الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين: في منطق الحق والواجب

عماد صلاح الدين

2015 / 6 / 1
القضية الفلسطينية



كحالة نفسية وممارسة سلوكية على صعيدي الشخصي، وضمن واقع المجتمع الذي فيه أعيش، وبالسحب والإزاحة التشابهية إلى حد ما بالمعرفة النظرية الأكاديمية عن عموم المنطقة العربية، على ما اعرف، فإنني أجد فيما أظنه حقا إلى درجة الاعتقاد والإحساس المخالج للنفس، طبعا في مسألة واقعية ما، يكون وقت طلبه(أي هذا الحق في هذه المسألة أو الجزئية الطارقة لواقعي المعيشي) سواء في ممارسة شكلها النظري قولا وحديثا، أو السعي إلى ذلك عمليا وبإجراءات في التطبيق والتنفيذ، فإنني من جديد أجد، وبالتأكيد على مستوى الممارسة الفردية، حالة من الشد والجذب ما بين الداخل والخارج الذاتي، يصل إلى حالة ترددية قاتلة ومتفاقمة في حال الاستمرار، دون حسم ما بالإقدام أو الإحجام.
والمشكلة في السياق أعلاه، انك حين تقدم على ما تظن انه حق بممارستك لإجراءاتك النظرية والتحادثية أو العملية التنفيذية بخصوصه، تجد نفسك بهذا الخصوص من الناحية النفسية قد توترت وانفعلت وفقدت توازنك، رغم حالة التماسك الاستثنائي التي تملكها بعض الكادرات أو النخب المدربة والمتمرسة على صمت الفراغ المشغول، لحين حدوث لحظة المطالبة أو المواجهة ، كيفما اتفق.
أما واقع الممارسة والتطبيق وقت الحدوث كسيناريو مشهدي حقيقي فيجد طالب الحق، انه بدأ يتعثر وينكمش لحظة بعد لحظة، ليجد نفسه قد صغر عن الذي يصغره أساسا وبكثير، فضلا عن كل الملابسات والإرهاصات المترتبة في الشك حول حقه وماهيته في العلن.
على كل حال، ومن الناحية الأخرى يجد الظان فيما يذهب إليه من حق إلى درجة الاعتقاد والإحساس المخالج للنفس، في حالة خلود إلى الاكتنان والخلود لنوم الصمت،أن دورة من الألم جديدة مزعجة على المستوى المتوسط، ومرهقة إلى حد الإزمان إلى مدى بعيد، قد تمالكته، وأصبحت أمواجا تترى في بحر ظلمات داخلة.
فما العمل إذن؟ حيث لا يجدي إقدام ولا حتى إحجام؟ ولماذا عدم الجدوى والألم والتعطل والتيه وفقدان الذات في كلا الحالين، ما الذي ينقص أو حتى يزيد، حتى يكون الحال على هذا الحال، وأين هو التقصير، وأين هو هذا الذنب، أو الخلل في التركيبة الابتدائية أو الخلقية، أو التراكمية الاجتماعية التربوية بسلبها وإيجابها، ليحدث بالتالي كل هذا، ومن ثم تغلق الطريق أو الطرق، ما السبب في كل هذا؟؟.
إن الذي افهمه من واقع التجربة الذاتية، والنظرة المراقبة المجتمعية لإنسان يحاول البحث عن الحقيقة متسلحا بأدوات معرفية، وبحالة كلية متشكلة كمصنعية نتجت عن تراكمية بنائية للفهم والإدراك والتطلع إلى ما هو قادم، وضمن نمطية اجتماعية سائدة هذه ميزاتها في المرض والجهل والتواكلية، للقول بان حقيقة الحق وان كان مسلما به كمبدأ وتصور في الفهم الديني الإنساني، وبتراكمية الخبرات الموصلة إلى استنتاجات بعينها، أو إن شئت فسمها الاجتهادات وتواصليتها واستمرارها، وبتفاوت ونسبية، باختلاف الأمكنة والأزمنة.
إلا أن مسالة الاستحصال التطبيقي والتنفيذي لهذا الحق في تلك الحالة أو الجزئية المتصورة، كحالة ذهنية تحتاج في حقيقة الأمر إلى حالة الإعداد البنائي على المستوى الذهني والنفسي، ثم الشروع نحو العمل والتنفيذ، ليكتمل بناء الإنسان الشامخ -على الأقل- من منطلق التكريم الإنساني في حمل الأمانة، كمنظومة حقوق وواجبات تبادلية، ومتداخلة بل معقدة ومركبة.
إن الإحساس بقدرة الإنسان إلى النزوع التلقائي نحو القدرة المترجمة على المطالبة بجزئيات ومجالات الحق المختلفة، سواء في سياق الضرورات والأولويات أو التي تليها في الدرجة والنسبة، وهكذا دواليك.
وتترجم عمليا وبشكل صعودي، كلما زادت تراكمية جزئيات أو طبقات هذا البناء الإنساني، وهذا البناء يتم بتهيئة الوعي ومجمل الجوارح والأحاسيس المكونة للاعتقاد الإيماني الديني والإنساني بماهية الإنسان ودوره ووظيفته في الحياة.
انه الجانب التصوري التوعوي التثقيفي في الزرع الفكري والقيمي الأخلاقي في بنية الإنسان الخام أولا، ثم ليأتي الانطلاق لأداء الواجب( الواجبات المتنوعة والمختلفة والمستمرة).
انه الواجب اليومي والسنوي والعقدي المطلوب وباستمرار ليتكون هذا البناء بالعطاء والتضحية والإيثار والفداء وان لزم الأمر فبالاستشهاد.
عندها يمكن أن تصل يد الإنسان إلى حقه الفردي والحاجوي أو مجمل حقوقه وبالتشاركية والمساهمة الفاعلة، ضمن مشاريع الإنسان الكبرى والعظيمة في الحرية والكرامة والمساواة والعدل ورفض الظلم والتمييز والاستعباد والاستبعاد، ونهب الثروات وتدمير المقدرات، وغير ذلك.
وحتى في المساحة التي قد تكون طويلة في الأمد والزمن، وهو يناضل ويكافح في سبيل حقوقه وحقوق غيره فردا أو مجموعا، سيجد في مراحل ودوائر من حياته الإنسانية انه يكاد يفشل بل ويهان وتحتقر جهوده وتسخف، وقد يظن أن الصدام أو المواجهة وقتها تجدي للتصحيح أو التصويب، فيترك جهده في التراكمية البنائية لنيل الحقوق المتحدث عنها سابقا، ليجد نفسه وبما يذكره بماض اتسم بالفراغ والتيه والضياع حتى لو كان ذلك للحظات بعينها، وقد صغر عن نفسه أو كليته في حدها التراكمي للمرحلة التي وصل إليها مؤخرا، أو انه على كل حال لا يستطيع توصيل رسالة المطالبة بالحق كما يليق، هذا فضلا عن الحصول عليه جزءا أو كلا.
ولذلك يتم الاكتشاف – ومن جديد- أن الحاجة البنائية المستمرة نحو الاكتمال الإنساني النسبي لا بد لها من اخذ دورتها في كل مراحلها، وتظهر الحاجة إلى الليونة في التعامل مع المعيقات المادية والإنسانية القائمة حقا، وليس بالمصادفة في طريق المجتمع؛ أي مجتمع إنساني ما.
إنها الليونة واللياقة التعاملية مع هذه المعيقات لدواعي الاستمرار بشكل عام، ولدواعي تحقيق الهدف ببناء الإنسان الفاعل له أو لغيره من باب الأساس في تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
وحتى بالنسبة لأولئك المستنكفين عن الانخراط أو التقبل المعقول بحدود ما يقبله عقلهم ومنطقهم وإحساسهم العام، ضمن حالة الانغماس المجتمعي في العمل والتشاركية المطلوبة، بل والذين يريدون التعطيل لعجلة البناء ولجهود المراكمة فيه، وضمن المساحة؛ مساحة النضال والكفاح والمعيقات، سيجدون أنفسهم في مرحلة ما قد أزاحهم قانون الحياة وناموسها من طريق العاملين بإيجاب وعلى ما يستطيعون. وسينالون العقاب؛ كل في دورته ومرحلته التي ارتأوا فيها ألا يقدموا بجهودهم ولا أن يتركوا عجلة التقدم تسير، وسينالهم العار والفضيحة والتيه بالإدراك بعد التيه عن غير فهم وإدراك ، ثم تسير عجلة الذين يقدمون في تقدم الحياة وتطورها ضمن الفهم الأخلاقي والإنساني وتطبيقاتهما العملية.
إن الذهاب في المطالبة بما نظن انه حق لنا، وهو بالفعل حق ضمن التصور والإحساس الكان، دون تراكمية في البناء والعطاء وتطور الفهم والإدراك لعلاقات وجدليات بل وحاجيات دورات هذا البناء الموصل إلى الحق، يكون ذلك كله كمن تعجل الشيء قبل أوانه، وحتما سيحرم منه، لان فاقد الشيء لا يعطيه أبدا. وفي المقابل الآخر له وهو الركون إلى التسليم بعد الاستسلام سيؤدي إلى إذواء الإنسان وإنهاء دوره كفاعل نشط في الحياة، وفي الوقت نفسه ستتفاقم في مخيلته تصوراته النظرية عن مطالبه الحقوقية كخيال ليس إلا، وليس كحلم الأمل الإنساني الكبير، وسيحدث عند ذلك التناقض المخل بإنسانية الإنسان كمفهوم عمومي في الفهم والتطبيق المباشر وغير المباشر.
وفي مسألة الحق والواجب نحن كفلسطينيين، ما أحوجنا إلى ركائز البناء:
أولا: في التوعية الإيمانية والأخلاقية الثقافية كانسان،لا بد له على التصور المفاهيمي أن يكون واعيا بإنسانيته ومتطلبات هذه الإنسانية في أداء الدور المطلوب منه وقت السلم ووقت الحرب.
ثانيا: ما أحوجنا إلى العملانية في التطبيق والتنفيذ، وفي كل المجالات في احترام الإنسان والوقت والأرض عملا وعطاء وتفاعلا مجديا.
ثالثا: ما أحوجنا أن نفهم أن المعيقات في طريق العمل والبناء كثيرة، وربما حد الشعور باستمرارها وبتكرارها وبألوان وأشكال متنوعة ومتباينة في كل مرة.

وإننا بحاجة إلى أن نستمر في مشوار العمل والتضحية بل والاستشهاد إن لزم الأمر، وان نكون مرنين في التعامل مع بعضنا البعض، وتفهم مشاكلنا ، دون أن يكون في أولوياتنا أولا الصدام ثم الصدام حد الصراع الدامي وليس الاختلاف، لان مسالة البناء التراكمي لتحقق كليته وتكامليته تحتاج إلى جهود الجميع في مجتمعنا الفلسطيني، دون أن يكون أيضا في تصورنا الأولي، بل والخلقي المغذي بان هذا أو هؤلاء إما خونة أو مفرطين ومتآمرين، وغير ذلك.
رابعا: كذلك نحن بحاجة كمجتمع فلسطيني أن يكون رابطنا هو الرابط الأخلاقي والإنساني الذي يقاس من خلاله إيمان الإنسان واستعداده للتضحية، بغض النظر عن التفاوتات والتباينات الحزبية والفصائلية وكذلك الاجتماعية.
وان الذين يصرون بالتالي على الوقوف في وجه البناء ونظرته إلى المستقبل في تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية في إنهاء الانقسام ومن ثم التوجه إلى مشروع الوحدة الوطنية في التحرر والعودة وتقرير المصير في مجتمع إنساني حر تتاح فيه الفرصة للجميع بالعدل والمساواة، هؤلاء سيسقطون في الطريق، وفي طريق كل دورة بعينها، لان غلبة الإيمان والعمل والمرونة القائمة على الصبر والحق موجهين ومرشدين مسألة مسلم فيها، ما دام أننا نستطيع الاستمرار على الإيمان والعمل المستمر برؤية أمل متطلع كذلك باستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق تركي ينجح في صناعة طائرات مسيرة لأغراض مدنية | #مراسلو_


.. انتخابات الرئاسة الأميركية..في انتظار مناظرة بايدن وترامب ال




.. المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يزور إسرائيل لتجنب التصعيد مع


.. صاروخ استطلاع يستهدف مدنيين في رفح




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب في قطاع غزة؟