الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريدة - الحرية - .... صفحة مجهولة من تاريخ الصحافة السرية في العراق .

عارف معروف

2015 / 5 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لابد من القول ، ابتداءا ، ان ما سيرد من تاريخ لحدث ، مهما صغر ، وكان محدود الاثر و التأثير ،فانه يعكس، فيما يعكس ، طبيعة الحراك الفكري والسياسي الذي كان يبعثه، ويديم زخمه ، اليسار العراقي كتيار اجتماعي . ويصدر عن القيم الثورية النبيلة التي ارساها وحددت مسلماتها الاطار الفكري والقيمي لتلك المرحلة ، شاملة باشعاعها قطاع مهم من قطاعات المجتمع ، على الاقل . وما كان يمور، نتيجة لذلك ، من تطلعات واحلام في وجدان شباب وربما فتية ، ابان مرحلة من تاريخنا المعاصر كان من مسلماتها واسس تربيتها الاهتمام بالشأن الوطني والاجتماعي العام والبحث عن حلول سياسية للمشكلات الاجتماعية والاقدام على مواجهة التحديات بشجاعة وتقديم التضحيات بطيبة خاطر . وهذا الدافع النبيل والاصيل ، هوالحافز الذي كمن خلف تضحيات المئات من الشباب العراقيين الذي قدموا ارواحهم ، بيسر وسهولة ، على مذبح الحرية، سواء في اعالي جبال كردستان ، او في زنزانات واقبية الامن والاستخبارات او على اعواد المشانق ...وتحت لافتات شتى ، صّبت جميعا ، في مجرى واحد. وعليه يقتضي التنويه هنا ، انني حينما اشير الى صفحة مجهولة من صفحات الحراك اليساري ، الفكري والسياسي ، في العراق، فان فعلي هذا يصدر عن الشعور بالمسؤولية اتجاه تاريخ . وحالي هنا، مثل من كانت بحوزته وريقة صغيرة من سجل تاريخي ضخم . يجد ان المسؤولية تحّتم عليه ان يلفت نظر المهتم الحالي، والمؤرخ المستقبلي ، الى شأنها ، علّها تنتظم في مكانها الصحيح من ذلك السجل ، فتشير الى الدافع الذي كمن خلفها وخلف امثالها من الفعاليات وربما تلقي ضوءا على طبيعة الاسئلة والاعتراضات التي اعتملت في صدور بعض من الشبيبة فلم تجد لها اجابة مقنعة ،هنا، وشقت طريقها الى حيث توسمت الاجابة هناك . او تلقي ضوءا على جملة الظروف والصراعات والاسئلة التي كانت تبرق مثل شرارات صغيرة تحت الرماد والمحاولات المستميته ، مهما كان نصيبها من صحة الوسيلة او ادراك الغاية ، لغرض مواجهة ظلام مطبق كان يريد " تعقيم " العراق والعقل العراقي من جراثيم التفكير لصالح تسطيح نهائي وابدي، يؤازره ، عن وعيّ او لاوعيّ تزييف وببغاوية تطرح نفسها بديلا دون ان تبلغ الرمية او تحسن الوسيلة ! . خلاصة القول ، انني هنا اذكّر بواقعةهي جزء من تاريخ . ليس التاريخ الرسمي ، بأي حال ، ولا ابغي من وراء التذكير بها ان اوّجه الانتقاد الى شخوص او تيار او اتناول بالنقد مرحلة وما شهدته من وقائع او تأسست عليه من سياسات، مما يقع خاج اطار هذه المقالة .

صدرت جريدة " الحرية " ، السرية ، في بغداد عام 1981 .وطبعت باربعة صفحات، واحيانا صفحتين ، فولسكاب على الاستنسل، باعداد محدودة جدا . وقُرأت في بغداد والديوانية والموصل وهي الاماكن التي كان للتنظيم الجديد ، الذي يقف خلفها ،موطيء قدم .
على جانبي عنوانها الرئيسي، الذي كان يتوسط ترويسة الصفحة الاولى ، كان هناك شعار المنجل والمطرقة العتيد ، على اليمين ، " يمين القاريء ". وعبارات لينين المعروفة بصدد الجريدة ، على اليسار ، والتي تبدأ التعريف بالجريدة وتحدد مهمتها واسلوب عملها: " هذه الجريدة يجب ان تنفخ في كل شرارة من شرارات الحقد الطبقي لتحولها الى نار محرقة...الخ"
تحت عنوان الجريدة كانت هناك بضعة كلمات حددت هويتها ورسالتها المتوخاة:
" جريدة المناضلين الديمقراطيين في سبيل التحرر والاشتراكية ! "
كانت هذه الكلمات هي خلاصة ما انتهى اليه ، يومذاك ، جهد المراجعة والبحث الذي شرعنا فيه منذ نهاية السبعينات ، والذي توسعت دوائره ، مثل حجر القي في بركة راكدة، على قلة الامكانات والوسائل المتاحة ، حينما كانت حيازة كتاب ماركسي، لوحدها ، قد تشكل دليل ادانه . لتبدأ من نقد سياسات الحزب الشيوعي العراقي، لتلك المرحلة ، بنتائجها المعروفة . ولتتوسع ، افقيا وعموديا ، باتجاه سياسات هذا الحزب ،عموما . ثم لتتجاوز الشخوص و التكتيكات والمرحلة الى الاسس والمراحل السابقة . فتاريخ العقود المنصرمة وما شهدته من وقائع ،حتى انتهينا الى ان الامر لا يتعلق بسياسات المرحلة ، ولا بخيانة او جهل او ضيق افق هذا الشخص( او مجموعة الاشخاص) او ذاك او اولئك . ولا قصور هذا البرنامج او ذاك . وانما يتعلق بطبيعة الفهم ووسائله والتي لابد وان تنتهي الى مثل هذه النتائج وتفرز هذه الافرازات. وكان لابد ، نتيجة لذلك ، ان نسعى الى نحت وتأصيل فهم ووسائل بديلة ، رغم انها تنهل من ذات المنهل وتتأسس في اطار ذات المدرسة الفكرية والسياسية . وكانت جريدة " الحرية " احدى اهم الوسائل وربما الوسيلة الوحيدة المتاحة يومذاك .
طبعا ، وكما يلاحظ ، من العنوان الفرعي او التقديم الذي حددت به الجريدة هويتها ، فانها اصبحت جريدة " المناضلين الديمقراطيين " لا الطبقة العاملة ، ولا الطليعة البروليتاريه ،حيث ان هذه المفاهيم ، والشعارات ، كانت اول البنى التي تهاوت في مواجهة نقدنا لاننا لم نلمس لها من تمثيل واقعي، في ظروفنا، الا ّ في خيالنا وارادتنا الشخصية ، ونحن بصدد تشريح ملموس لواقع ملموس . كما انها حددت ، وفق نظرتنا وطبيعة فهمنا القائم ، ووسائلنا المتاحة، يومذاك ،وجهة النضال التي يتعين ان تصب فيها الجهود ويندفع اليها زخم الحركة:
" الديمقراطية الاجتماعية "! ، اما السبيل واولوياته ، فهو "...التحرر ، فالاشتراكية " ! ، خصوصا في ظل معاناتنا المريرة من الطغيان الاسود والشمولي الذي كان يجد تبريره وتسويغه ضمن اطر، وعلى اساس ذات مفاهيم(نا )وشعارات(نا )القاصرة، السابقة !
تضمن كل عدد من الجريدة ، وقد صدر منها ثلاثة اعداد فقط ،على مدى بضعة اشهر ، مقالا افتتاحيا ، كان يعنى بأهم الوقائع والاحداث التي كنا نعيشها يومذاك . وخصوصا سياسات وقرارات النظام . وحيّزا للاخبار والنشاطات السرّية للنظام واجهزته القمعية . نبذه فكرية او انارة لمفهوم معيّن ، على اساس فهمنا النقدي الجديد للماركسية وطبيعة الممارسة المطلوبة وفقا لذلك .شعارات وتحريضات ضد الحرب العدوانية التي كان يخوضها النظام بالوكالة ودعوات الى السلام والاخوة والكفاح المشترك بين الشعوب .
من الكتابات الجديرة بالذكر والتي لا انساها ، هي تلك المقالة القصيرة التي تناولت النظام السوفيتي و التي حملت بعدا تنبؤيا . حيث انكرت ان يكون النظام السوفيتي نظاما لحكم الطبقة العامله وحلفائها وانما هو نظام لدكتاتورية بيروقراطية . متنبئة با نتهائه الى نظام راسمالي استغلالي وداعية الطبقة العاملة الروسية الى اعادة الاستيلاء على السلطة السياسية . وهو امر كان ينطوي ، بتقديري ، على جدّة وفرادة ، حيث صدر عن شباب في العشرينات من العمر تربوا في اطار المدرسة الفكرية والسياسية للحزب الشيوعي !
كان الشهيد " عادل تركي " يتولى مهمة طبعها ، وقد بحثت قوّة الاستخبارات عن "المطبعة " في البيت الذي داهمته ، نتيجة وشاية ، والقت القبض علينا فيه ،دون جدوى ، فلم تكن المطبعة سوى " تختة " الثرم الخشبية في المطبخ والتي جعلناها " تختة " مزدوجة من خلال " نورمادة " حديدية وكانت احدى جوانبها " تحّبر " بحبر الرونيو ويوضع عليها الاستينسل المكتوب بخط الشهيد "عادل" السلس والجميل ، في حين يطبق الجانب الذي يحمل الورقة البيضاء ، ليحمل ، بقليل من الضغط ، شكل الكلمات والشعارات التي كانت تفرحنا كثيرا ، ونحن نرى ، من خلالها ، اننا نشق ، فجرا جديدا !!
حينما القي القبض علينا ، اقتادونا الى سيارة كوستر، بستائر مسدلة، ولكنها كانت مضاءة بقوّة من الداخل . كنت ارتدي البيجاما ، وقد شل ّ الرعب حواسي حينما لمست ، في جيبي، وانا اتكوم في السيارة ، الورقة التي كانت تحمل المقال الافتتاحي للعدد الرابع ، والتي كان عليّ تسليمها الى " عادل " بغية تهيئتها مع المواد الاخرى لغرض طبع العدد .وكانت قصة التخلص منها ، بعد ذلك ، دون ضرر ،قصّة اخرى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة