الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيادة الروسية تتعلم اللغة اليونانية

جورج حداد

2015 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يخطئ من يظن ان المشكلة الوحيدة التي تواجهها اليونان الان هي الازمة الاقتصادية الراهنة وسبل الخروج منها، عن طريق التفاوض مع ترويكا الدائنين الدوليين (الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي). فبعد انتصار حزب سيريزا اليساري الراديكالي في الانتخابات النيابية في 25 كانون الثاني الماضي، وتشكيل الحكومة الائتلافية اليسارية الراديكالية ـ الارتودكسية، انقلبت الصورة تماما، وأصبحت كل علاقة اليونان مع الكتلة الغربية في حالة ازمة ومطروحة للبحث، سرا او علنا. والازمة الاقتصادية والديون الخارجية ما هي سوى مدخل وعنوان للازمة الأساسية.
النزاع التاريخي بين اليونان والغرب
انتسبت اليونان الى حلف الناتو العسكري منذ 1952، وانتسبت الى الاتحاد الأوروبي منذ 1981. وكانت الطبقة الحاكمة في اليونان دائما، سواء في العهد الملكي او الجمهوري، الدكتاتوري العسكري او "الدمقراطي" المزيف، اليميني التقليدي او "اليساري" المزيف، طبقة خائنة موالية للغرب، تعمل المستحيل لدمج اليونان في الكتلة الغربية، خلافا لارادة شعبها المسيحي الشرقي. ومع ذلك فقد عوملت اليونان دوما وكأنها المعزى السوداء في القطيع الأوروبي الابيض. وذلك في انسجام تام مع تاريخ العلاقات الغربية ـ اليونانية منذ أيام روما حتى اليوم. والشعب اليوناني لا ينسى ان الحملات الصليبية الفاتيكانية قد اجتاحت بيزنطية قبل ان تجتاح الشرق العربي. وان الفاتيكان واليهود هم الذين تآمروا لتسهيل الاحتلال العثماني للجزء "التركي" من البلقان الأوروبي، واحتلال القسطنطينية ذاتها. وفي الحرب العالمية الأولى فإن الفاتيكان واليهود والدول الغربية هم الذين اوعزوا للاتراك بابادة وقتل المسيحيين الشرقيين، اللبنانيين بالمجاعة، والأرمن والاشوريين والسريان واليونانيين بالذبح، مقابل الإبقاء على تركيا (بعد هزيمتها) دولة قوية، وعدم استرجاع القسطنطينية والقسم البلقاني ـ الأوروبي منها. وفي الزمن الاحدث عارضت الكتلة الغربية بشدة وحدة قبرص مع اليونان، ولكنها صمتت صمت القبور وايدت ضمنا الاحتلال التركي لشمال قبرص في 1974. وعلى مرأى "المجتمع الغربي المتحضر" كله، تم طرد مئات آلاف القبارصة اليونانيين من بيوتهم وقتل الالاف منهم ورمي جثثهم الممزقة على الطرقات لخلق جو من الإرهاب والرعب والتذكير بـ"امجاد" بني عثمان، بدعم ومباركة الاميركان وبني صهيون والفاتيكان. وكان الاحتلال التركي لشمال قبرص يرتبط ارتباطا وثيقا باكتشاف وجود الغاز والنفط في الشاطئ الشرقي للبحر الابيض المتوسط، وان لم تعلن الكتلة الغربية عن هذا الاكتشاف الا مؤخرا.
اميركا تحل ازمتها بطباعة الدولارات الورقية وتخدير المجتمع
وحينما انفجرت الازمة المالية ـ الاقتصادية، انطلاقا من اميركا، في 2008، ضربت بشكل خاص اليونان وقبرص، لاعتمادهما الكبير على مداخيل السياحة الخارجية والايداعات الأجنبية.
ولدى انفجار الازمة في اميركا ظهرت حركة احتجاجية شعبية تحت عنوان "احتلوا وول ستريت". ولمنع حدوث اضطرابات اجتماعية اخذت القيادات السياسية الأميركية، بمن في ذلك باراك أوباما، تتقرب من زعماء هذه الحركة. ولجأت إدارة أوباما الى وسيلتين لمعالجة الازمة:
الأولى مالية، تمثلت في تقديم مئات مليارات الدولارات للبنوك المفلسة لتعويمها ومكافأتها على الدور الذي قامت به، ورفع سقف ما يسمى "الدين العام" وطباعة الاف مليارات الدولارات الجديدة بدون تغطية.
والثانية اجتماعية، وهي السعي لايجاد مئات الاف فرص العمل الجديدة (ولو كانت غير إنتاجية)، من اجل امتصاص جزء كبير من البطالة وتجنب الانفجارات الاجتماعية. (وهو ما طنطن له الأستاذ الستاليني الكبير فؤاد النمري).
مفاقمة الازمة الاقتصادية في اليونان لاجل "تتريكها" و"دعوشتها"

اما في اليونان فقد جرى تطبيق خطة معاكسة تماما:
أولا ـ لم يكن بإمكان اليونان طباعة كمية إضافية من العملة الورقية واستخدام "اسفنجة التضخم" لاجتذاب المزيد من السياح الأجانب وزيادة التصدير وتخفيض الفوائد على القروض وزيادتها على الايداعات. ذلك ان اليونان هي عضو في منطقة اليورو، ولا تملك عملتها الوطنية الخاصة. ومع ان العودة الى اصدار العملة اليونانية الخاصة (الدراخما) هي احد الحلول المطروحة للمساعدة على الخروج من الازمة، الا ان الحكومة اليونانية الجديدة، ولأسباب جيوستراتيجية بالدرجة الأولى، لا تريد اعتماد أي حل يؤدي الى خروج اليونان بارادتها من الاتحاد الأوروبي.
ثانيا ـ بدأ شن حملة إعلامية عالمية واسعة النطاق، وذات طابع "شانتاجي" تهويلي وليس انتقاديا وعلميا، ضد اليونان والاقتصاد اليوناني، محورها ان اليونان على وشك الافلاس وانه سيتم فصلها من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وبشكل ملفت للنظر، شارك كبار المسؤولين الاميركيين والأوروبيين، السياسيين والاقتصاديين، في هذه الحملة. وقد اوجد ذلك جوا من الذعر في الأوساط المالية والاقتصادية اليونانية. وفي مثل هذا الجو الخانق، والفوضى والبلبلة، بدأت عملية منظمة لسحب الودائع وتهريب وتسريب الرساميل والايداعات من البنوك اليونانية، بما يرافق ذلك من التهرب الكلي او الجزئي من دفع الضرائب، وايداع تلك الرساميل في البنوك الأوروبية والأميركية.
واخذ عشرات الاف رجال الاعمال والمتمولين والميسورين اليونانيين يغادرون بلادهم و"يلحقون برساميلهم" في الخارج. ونشرت بعض الصحف البريطانية ان عدد الأغنياء اليونانيين الذين يقطنون لندن ويذهبون بسياراتهم الفخمة للتسوق في المخازن الفاخرة يبلغ اكثر من 45 الفا، في حين ان بلادهم التي هربوا أموالهم منها تعاني من الازمة الخانقة وتبلغ فيها نسبة البطالة اكثر من 25% وبطالة الشباب اكثر من 60%. اما هم فقد تهربوا من دفع الضرائب المتوجبة عليهم وهربوا رساميلهم وتواروا عن الأنظار.
ثالثا ـ لم تتورع "ترويكا" الدائنين الدوليين، ممثلة حتى بشخصيات "ليبيرالية" مثل المستشارة "المسيحية الدمقراطية" الألمانية انجيلا ميركيل، والرئيس "الاشتراكي" الفرنسي فرنسوا اولاند، ـ لم يتورعوا عن ممارسة سياسة ابتزاز مافياوية حقيقية ضد حكومة وشعب اليونان، التي سبق لها وقدمت 700 ـ 800 الف قتيل في الصراع ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، أي بقدر ما قدمت اميركا وفرنسا مجتمعتين.
وكانت هذه السياسة الابتزازية تقوم على الضغط على الحكومة اليونانية لتقديم القروض "الانقاذية" لها مقابل تنفيذ سياسة تقشفية تقضي بتخفيض وإلغاء المعاشات التقاعدية وتخفيض الأجور، وإلغاء الكثير من الخدمات الاجتماعية، ووقف بعض القطاعات، وخصخصة فروع القطاع العام ورمي العاملين فيها في الشارع، وإلغاء العمل بقانون عقود العمل الجماعية بين القطاعات الاقتصادية والنقابات العمالية. (وهذا كله لا يراه الأستاذ الستاليني الكبير فؤاد النمري).
وكان الهدف من هذه الخطة الاجرامية التهديم الكامل للمجتمع والدولة اليونانيين، وجعل اليونان لقمة سائغة لتركيا، عبر مهاجمتها من الخارج، بواسطة الجيش التركي القوي والمدعوم ناتويا، ومن الداخل، عبر "الجيش الداعشي" المدرب والمنظم والمسلح والممول والمجهز الذي اصبح موجودا داخل الأراضي اليونانية، تحت غطاء المهجرين البؤساء من سوريا والعراق وأفغانستان والشرق الأوسط وشمالي افريقيا. وقد صرح رجب طيب اردوغان اكثر من مرة "انه ينبغي علينا ان نستعيد ارض اجدادنا" (ومنها طبعا سوريا والعراق وقبرص واليونان).
اليونان ترفض الاملاءات
وفي الأسبوع الماضي اجتمع الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل مع رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس "لاقناعه" ببرنامج "الإنقاذ" الذي وضعته الترويكا لليونان. وجرت محادثات سرية مطولة. ولكنه لم يعلن عن التوصل الى اتفاق محدد. الا ان تسيبراس اعلن عن تفاؤله بإمكانية التوصل الى اتفاق طويل الأمد. وكانت المجموعة الأوروبية قد قررت في نهاية شباط الماضي تمديد فترة برنامج "الإنقاذ" من جانب واحد مدة أربعة اشهر (تنتهي في حزيران الحالي). وكتبت الجريدة الألمانية "زيودويتشه تسايتونغ" استنادا الى مصدر أوروبي رفيع المستوى انه من المرجح ان يتم التمديد لاربعة اشهر أخرى، مقابل قبول أثينا باجراء "بعض الإصلاحات". ولكن وزير المالية اليوناني رفض فكرة أي تنازل من جانب اليونان قائلا ان ذلك هو "سيناريو خرافي ـ علمي". وفي الوقت ذاته صرح الناطق البرلماني باسم حزب سيريزا نيكوس فيليس، كما نقلت عنه رويترز، "الان هي اللحظة المفصلية للمحادثات. اذا لم يتم الاتفاق من الان حتى 5 حزيران، فإنهم لن يحصلوا على أي مال". وأضاف "لا يوجد لدينا أي مال لنعطيه الى الدائنين الأجانب، اذا لم يعطونا هم قروضا جديدة لكي ندفع لهم" وانه ينبغي أولا على الحكومة ان تضمن وجود المال لاجل دفع المعاشات التقاعدية، قبل ان تدفع للدين الخارجي ولصندوق النقد الدولي. وان أثينا تصر على عقد اتفاق لا يتضمن تخفيض المعاشات التقاعدية، بل يقوم على إعادة جدولة الدين الخارجي.
علام يستند اطمئنان تسيبراس؟!
ووضع بعض المراقبين "اطمئنان" تسيبراس تحت علامة استفهام كبيرة. وهم يشيرون الى انه ليس لهذا "الاطمئنان" أي "تفسير مالي" بالمعنى المباشر. ولكن بعضهم يذكر بأن ألكسيس تسيبراس قام خلال شهر نيسان الماضي بزيارة خاصة الى موسكو، رافقه فيها وزراء الخارجية والدفاع والمالية والاقتصاد وعدد كبير من الخبراء ورجال المال والاعمال. وعقد هذا الوفد اجتماعات عديدة، مع الرئيس الروسي بوتين بالذات، ومع اهم شخصيات الدولة الروسية كوزير الدفاع سيرغيي شويغو، ووزير الخارجية سيرغيي لافروف، ورئيس المجمع الصناعي ـ الحربي دميتريي روغوزين، ومدير عام شركة غازبروم الكسي ميلر، بالإضافة الى الاجتماعات المنفردة بين بوتين وتسيبراس. وحتى الان لم يتم الإعلان عن أي اتفاقات، او أي شيء مهم تم التباحث فيه في هذه اللقاءات، التي ظلت نتائجها طي الكتمان. ويعلق هؤلاء المراقبين بالقول: انه ربما تقرر ان تبدأ القيادة الروسية في تعلم اللغة اليونانية، مما سيشكل، في قبرص وفي شمال شرق شاطئ المتوسط ولا سيما في بحر ايجه وما وراء القسطنطينية والبوسفور والدردنيل، مفاجآت غير سارة للامير الأول لداعش وسلطان اخر زمان رجب طيب اردوغان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته