الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الثورات العربية بخير؟

عماد صلاح الدين

2015 / 6 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هل الثورات العربية بخير؟
عماد صلاح الدين
لا اعرف لماذا هذا الانقضاض السريع في التقييم المتعجل لحصاد الثورات العربية التي بدأت شرارتها مع بداية عام 2011 المنصرم.
تبارت المواقف والآراء والحوارات بخصوصها؛ بالخروج بنتيجة أنها فشلت ولم تحقق أهدافها في حرية المواطن العربي وكرامته، وبالتالي قدرته على تحقيق مفاهيم العدل والمساواة وتوزيع الثروات العادل في كل قطر عربي على الأقل ، وعلى حدة.
وتم الاعتذار عن الفشل وتبريره بإلقاء التبعة مرة على الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من الأقطار العربية ، ومرة أخرى، بل وفي الآن ذاته تم إلقاؤها على ما يسمى بالجماعات الإرهابية والتكفيرية، وثالثة على تناقض الغايات والمصالح بين الأطراف الحزبية والسياسية وجماعات المصالح في هذا البلد العربي أو ذاك. وفي العموم تم الحديث عن أن هناك ثورة مضادة في كل قطر، وبالتنسيق بين نظم الثورات المضادة العميقة، على رغم ما بينها من خلافات وصراعات.
وعلى رغم ما ذهب ضحيته نتيجة هذه الثورات والثورات المضادة لها، وما لحق من دمار وخراب، وتحقق لجوء شبه شامل، أدى إلى الإخلال بمسالة وجود مفهوم شعب، كالشعب السوري، نتيجة الدمار الشامل والتدمير شبه التام للبنى المادية والاجتماعية وكذلك العمرانية.
إلا انه يبقى كل ذلك أعلاه ضمن معتاد الأمور لوضع امة عربية عانت لقرون من الظلم والاستبداد والكبت، وعلى مراحل مختلفة سواء في أواخر عهد الضعف والاستبداد العثماني في آن معا، أو في حقب الاستعمار، ومن ثم الهيمنة الأمريكية عليها لاحقا.
هذا بالإضافة أيضا إلى مخرجات التشوه في الحالة الأخلاقية والفكرية على صعيد التراث والممارسة العملية مما أدى إلى:
1- تكريس المرض والجهل والفقر والتفاوت الطبقي والاجتماعي.
2- إيجاد القابلية ومن ثم التقبل للاستعمار والاحتلال الأجنبي، ثم تقبل الاستعمار الداخلي( الديكتاتورية والاستبداد من الأنظمة الحاكمة) بعد الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.
ولذلك أجد التناحر والتصارع وليس الاختلاف كما هو حال الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، ولكن بشكل ملطف ومخفف عن مخرج الثورات العربية، أجده مسالة طبيعية:
1- بين أنظمة الاستبداد العربية، ومكونات الشعب في كل إقليم أو بلد عربي على وجه العموم2- وكذلك بين هذه المكونات نفسها على اختلاف أحزابها وفصائلها وأطيافها السياسية ومذاهبها العقائدية واختلاف مصالح كل فئة أو طرف منها، بل بما يشمل الامتداد في ذلك إلى الحزام الإسلامي ممثلا في اللحظة الراهنة بإيران وأحلافها السياسية والمذهبية في المنطقة سواء في لبنان وسوريا أو اليمن أو العراق والبحرين وغيرها.
إنها مسالة طبيعية أن تظهر هذه الأمراض الخطيرة والمستعصية والمزمنة إلى سطح الحالة العربية والإسلامية، وهذه المرة بشكل اقرب جدا إلى الوضوح عن غيرها من مراحل سبقت قيام الثورات العربية.
ولذلك أرى واعتبر أن ما يحدث من صراع إيراني سعودي خليجي في المنطقة وتحديدا في اليمن إحدى هذه التجليات الواضحة لقفز هذه الأمراض التي تعاني منها الأمة منذ فترات طويلة، بما فيه أيضا الصراع الجاري في مصر وليبيا على وجه الخصوص.
كأنها حالة من الاصطدام المفروض والذي لا مفر منه بين نظم الاستبداد ومكونات الشعب، وما بين مكونات هذا الشعب نفسه نتيجة بنية الضعف الإنساني غير المهيأة للتفهم والتمهل في التعامل مع الآخر، والتي يكون من تجليها الشك في الآخرين وعدم الاطمئنان للمشاركة معهم، ومن ثم الانزواء بالانفراد بكل شيء.
وهي حالة يشمل صراعها الدامي - حد الاحتراب الأهلي- جماعات مرجعيات الدين وجماعات التصور الإنساني المجرد في نظرتها إلى الحلول السياسية والاجتماعية مستقبلا، هذا بالإضافة إلى النخب الوظيفية في السياسة والعسكر وأصحاب المصالح التجارية والمالية والاقتصادية.
انه الكل في مواجهة الكل، والكل في جهة منه في كمونه العمقي يريد في الأساس مواجهة الظلم والاستبداد، ولكن الممارسة والفهم المشوه للمرجعية الدينية والأخلاقية القائمة على تراث من التشوه وعبر قرون ممتدة من قبل دعاتها، يجعل الطرف المسمى مدنيا متوجسا من المرجعية الدينية هذه إلى حد الدفع به إلى التحالف مع الاستبداد كما في الحالة المصرية الراهنة.
كما أن هذه الممارسة المشوهة جعلت الأحزاب الإسلامية هي الأخرى في حالة نظر مريب إلى المرجعيات الأخرى غير الإسلامية من خلال السلوك على الأقل، وبالتكفير مرة والمناورة معها مرة أخرى في الخفاء، على نهج التقية المعروفة.
إن هذا الاحتراب والصراعات الدموية مرت فيها أوروبا في القرون المتأخرة من الألفية الثانية، ومن ثم تطورت إلى صراعات دول وإمبراطوريات في أوائل القرن الثامن عشر وحتى تقريبا نهاية النصف الأول من القرن العشرين، ثم تحول إلى صراع المسيطرين وهو سياسي مصلحي هنا بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي(سابقا) حتى عام 1989، وقت انهيار الاتحاد، ومن ثم تحوله لاحقا إلى الاتحاد الروسي(روسيا الاتحادية).
طبعا نحن لا نتمنى أن تشتعل الصراعات الدامية بين مكونات الشعوب العربية والإسلامية سواء في داخلها أو في علاقات دولها مع بعضها البعض، والتفهم سيكون أجدى وانفع لمصالح كل طرف وحدود أمنه وكرامته وسيادته.
لكن التاريخ على كل حال يكره ويأبى الفراغ، فما عانته الأمة من ظلم واستبداد وكبت سياسي واجتماعي وأخلاقي لا مفر أن يستحيل إلى صراعات دامية بينها بحكم المخرجات الناتجة عن هكذا مدخلات وعبر آلية حكم في المعالجة السياسية قاسية ولا إنسانية.
لكن هذا التدافع الإنساني مع وجود الإرادة النخبوية في الثقافة والسياسة ودورها الفاعل في إحياء الناس وتراثهم وثقافتهم الصحيحة، بعد محاولات تنقيتها وتطهيرها من كل الأفكار السلبية والشوائب المشوهة لمسارنا التاريخي.
أظن عندها ورغم كل العقبات والمؤامرات المحاكة على حقوق الناس ومستقبلهم في المنطقة سواء من الثورات المضادة أو من النظم الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فان عجلة التحول الأخلاقي والإنساني والتطوري باتجاه إقامة الديمقراطية، ومن ثم تحقق الحرية والعدالة للإنسان العربي والمسلم المدعوم ببنى وقواعد مؤسسة للممارسة الحرة في مجالات الإنسانية المختلفة، ومن خلال المؤسسات السياسية والمدنية المستقلة والمتعاونة فيما بينها، وعلى طريقة التوازن والتبادلية في الأدوار، ستتحقق يوما، ونأمل أن يكون دور المرجعية الدينية رائدا فيها، لان مكونتا الثقافي والهوياتي يستمد منه أساسه وبنيته.
وبالتالي فهناك اختلاف في تجربتنا التحررية والثورية عن التجربة الأوروبية بعد عصور الظلام والاستبداد السياسي والكنسي فيها، ذلك أن الدين(الإسلام) رغم كل ما ادخل عليه من تشوه على صعيد الاعتقاد والممارسة وفي رصيد تراثه الثقافي، إلا انه أدى دورا عظيما في مسالة التحرر والاستقلال ولو جزئيا في أوائل القرن العشرين في الجزائر وليبيا وعموم المغرب العربي الكبير، وكذلك في المشرق العربي وفي فلسطين حتى اليوم، هذا فضلا عن تجربة تحرر الإيرانيين من نير استبداد نظام الشاه محمد رضا بهلوي في أواخر سبعينيات القرن العشرين 1979.
وسيكون دور الإسلام فاعلا كمنظومة قيم وأخلاق وهوية يشمل الجميع بما فيها الأقليات والديانات الأخرى، في مستقبل الأمة حين يكتمل نصابها في الإيمان والعمل والأمل، وما يتحقق عنه من تحررها وانجاز مشروعها الأخلاقي والإنساني الحضاري في إطار دولة تشمل جميع مكوناتها الدينية والأقلية والمذهبية وغيرها دون تمييز أو ظلم أو عدوان.
لكن مشكلتنا اليوم هي في الاستعجال ونفاد الصبر سريعا في التطلع إلى حلول لامتنا وتطبيقاتها العملية.
مع العلم أن مسار التحولات التاريخية والاجتماعية الإنسانية تأخذ وقتا طويلا كما هو معروف في سوابق التجربة الإنسانية في دوائر التاريخ وعموم إطاره.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية بفرنسا: اكتمال لوائح المرشحين واليمين المتط


.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا




.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف