الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلان لنخرج جميعًا من السجون

محمود ابوحديد

2015 / 6 / 1
أوراق كتبت في وعن السجن


يوميًا يلتقي مسجونون من جميع أقسام الإسكندرية, في مبنى المحكمة البحرية في غرفة واحدة تُسمى "غرفة حجز النيابة". يجمعهم بين مايجمعهم من صفات, أهم من الفقر المُدقع والمهانة والتعب والحجز والاستسلام.. الكراهية والحقد ضد الضباط و القضاة.

جميعهم يهتفون لزوال جهاز الشرطة للحظات على الأقل حتى يتمنكوا من الخروج من حجز النيابة إلى منازلهم. تُعلن مجموعات متتالية داخل حجز النيابة كلها بضرورة زوال جهاز الشرطة, و ينادون بإمكانية أن يسحق المسجونون بحجز النيابة - الذين يُعدّون بالمئات - حرسَ المحكمة الذين لا يتجاوز عددهم أربعة أشخاص.

داخل حجز النيابة, يمكن أن يُبرم إتفاق بين هؤلاء المحبوسين الذين يتمنون زوال جهاز الشرطة من جميع اقسام الإسكندرية, على موعدٍ و ساعةٍ معينة في يومٍ معين يهبّوا فيه ليحرقوا جميع الأقسام دفعةً واحدةً, ليتمكنوا من الهرب جميعًا مرةً واحدةً. عند فتح أبواب الزنازين في أقسام الشرطة سواء لدخول الساعي في موعد الزيارات أو في وقت خروج أو دخول النيابة, يمكن أن يعتقل المسجونون أمين الشرطة الذي بحوزته مفاتيح الزنازين, ومن ثم يمكن أن تخرج دفعات من المسجونين ليُتمّوا عملية الإستيلاء على مقر الشرطة و أفراده ومن ثم الهرب الجماعي للمسجونين.

هذا هو الحل الأول الذي عرضته على المسجونين في حجز المحكمة عندما سألوني "طب و بعدين في الحبسة دي؟ بصفتك ثوري قولنا إزاي نخرج من هنا؟", ثم أردفتُ سريعًا: هذا الحل شبه مستحيل, و متى استطعنا الهرب جميعًا في محافظة الإسكندرية فإن حملة أمنية موسعة ستُنظمها المحكمة و تفرض الطوارئ وتزداد الإعتقالات العشوائية, ثم يُردّد الإعلاميون: على الحكومة أن تحمينا من هروب البلطجية والمحبوسين, فلتضرب الحكومة بقوة و بيدٍ من حديد!
أما الحل الثاني أن ننتظر رأفة القضاة بنا و تمضية أحكامنا لنخرج الواحد تلو الآخر و لن نموت في السجون إلا استثناءًا, أما القاعدة أننا سنخرج للشارع والحرية ولو بعد 10 سنوات من الآن.

ساد الصمت بين الجالسين حولي, وأغلب الظن أنهم بدأوا يتفكرون و يتحسرون على حياتهم التي تضيع و تُسرق أمام أعينهم. انتظرتُ لحظاتٍ ثم شرحت: كِلا الحَلّين مأساة تنتظرنا, لكن لدي حَل ثالث واقعي و حدث لي وهو كفيل بإخراجنا جميعًا دفعةً واحدةً, أن يُحررنا الشعب! وقد حدث لي ذلك مرتين.

القضية التي أنا مُتّهم فيها حاليًا و امضي عقوبة السجن الآن فيها مُنتظرًا إعادة المحاكمة تُبنى على التالي:
لما وقعت حادثة البدرشين في عهد مرسي قام الرئيس الإخواني العميل بنفس اجراءات سابِقِهِ مبارك, حبس السائق و تعزية الشعب. نظّمنا مظاهرة في محطة قطارات الإسكندرية الرئيسية "محطة مصر" مُطالبين بإخلاء سبيل السائق و إقالة وزير المواصلات و محاكمته على مسؤوليته تجاه القطارات.

بعد نصف ساعة من المظاهرة, هجم علينا كلاب الشرطة واعتُقِلتُ مع عشرة آخرين في مقر الشرطة بمحطة القطار, و بعد ساعتين ازداد عدد المتظاهرين ليتعدّوا 200 متظاهر قاموا بمهاجمة مقر النقطة و تحريري أنا و من معي بعد طرد وهروب جميع الضباط من المقر.

جماهير الثورة يمكنها أن تحررنا جميعًا.

في جمعة الغضب كنت مسجونًا منذ يوم 26 يناير2011, و لما هَبّ الشعب لسحق جهاز الشرطة, لسحق سلطة مبارك, كنت أسمع أصوات الإشتباكات طوال الليل من محبسنا داخل قسم شرطة اللبان, ولم يبزغ نهار السبت إلا و كنتُ مُحرّرًا بيَدِ الجماهير التي اشتبكت مع الشرطة طوال الليل و استطاعت إخضاعهم و إجبارهم على الهروب بطلوع النهار. هكذا حررني الشعبُ الثائر مرتين و يمكن أن يُحررنا مرةً أخرى.

ستتكرر الثورة و ستتكرر جمعة الغضب بمرور الزمن, كل الثورات تبدأ بهزيمة الجماهير لجهاز الشرطة بصفته السلطة الأساسية و الحقيقية في المجتمع, بصفتهم كيان النظام المُسلّح.

الدولة هي مجموعة من الرجال المُسلّحين.*
إن هزيمة الرجال المُسلحين (ضباط الشرطة) بمرور الزمن هي واقع و حقيقة لا يُضاهيها سوى واقع قدرتهم على إعادة تنظيم أنفسهم و إعادة إحياء مهامهم التي تتلخص في "قمع و ظلم الشعب".

إن قوى هائلة في أكثر البلدان تقدّمًا و تحدثًا تدعم استمرار أجهزة الشرطة و إعادة هيكلتها بعد هزيمتها على يد الثورات الشعبية, بصفتها فروع إقليمية لمنظمة قمع دولية واحدة - الأمم المتحدة و مجلس الأمن - عبر تمويلهم بالسلاح و الذخيرة بشكل دائم. هكذا نفهم تشابه قنابل الغاز التي تُلقى على متظاهري مصر مع تلك التي تُلقى على متظاهري أوكرانيا والهند… الخ.

ستتكرر جمعة الغضب بمرور الزمن, و لن يمنعنا من دخول السجن مرةً أخرى سوى استمرار هزيمة الشرطة و منع عودتها للعمل كجهاز مستقل عن الرقابة الشعبية الجماهيرية المباشرة. وهذا يتطلب تنظيمًا ثوريًا قادرًا على حشد و تثوير الجماهير لتَظَل مُقاوِمة لمحاولات عودة جهاز الشرطة.

في مصر, و بعد أن صَبّت الجماهير غضبها على الضباط و مقراتهم في 28 يناير, هرب ضباط الشرطة من الشوارع ولم يظهروا قبل أربعة شهور, فيما يُعرف بقرارات أبريل 2011 (عودة دوري كرة القدم - عودة الشرطة و ترميم أقسامها). فقط تنظيمًا عُمّاليًٌا ثوريًا يمكنه أن يحشد الجماهير لتُقيم محاكمات علنية لضباط الشرطة أمام منازلهم التي يختبئون فيها, و فقط التنظيم الثوري عليه أن يُثوّر الجماهير و يُقنعها و يحشدها حول مُخطط هدم أجهزة القمع (البوليس-القضاء-الجيش) للأبد, بدلًا من وعود إصلاحهم و إعادة إحياءهم لخدمة الشعب.

أخبرني رفيق أن الجماهير التي أحرقت قسم شرطة المنتزه أول يوم جمعة الغضب, و بعد أن وصلتهم أخبار حريق أقسام الرمل وباب شرق... الخ, نادوا بضرورة مدّ الثورة إلى مقر الشرطة بمنطقة العامرية البعيدة عن الأحداث, لكنهم لم يفعلوا بسبب انهاك الساعات الأولى للمعارك.
فقط تنظيمًا ثوريًا عُمّاليًا يمكنه أن يحافظ على طاقة لاتنضب مثل طاقة الجماهير ليُنفّذ الخطة التي تبادرت إلى أذهان جماهير جمعة الغضب. فقط تنظيمًا عماليًا ثوريًا يمكنه أن يمد الثورة لتحقق أقصى أهدافها.

لا يجب أن نهتم نحن الثوريون بدعوة الخالق لإنقاذنا من إجرام مؤسسات الظلم والقمع بدلًا من أن نبني هذا التنظيم الثوري, يجب أن نتلقّى نحن الاشتراكيين الثوريين كل الدعم من دوائر نفوذنا لبناء هذا التنظيم و لإنجاز خطة هدم جمهورية رجال الأعمال عبر سحق مؤسسات الظلم الثلاثة (البوليس -القضاء- الجيش).

كتاب الدولة والثورة للثوري الروسي لينين يشرح ببراعة الثوري المكافح مهام هذا التنظيم و كيفية إجهازه على الدولة بصفتها جهاز ظلم الأغلبية.


الشفاء للمصابيين والمجد للشهداء والحرية للمعتقلين والنصر للثورة.
الثورات تظل دائمة.
تسقط حكومة رجال الأعمال.
الموت للبوليس والقضاء والجيش.
لا حل سوى الثورة الإشتراكية والحكومة العمالية لإنتصار الثورة.


*نقد برنامج جوته "فريديك انجلز".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون مطالبين بإسقاط الح


.. #المشهد_اللبناني - سيليا خاطر: هذه أبرز الإرشادات لحماية الأ




.. ديلي ميل: تحقيق يكشف تورط خفر السواحل اليوناني بقتل عشرات ال


.. مؤسس نادي كرة قدم للمكفوفين في العراق يروي قصته بعدما فقد بص




.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي