الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تتمدد الأصولية بفرنسا ؟

هادي اركون

2015 / 6 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة



خصصت أسبوعية ماريان الفرنسية ، ملفا للمتواطئين مع الأصوليين بفرنسا.يميل البعض إلى الاشتراك المقصود أو غير المقصود في دعم الأصولية في سعيها إلى أسلمة فرنسا ،بفعل : القناعات الإيديولوجية أو المصالح أو الجهل أو الخوف أو العمى السياسي أو الإيديولوجي .وهكذا ، يتحايل البعض ،على العلمانية ،لإرضاء مواطنين ، يغلبون هويتهم الدينية والطائفية على هويتهم الوطنية.تتداخل مجموعة من العوامل السيكولوجية والاجتماعية والفكرية والسياسية ،في هذا التواطؤ الفكري والسياسي مع الأصوليين المطالبين ،دوما بتوسع هوامش تحركهم ، السياسي والإيديولوجي ، على حساب الجمهورية وتاريخها وقيمها .والواقع أنهم يجدون ، حلفاء موضوعيين أو معلنين ، في أوساط اليسار واليسار المتطرف والايكولوجيين والإعلاميين والحقوقيين.
يتواطأ بعض السياسيين والمثقفين الفرنسيين مع الأصولية ،لاعتبارات أجملها اريك كونان فيما يلي :
-الاسلامو-يسار:تعلن فصائل من اليسار المتطرف عن تضامنها مع الإسلاميين ومع قضاياهم.فلتعويض البروليتاريا القديمة ، من الضروري التحالف مع الفئة المسحوقة والمستضعفة،والتنديد في كل الأحوال بالخطاب والممارسات الكولونيالية.
-التائبون أو الفرونكوفوبيون :ويعد إدوي بلنيل (صاحب من أجل المسلمين)،ممثلا نموذجيا لهذه الفئة ؛وقد تميز بإدانته لقانون حظر الحجاب،وعزا مقتلة شارلي ايبدو إلى جو الكراهية المولد للمسوخ.
-الزبونية الإنتخابية :تقود البراغماتية السياسية بعض السياسيين إلى اللامبالاة أو إلى التوافق الذرائعي مع الأصولية . وهكذا يتم التعاضي عن المطالب والسلوكيات المنافية للقيم الجمهورية ،بسبب التعويل على أصوات المسلمين في الانتخابات المحلية والجهوية أو الرئاسية .
-الزبونية الدبلوماسية :يتم التغاضي عن كثير من الحقائق المتعلقة بالإرهاب الإسلامي ،باسم الواقعية السياسية وعدم إغضاب الشركاء السياسيين و زبناء القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية الفرنسية من الخليج حصرا .
-الخوف : يتم إلغاء كثير من المعارض والعروض المسرحية واللقاءات ،لأسباب أمنية.وبسبب هذا الخوف ،تقوت الرقابة وخاصة الرقابة الذاتية ؛ صار الأديب والفنان والمفكر الفرنسي ، مرغما على مراقبة فكره،حتى لا يتهم بالاسلاموفوبيا البديل الجديد للعربوفوبيا،ولا يستثير ردود فعل معادية من قبل مناصري حقوق الأقلية الضعيفة كما يسميها ايمانويل تود.
-الانعزال وعدم رؤية الواقع : يعيش بعض السياسيين والمثقفين والإعلاميين ورجال الاقتصاد ،في فضاءات ضيقة لا تسمح لهم برؤية المستجدات والاحتكاك بالمطالب الطائفية للإسلاميين.
-التظاهر بعدم المعرفة :يفضل البعض تجاهل حقيقة أفكار ومعتقدات وسلوكيات متنكرة للقيم الجمهورية مثل :الدفاع عن قانون العقوبات الإسلامي( رجم الزانية وقطع أيدي السارقين مثلا) وتحجيب الفتيات والدعوات إلى الجهاد القتالي .
-جهل العامل الديني : يقود الجهل بدور العامل الديني لدى الفاعلين الإسلاميين ، إلى سوء تقييم الوقائع والأحداث والمواقف، من قبل السياسيين والمثقفين على حد سواء. لا يمكن إسقاط مفاهيم حديثة، على وضعيات لا يغطيها الغطاء العلماني –الحداثي بأي حال من الأحوال؛كما يعتقد من يعزون ميل الشباب المسلم إلى خطاب التكفير والمفاصلة والجهاد واللاسامية ،إلى التمييز والتهميش والعنصرية والفقر ( إدوي بلنيل وألان باديو) .
-الجهل بالعلمانية : تواجه العلمانية الفرنسية ،مطالب طائفية ، وفاعلين ذوي استراتيجيا جديدة في وقت تشهد فيه جهلا أو تجاهلا لمبادئها ومقتضياتها ،حتى في أوسط النخب.وقد سبق لساركوزي أن ندد بالعلمانية العقابية ، ونوه بأفضلية رجل الدين على المدرس ،كما طالب الكثيرون بعلمانية مفتوحة أو تعددية أو بعلمانية منذورة للأمل ،للتفاعل مجددا مع المطلب الديني الملح في ساحة تشهد حراكا دينيا متصاعدا في الجهة الإسلامية تحديدا.- 1
لقد عمل مثقفو وسياسيو اليسار واليمين ، على مساندة الأصولية على التمدد ،وتفتيت مكتسبات فرنسا. (فقد حطم الغرب نقاء مجتمعاتنا ،لكننا استفدنا منه السيارة والكومبيوتر والأسبرين ،وحطمنا بدورنا نقاء مجتمعاته فلم تعد توجد اليوم مدينة غربية إلا وقد اكتسحها المهاجرون من مختلف الأصقاع وفرضوا فيها عاداتهم وتقاليدهم وأعادوا تقسيمها الجغرافي بحسب الأصول العرقية للمهاجرين ، ولذلك تتصاعد حركات أقصى اليمين في الغرب . )-2
ولئن ذكر اريك كونان بعضها ،فمن الضروري الإشارة إلى أسباب أخرى ،مسؤولة عن تمدد الأصولية واكتسابها التدريجي لمواقع في الساحة الإعلامية والثقافية والسياسية الفرنسية.
ونشير بالضبط إلى العناصر التالية :
-تهميش الدراسات الشرقية :لا تتوافر فرنسا الآن ،على دارسين ملمين بمختلف فروع المعرفة الإسلامية وفترات التاريخ الإسلامي كما كان الحال في فترات سابقة.لقد عوضت الدراسات السياسية ،المعرفة الاستشراقية ،دون أن تتمكن من استكناه الظواهرالمشخصة والمحللة.وحيث إن المحلل السياسي ،يكتفي بالسياقات القريبة ، ويتجاهل بسبب الافتقاد إلى المعرفة التاريخية واللاهوتية ،السياقات البعيدة ،للمواقف الفكرية للمسلمين فإنه كثيرا ما يركز على التجليات دون المحددات. وعليه فإنه لا يقدم إلا توصيفات جزئية ،قد تلم بجانب من جوانب الموضوع الموصوف ،إلا أنها لا تفلح في الإلمام بكل خيوطه .
وقد تقلص الاهتمام بالدراسات الإسلامية ،في وقت تشهد فيه فرنسا حضورا إسلاميا كميا لافتا،يطرح إشكاليات كبرى على مكتسباتها الفكرية والقانونية وتاريخها السياسي وحساسيتها الجمالية والوجودية .
-تأثير التفكيكيات والتعددية والنسبانية :انبرى كثير من المفكرين إلى تفكيك أسس الفكر الغربي(فوكو وليوتار ودولوز ودريدا .... الخ ) ،خاصة بعد الحربين العالميتين،وتبنوا ضمنيا أو صراحة،النسبانية الثقافية ،والتصالح مع الثقافات التقليدية ،تكفيرا عن" بربرية" الخطابات والممارسات الكولونيالية وعن خطايا المركزية أو الميتافيزيقا الغربية.وقد صاحب هذا التفكيك،تنويه بالآخر ،باعتباره حامل تواريخ فكرية وجمالية وفنية وسياسية(موقف فوكو من الثورة الإيرانية ) . وبما أن الحقائق متكافئة ،فلا مجال لإيلاء أي أهمية ،للمنجز الأوروبي ،في العلوم والفنون والسياسة وتدبير الحياة.ويمكن بكل سهولة ،الجمع بين الدفاع عن حق المثليين في الحياة المشتركة والزواج ،والدفاع عن الحجاب والنقاب.
-تعميم البرغماتية : تقود البرغماتية السياسية ،إلى المجاملة وإلى التنازل وقلة الاحتفال بنوايا الآخر ومخططاته.وكثيرا ما يتم التغاضي عن المعاملة بالمثل ،في القضايا الثقافية خصوصا.ففيما تفتح المراكز الإسلامية بفرنسا ،يتم التضييق عن المتحولين إلى المسيحية في الشرق الأوسط ،ويتم تهجير المسيحيين الشرقيين من بلدانهم (العراق وسوريا.... الخ).
لقد تمكنت الأصولية ، من اختراق مجالات كانت منيعة ،وتمكنت من انتزاع مكتسبات في وسط شديد التعلمن والتفردن .
ففيما يطالب مثقفو اليسار ودعاة حقوق الإنسان والتعددية الثقافية ،برفع اللامساواة والتمييز والخلط ،لا يأل بعض الأصوليين جهدا في التأكيد على التفرد العقدي للإسلام والمسلمين ورفض الاختلاط بالآخرين كما يفعل الإمام المالي مامادو دافي.
لا يدرك مثقفو اليسار والايكولوجيون واليسار المتطرف ،أن التعايش المشترك ، غير ممكن إسلاميا؛فالعقيدة التداولية ،قائمة على أفضليتها وصوابها المطلق،والمعاملات يجب ،مبدئيا أن تخضع لمبادئ وقواعد وإجراءات الشريعة ، لا إلى قوانين الجمهورية.
ولذلك ينادي بعض مثقفي اليمين ،بالاستيعاب أو بالاندماج على الأقل(اريك زيمور مثلا) ؛ أي باندماج المسلم في السياق الفرنسي ،اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.وبما أن الإسلام عقيدة وشريعة وثقافة ، فمن الصعب إخضاعه لعلمنة استيعابية مثل العلمانية الفرنسية .
لم يتم الفصل بين الجمهورية والكنيسة ، إلا بعد التنوير والثورة الفرنسية، وعلمنة التربية والتعليم والثقافية في القرن التاسع عشر .إن قانون 1905تتويج لمسار علماني طويل ،خضع فيه الفكر المسيحي لنقد شامل ،والمؤسسات الكنسية ، لمساءلة عميقة.فكيف يمكن إخضاع إسلام المهاجرين الآن لقانون العلمانية ،علما أنه لم يعرف أي مراجعات عميقة،واستشكالات فكرية كبرى ؟هل يمكن إخضاع المواطنين لقانون العلمانية ولقيم الجمهورية ، إذا استمر المسجد في بث خطابات تقليدية ،مقتبسة من خطابات الإسلام الإمبراطوري بكل ما ينطوي عليه من بديهيات ومسلمات وتقريرات؟
من الضروري الوقوف ،على اشتراك التيارات الإسلامية ،في التمسك بالفقه والشريعة.وهذا يدل على أن الفوارق السياسية بينها ، لا تنفي اشتراكها في العمق الفكري، أي في رؤية الذات والآخر والحياة والموت.ومن المنتظر أن تكون المواقف من الآخر،وهو لا أدري أو متشكك أو ملحد أو انتقائي ،جذرية ،مادام معايير الشريعة لا تسمح بأي تعايش خارج معايير الذمية. وقد امتلك بعض الدعاة جرأة الجهر،بمواقف قطاعات أساسية من المهاجرين ،من المجتمع الفرنسي وأنماط عيشه وكيفية تدبيره للعلاقات بين الجنسين .
ويتجلى هذا التواطؤ الموضوعي مع الأصولية ،في السكوت عن خطاب إقصائي وتمييزي،مثل خطابات مامادو دافي،بدعوى رفضه للجهادية القتالية وأساليبها في الشحن والتجييش والتعبئة والتهجير إلى مواقع القتال.
مبدئيا لا يمكن للمسلم المنسجم مع نظامه الفكري ، قبول القيم الجمهورية ؛ولم تتوصل الإصلاحية الإسلاميون إلى الآن إلى توافقات في هذا الصدد .وكثيرا ما يعمد الدعاة ، مثل طارق رمضان إلى توفيقات أو استصلاحات،بادية الاصطناع ،في غياب مساءلة حقيقية لجوهر الإسلام .
وفي غياب مراجعات فكرية عميقة لموقف المسلمين من القيم الجمهورية،يتسع البون بين المعلن والمضمر في الخطاب.فيتم التنديد باللامساواة ،فيما يتم إقرار أفضلية الرجل على المرأة ،وتتم المطالبة باحترام حق الاختلاف فيما يرفض التجديف وتغيير الديانة ،ويتم التنديد بالظلم الكولونيالي فيما تسفح الدموع على الأندلس الضائعة،ويتواصل التنديد بالإمبريالية فيما تنظم قصائد المديح في قوة الإمبراطورية العباسية وغيمة هارون الرشيد.
لقد اكتشف بعض المفكرين النابهين ، فقدان المفكرين الفرنسيين ،لقدراتهم الجدالية ، في محاجة الدعاة ( مناظرات الآن مادلان ورجيس دوبريه مع طارق رمضان ) .فبعد عقود من التفكيك وتقديس الاختلاف والنسبانية ، صار من الصعب إيجاد قاعدة صلبة لمناقشة فكرية دوغمائية محملة بيقين وقدرة على المناورة والمواجهة .
قادت تعميم البرغماتية ، في السياسية والفكر ، إلى الانقطاع عن مصادر أساسية في الفكر الفرنسي نفسه .ورغم التلويح بفولتير والأنوار ،إلا أن دلالات الفولتيرية والأنوار لا تستحضر في المواقع وفي الاستشرافات الفكرية و بالأخص في قراءة الفكر والممارسة الإسلامية.
يعيش الفرنسي ،مرحلة ترف فكري ،وبذخ نساني وتفكيكي ،صار بموجبها من الصعب ،إقرار حقيقة ،مهما كانت توافقية وبثها في مفاصل المجتمع،والتصدي للمغفل-المفيد في تواطئه العملي ضد مكتسبات العلمانية والحداثة.


إحالات :
1-]Eric Conan –alliés objectifs, compagnons de routes, idiots utiles –Marianne –N .944 Du 22 au 28 mai .2015.page.50[
2-[ محمد الحداد ،التنوير والثورة ،دمقرطة الحداثة أم أخونة المجتمع ؟ ، دار التنوير ،بيروت،الطبعة الأولى :2013،ص.192].


هادي اركون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا ما قالتْه (وسيلة تامزالي ) المحامية الجزائرية
ليندا كبرييل ( 2015 / 6 / 3 - 09:41 )
http://www.ssrcaw.org/ar/-print-.art.asp?aid=233084&ac=1

تحية تقدير

أعلاه رابط مقال المحامية الجزائرية وسيلة تامزالي، التي وجهت رسالة قبل سنوات إلى المثقفين الغربيين متسائلة عن سبب ردّتهم وتقاعسهم أمام صعود الحركات الإسلامية المتطرفة في أوروبا، وذكّرتهم بتراثهم النضالي من أجل احترام المبادئ الديموقراطية

أتمنى أن يقرأ الجميع رسالة هذه السيدة الكبيرة، وليس لها في الموقع الكريم إلا هذا المقال الوحيد ، وأتمنى لو كانت تشارك في الكتابة هنا
جهد تشكر عليه أستاذ أركون، ولنا في أمثالكم من المحترمين أمل في مواصلة الجهود وتضامنها ودعمها.

تفضل تقديري

اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم