الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس دفاعا عن صدّام حسين

غادا فؤاد السمان

2005 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


هل أينع الحق وزُهق الباطل ؟. هل آن أوان الدوائر كي تدور على الباغي ؟. ثمّة من يهمّ ويهتمّ بين الحين والحين لقذف البدعة الإعلاميّة حول محاكمة صدام حسين، فينشط مع هذه البدعة من ينشط، ويتأهّب من يتأهّب لصياغة المرافعات، وإعداد العمليات، وتحضير البرامج، وفبركة الأسئلة، وتوضيب المنظرين والمتناظرين والمتشدّدين والمتشدّقين حول ما يستحقّه الطاغية صدام حسين الذي وقع طريدا في شرّ أعماله وفي ما لا يستحقّ. وهل من حكمٍ على الطاغية أقسى من تجريده صلاحيةَ طغيانه، وسلبه لكامل جبروته وجاهِهِ وسلطانه؟

ثمّ كم "هل" يجب أن تندلع في أتون الصحافة، وأوار الحبر، كي نصل إلى السؤال الأهم، كالقول مثلا: "إذا كان ثمّة مبرر لمحاكمة – صدام حسين – اليوم باسم ضحايا الأمس، فمن هو القادر غدا على فتح "ملفات" ضحايا الحاضر؟ من هو القادر على مساءلة أميركا وأنكلترا ومن لفّ لفيفهم وقد برروا بتجاوزاتهم المفرطة، نشوب المتطرّفين في كل مكان، وأعطاهم حقّ تعميم التطرّف بلا هوادة رغم أنف أميركا وعزمها الشديد على الإرهاب وتأديب العالم أجمع!

وإذا بفواتير الدم والدمع والخراب الرهيب لا غير، تتراكم في المستنقع العراقي بفئتيه من زمرة الدم العربي، والدم الأميركي بكل تصنيفاته السلبية منها والإيجابية.

ويتجدد السؤال بضخامة المناسبة التي خرج منها المؤتمرون من أعمال القمّة العالمية أخيراً بالتأكيد على عقد عزم بوش وحلفائه الخلّص من دول العالم على الإرهاب، والسؤال الموجز هل حقّا هم عقدوا العزم على الإرهاب، أم أنّهم قد عقدوا العزم مع الإرهاب، إذ أنّهم استمرأوا اللعبة، لعبة الكيل بمكاييل بعد توّرم نظريّة "المكيالين" واستفحال انتشارها دون وازع من ضمير، أو رادع من أخلاق، وهم يحصون عدد قتلاهم وجرحاهم القليلة نسبيا، بغبطة مبررة قياسا لعدد القتلى والجرحى الفادح في الطرف العراقي المهيض؟

فمن استطاع أن ُيسائل هذا اليافع بوش المعتد بجنوحه وصبيته الراشدين من دول الحلفاء، عمّا اقترفته أيديهم بحقّ الشعب العراقي، والشباب الأميركي المُغرّر به، في هذه الحرب الهمجيّة الضروس التي أفجعت كلّ أم عبر العالم أجمع لما تُعانيه الأم العراقية والأم الأميركية من تضحيّة خادعة، في سبيل حرب مفتعلة لا غالب فيها إلا للإدّعاء والمزاعم الدنيئة.

من عساه يوقف هذه العربدة الساذجة لسيناريو أميركي مجزوء من خفايا ونوايا وخبث وهواجس وحماقات يصعب ضبط نهاياتها بمنطقيّة تُذكر؟ من يخبرهم عن فظاعة المشهد وبشاعة التقديرات والتبريرات والنتائج؟

من يُفهم بوش وشركاه في الإنتاج الإستعراضي، أنّ العراق ليست هوليود، وأنهم مجرّد مخرجين فاشلين لحرية خادعة، واستقلال مُهين، وتغيير أكسح. من يعلّمهم أنّ الحرية درس عميق جدا في الكرامة، والكرامة لن تأتي من أخمص بندقيّة ولن تشمخ من عزّ بسطار عسكريّ مهما تمادى وتجذّر واستبدّ.

فهل الإستقلال غير الثقة والإعتزاز؟ أم هو فعل كيانيّة متآمرة، وبنيان مرتهن، وقرار مهزوز، وسيادة

مشبوهة ؟ وهل يُمكن للتغيير أن يكون سوى خطوة للأمام؟ ومقاصد للعُلى؟ واتجاهات للجدارة؟ ومسارات للتطوير؟

هل يصحّ التغيير أن يُسمّى تغييرا تحت وطأة الهدم والردم والخراب والدم والمجازر والفجائع والجنون؟

أسئلة كثيرة نوجزها بسؤال ملح،ّ مؤرّق، طويل، لم يحسم تكراره واجترار المحللين له سوى مايكل مور في فيلمه الوثائقي "فهرنهايت 11-9 " الذي عُرض على شاشة "الجزيرة" الإخبارية اخيرا، والذي يحمل في طياته أسئلة كبرى وإجابات أكبر، لم يسبق لجهة إعلامية رسمية أو فضائيّة دخيلة أو متعدّية لمناخات فنيّة هابطة أو صاعدة بقوّة الدولار الأميركي ودعائمه من المستثمرين الكرام، أن استطاعت رصد واقع الإدارة الأميركية المتمثلّة بخطاب بوش وإرادته السافرة وانحرافاته المُتلاحقة، اعتبارا من انهيار البرجين، ومرورا بعلاقاته المالية المتينة مع آل بن لادن، وصولا إلى غزو العراق بحجّة المزاعم الواهيّة حول السلاح الكيماوي الملفّق جيدا، واستمرارا مع تأديب سورية نظاما وقيادة، اللذين "ضج" منهما الداخل السوري قبل الخارج المتطفّل. ولست هنا بوارد العرض أو النقد للفليم الوثائقي "فهرنهايت 11- 9" القيّم جدا بجزئيه الأول والثاني، ولا أعفّ عن المحاولة لعدم الوجوب ولكن ربما لإختلاف الوجهة، حيث أن المقام هنا لا يسمح إلا بمناقشة القضايا ومضمونها عموما، وليس الصورة ومحتوياتها، التي آمل العودة إليها في مناسبة أخرى، ومتسع مختصّ. ناهيك عن طي الورقة اللبنانية داخل جيب سترة بوش المكشوفة تماما.

الأسئلة كثيرة وتنقصنا المرايا العاكسة للأجوبة بوضوحٍ وشفافية للوصول إلى المعادلة المنطقيّة وتحقيقها، بتوازن فعلي، نعم خرج صدّام من دائرة طغيانه ولا يزال مسلسل العنف مستمرا، فلا الدبابة ولا الصاروخ ولا الأباشي أعادت الطمأنينة إلى قلب الشعب المفجوع، وكأنّ قدر العراق الإسم، أن يأخذ منحى آخر في الوقع والمعنى "العراك" المستمر.

ويكاد المشهد في لبنان يكون منسوخا عن القَدَ ر العراقي، إلا قليلا برأفة من الله ، وبقليل من وعي شعبه

(المحتار)، فقد تجاوز سنوات الحرب البشعة، وتجاوز ما بعد سنوات الحرب البشعة، وما استجرّته ضرورات الأمن والاستقرار المستعارين من دولة شقيقة سدد الجانب اللبناني فيها أقساطهُ الباهظة على مراحل طويلة الأمد من التبعية والتسليم والقروض والأخطاء، وانتهى سداد الدين، وعاد المستثمر المُظفّر إلى قواعده "سالبا"، بعدما انقلب السحر على الساحر، ورغم أنّ كل ذي حجّةٍ جبارٌ أخذَ على عاتقه مقارعة أشباح الظلام، حيث يحتفظُ بعصاه في يمينه ليضرب بها بكفٍّ من حديدِ الحقِّ والحقيقة، اللذين لا يخلوان من صدأ متراكم، منذ " إلى متى..... ؟؟؟"

وحتى إلى يومنا هذا من "كيف ولماذا ولمَ ....؟؟؟". ومع تعاقب الأسئلة، وتفاقم الإحتمالات، ومكابدة التكهنات، ومراوغة المبصّرين في ضرب مندل الوقائع المبهمة عرض حائط التوضيح والمُباشرة، لا يزال مشهد العنف مستمرا، ومع أطنان الشجب والاستنكار المحلية والمستوردة التي دخلت مستودعات الذاكرة اللبنانية خصوصا والعربية والدولية عموما، نصحو على حقيقة واحدة متجّددة، مفجعة، مؤلمة، مذهلة، مخجلة، هي أنّ لبنان الباحث عن استعادة حقّه في الحياة والحريّة، قد فقد أعزاء كثرا ليس عليه وحسب بل على عشاق النور أجمع، الذين آلمهم أن يخبو وهج لبنان بعدما اغتيل رفيق الحريري والشوارع تشهد، ويخبو وهج الصحافة بعدما اغتيل سمير قصير والحروف تشهد، ويخبو وهج الشموع بعدما اغتيل جورج حاوي والرفاق تشهد، ويخبو وهج الشاشة الصغيرة بعدما اغتيل "يسارا" مي شدياق والصورة الموجعة تشهد. هل نكتفي بذرف الدموع، لنواصل شهقاتنا المالحة، بغصّة لا تشفي إلاّ غليل القتلة الذين لا يرفّ لهم رمش من ضمير أو جفن من وجدان، هل نكتفي بأن نقتصّ من خيباتنا المتتالية بنزف الحروف التي بالكاد تجد قارئها لتتخثر، هل نكتفي بتبرير المسؤول تلو المسؤول الذي لا يملك غير صلاحيّة التصريح، وأهلية الإدانة، وشرعيّة اللعنة ضد مجهول؟ أيّ عجز يعترينا ونحن نقف مكتوفي الأيدي، لا نتقن حتى فنّ الصراخ.!

مثقلين بما تراكم فينا من ذمم القتلى والجرحى هنا وهناك، فأيّ منصّة ستتّسع اليوم أو غدا أو حتى بعد قرن من الزمان لتُقاضي المجرمين الذين يعيثون في أنفسنا ظلما وظلاما وانهيارات؟!

وقتها من هو البريء الفعلي الذي يستحقّ أن يرفع إصبع الإتهام، وقد انغمست معظم الأصابع بما يتناثر من دماء الضحايا في كل مكان عربي، أهي اللعنة على ما هو عربي، أينّ المفرّ، والعربي سيظلّ عربيا في نظر الآخر حتى وإن صار أميركيا أو فرنسيا أو إسبانيا وتيسير علّوني وما لحق به من أذى وتلفيق خير دليل، هل ينبغي على الجميع أن يتحوّلوا إلى صهاينة معلنين حتى يكتسبوا غنائم لا تحصى أهمّها دائرة الضوء؟

تُرى من بوسعه أن يوقف هذا الإنجراف الساحق في تيّار الأوهام الباطلة، وأعود مرهقة من حيث بدأت، هل الدّم العراقي المهدور يوميا على مرأى العالم أجمع أقلّ قداسة من دم الأمس الذي طوي في المقابر الجماعية؟

وهل الموت بإشراف أميركي منظّم، مشروع ومغفور ومبرّر؟ وهل حقّا يُجاز للطاغية أن تُحاكم نظيرها من الطغاة؟

حينئذٍ من سيحُاكم طاغيةَ ما بعد الطاغية؟ ألسنا بذلك نشرّع ونكرّس ونُساهم بتعاقب الطغاة واكتمال دورتهم الحيويّة للتعدّي؟

يا للمشيئة الدوليّة وإرهاصاتها المتضاربة، تضربُ بيدٍ من إجرام، ثمّ تمدّ اليد الأخرى للإنصاف، والتعاون،

والحبل على الجرّار، وما علينا سوى أن نتقن هضم المشهد بغضّ النظر عن كل أعراض الإنهيار المقيتة المميتة؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم