزودهم به بعض مواقع الانترنيت الرخيصة، أو البرامج التلفزيونية السطحية والبلهاء، إضافة إلى صنوف الغناء التافه على وقع كليبات خلاعية مبتذلة تصور الحياة وكأنها ملك أيدينا نفعل بها ما نشاء، ونحصل منها على ما نريد دون تعب أو عناء.
ولا ننسى الدعاية الفخمة والضخمة لأفلام هوليود(وقد خُصصت لها قنوات متعددة) والتي تصور لنا المجتمعات الغربية والأمريكية على أنها إمّا المجتمع الذي يعيش على قانون شريعة الغاب( القوي يأكل الضعيف)، أو الفردوس المفقود، من خلال أفلام الإجرام والعنف تارة، وتارةً أخرى من أفلام تتغنى بالديمقراطية وحقوق الحيوان قبل الإنسان، لتكون هذه الأفلام فخَاً رائعاً لتغذية أحلام شباب يحلمون بالهجرة لتلك البلاد، أو لتفريغ شحنات شباب آخرون يميلون تلقائياً وبحكم أعمارهم الصغيرة التي تتميّز في بعض مراحلها بالتهوّر والانفعال والاندفاع غير المدروس، شباب يهوون السلاح والمطاردة وأفلام هيتشكوك، وهذا ما ساعد الكثيرين( سواء في الغرب أو في الشرق) ممن تمّ التغرير بهم للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية- والتي هي صنيعة الغرب ذاته- التي اعتقلت تفكير وعقول الشباب، وحاصرتهم بمعتقدات خرافية تعود بجذورها إلى قرون تأبى رغم قدمها أن تقبل ما يقومون به، كما عززت لديهم سطوة العضلات والسلاح والقتل والذبح، بناءً على قاعدة رفض الآخر الكافر أينما وُجد، وذلك بهدف القضاء على شريحة الشباب التي تتميّز بها مجتمعاتنا عموماً، لاسيما المجتمع السوري.
وإذا ما بحثنا عن الأسباب الكامنة وراء كل هذه الأمور مجتمعة، نجد أنها بسبب الواقع العربي المؤلم الذي وصل درجة التقهقر والانحطاط في معظم مناحي الحياة، من ارتفاع معدلات البطالة إلى ارتفاع معدلات القبول في الجامعات الرسمية، إلى تدني مستوى الثقافة بكافة جوانبها ومستوياتها، بالإضافة إلى سيادة مظاهر التديّن العقيم، من خلال التصدي للفكر العلماني، والإبداع والاختراع، وفوق كل هذا وذاك، تدني أو انعدام ظاهرة البحث العلمي على مساحة العالم العربي، والتي كان من الممكن أن تتناول العديد من الظواهر، أو الأمراض الاجتماعية التي تؤدي بلا شك لهذا الوضع المرير، فتضع الحلول المناسبة لمعالجتها، أو وضع الخطط وبرامج التنمية للارتقاء بالأفراد والمجتمع لينهض إلى مصاف الدول المتطورة.
إن العلاقة بين هؤلاء الشباب وبين النظم الحاكمة تبادلية، فهذه النظم لا تُشرك الشباب فعلياً في الحكم لأنها تخاف التجديد، غير أن الواقع والتجربة في العالم العربي تبرهن أن الشباب هم الذين يخافون حكوماتهم، فالشباب الذين أضاعتهم بلدانهم، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء لا يرون طريقاً آخر غير العبث والاستهتار... أو الهجرة...!!؟
وما اليأس واللاّمبالاة التي تلف شبابنا وتجرفهم باتجاه سيول العولمة في اتجاهاتها السلبية، إلاَ بفعل تهميش دورهم في المجتمع، وعدم الالتفات إلى همومهم وطموحاتهم واحتياجاتهم، وعدم ثقتهم بأنفسهم بسبب ما يرونه في وسائل الإعلام والانترنيت، إذ يشعرون بالفشل والخيبة، وبعضهم يرفض أن يعترف بإمكانياته وقدراته، فيتنحى ويستقيل من مسؤولياته بإرادته، لأنه مغيّب قسراً لا بسبب من طبيعته وتكوينه، بل لأنه ضمن مجتمع لا هوية له أصلاً.
هو ذا وضع الشباب في المنظور العام، لكن في الواقع هناك فئات من الشباب تشعر بمسؤوليتها تجاه ذاتها وتجاه المجتمع، مختلفة عن السائد من الشباب في تلقيها لمفرزات العولمة وثورة الاتصالات بأقنيتها المتعددة، حيث تبحث ضمن هذه الوسائل عما يفيد لناحية التقدم العلمي والتقني والتحصيل الثقافي والمعرفي، لما فيها من اختصار للوقت والمسافات، والاطلاع المباشر والسريع على آخر تطورات واكتشافات العالم في كافة الاتجاهات العلمية والأدبية والثقافية والفكرية، مؤمنة بأن الثقافة فعل تراكمي، ومسيرة مضنية في البحث والتنقيب والمعرفة، وأيضاً مؤمنة بأن الشباب هم الأمل في بناء المجتمع وتطوره إذا ما آمنوا فعلاً بقدراتهم الكامنة، لاسيما إن وظَفوا هذه المقدرات لخدمة أهداف يضعونها نصب أعينهم، ويناضلوا بثبات من أجلها، فيستحقون بالفعل حمل راية التغيير والتطوير. هؤلاء الذين يتحدّون كل معيقات وجودهم وأحلامهم وطموحاتهم، ويمسكون بجمر تلك الأحلام والأمنيات لأنهم محكومون بالأمل الذي أصبح لدى بعض الشعوب واقعاً معاشاً بدَل خارطة أطماع الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية( شعوب أمريكا اللاتينية)
لذا أقول لمن استقال من شبابنا واتجه للعبثية واللامبالاة في حياته كرَد على ما يعانيه من أزمات مجتمعية، وعلى لسان أحدهم:(لابد أن هناك حلماً يغفو داخلكم، فلا تسمحوا له أن يفلت منكم، لأن الأحلام هي البذور الصغيرة التي تنبت فيها أيام الغد الجميلة، آمنوا بأحلامكم)، ولا تنسوا أن معظم الثوار والزعماء الوطنيين بدؤوا مسيرتهم بحلم رومانسي جميل طال البشرية والأرض بأربع جهاتها، حلم ما لبث أن تحوَل لحقيقة واقعة، وهذا ما أظهره لنا فيلم" مذكرات راكب دراجة نارية" الذي يتحدث عن بدايات الشخصية الثورية والأكثر انتشاراً في العالم" تشي غيفارا" والذي قال: " لا يهمني متى وأين سأموت، لكن الذي يهمني أن لا يُلقي هذا العالم بكل ثقله على أجساد الفقراء والمقهورين".
فهل بإمكاننا مدّ يد العون لشبابنا، والانتباه لمصيرهم، والإيمان بقدراتهم وأنفسهم بشكل واعٍ وأكثر إحساساً بالمسؤولية لينقذوا أنفسهم والوطن من براثن مخططات تريد طمس هويتنا وشخصيتنا وحضارتنا...؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس


.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف




.. لحظة اعتقال الشرطة أحد طلاب جامعة ييل الأمريكية المتضامنين م


.. اشتباكات واعتداءات واعتقالات.. ليلة صعبة في اعتصام جامعة كال




.. تقرير: شبكات إجرامية تجبر -معتقلين- على الاحتيال عبر الإنترن