الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التزامات الدولة التي تنشأ عن حقوق الإنسان

بيدر التل

2015 / 6 / 3
حقوق الانسان


حقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. وكثيراً ما يتم التعبير عن حقوق الإنسان العالمية، وتُضمن، بواسطة القانون وفي شكل معاهدات، والقانون الدولي العرفي، ومبادئ عامة، أو بمصادر القانون الدولي الأخرى. ويرسي القانون الدولي لحقوق الإنسان التزامات على الحكومات بالعمل بطرق معينة أو الامتناع عن أعمال معينة، من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بالأفراد أو الجماعات.

ورغم أنه من الممكن أن ينتهك أي شخص أو مجموعة أو جهات فاعلة غير الدول (كالشركات عبر الوطنية، القوات شبه الحكومية وغيرها ..) حقوق الإنسان، إلا أن القانون الدولي الحالي قد نص على أن الدول وحدها هي من يقع على عاتقها الالتزامات المباشرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ويمكن حصر هذه الالتزامات بثلاث عناصر رئيسية، وهي: التزام الاحترام، والتزام الحماية، والتزام الوفاء. كما يقع على عاتق الدول توفير سُبُل الإنصاف على الصعيد المحلي في حالة انتهاكات حقوق الإنسان.

ويعني الالتزام بالاحترام أنه يتوجب على الدول أن تمتنع عن التدخل، بمعنى حظر أي أفعال من جانب الحكومات قد تُقوض التمتع بالحقوق. ففي صدد "الحق في الصحة" مثلاً، يعني هذا الالتزام أن لا تقيد السلطات الحق في الصحة من خلال التعقيم الإجباري، أو التجار الطبية، وغيرها. أما التزام بالحماية فيعني، أنه يتعين على الدول أن تحمي الأفراد من التجاوزات التي ترتكبها جهات غير الدول. ونورد هنا أيضاً مثال "الحق في الصحة"، حيث يتعين على الدولة حظر ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة. أما الالتزام بالوفاء فيعني، أنه يتوجب على الدول أن تتخذ إجراءات إيجابية لتيسير التمتع بحقوق الإنسان الأساسية. وفي صدد "الحق في الصحة" فإنه يتعين على الدولة إيجاد عدد كافٍ من المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية العامة الأُخرى لتوفير الخدمات على قدم المساواة للجميع. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن التزامات الدولة بالوفاء والحماية تخضع لما يسمى إلى "مبدأ الإعمال التدريجي". فالحق في الصحة مثلاً لا يضمن حق كل شخص في الصحة الجيدة، ورغم ذلك، فإنه يُلزم الدول وفقاً للقدرات الاقتصادية لكل منها احترام المعايير الدولية الدنيا، وذلك بإنشاء نظام صحي عمومي يستطيع من ناحية المبدأ أن يضمن للجميع إمكانية الوصول إلى بعض الخدمات الصحية الأساسية. أما الغياب الكامل للتدابير الايجابية لتحسين نظام الصحة العامة أو الاستبعاد المتعمد لبعض المجموعات من الوصول إلى خدمات الصحة قد يشكل انتهاكاً للحق في الصحة.

ويتعين على الدولة توفير سُبُل الانتصاف المحلية وذلك لمعالجة أي انتهاكات لحقوق الإنسان. بمعنى أن يتمكن كل شخص يدعي انتهاك لحقوقه إلى اللجوء لسُلطة محلية مختصة (قضائية، إدارية، تشريعية ..الخ) تتمتع بسلطة توفير الجبر وإنفاذ قراراتها. وفي ذات السياق يمكن الإشارة إلى المادة (3/2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي شدد على ضرورة أن تكفل الدولة "توفير سُبُل فعالة للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته .."، "وأن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة .."، و"بأن تنمي إمكانات التظلم القضائي". كما يحق لضحية انتهاك حقوق الإنسان الحصول على تعويضات عن الضرر الذي أصابه، حيث يتعين على الدولة وتقديم المسئولين عن الانتهاك إلى العدالة، واتخاذ التدابير لمنع تكراره.

وختاماً تجدر الإشارة إلى أن الأحكام الخاصة بالحق في الانتصاف تضم في إطارها الحقوق المدنية والسياسية، في حين أن المعاهدات المتصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تتضمن أحكاماً مشابهة. حيث يرجع ذلك التمييز إلى الجدل العقائدي الذي ثار أيام الحرب الباردة. ففي ذلك الوقت كانت النظرة إلى الحقوق المدنية والسياسية باعتبارها حقوقاً سلبية (أي موجهة ضد تدخل الدولة)، في حين أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كانت تعتبر حقوقاً برامجية (مطالبات سياسية تتطلب إجراءات ايجابية من الدولة)، وبالتالي كانت تعتبر مستعصية على الإنفاذ من جانب المحاكم. ولا تزال الحكومات ترفض التصريح للماكم المحلية والدولية بالحكم في مسائل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولهذا يوجد قدر ضئيل نسبياً من قانون السوابق القضائية وهذا بحد ذاته يعتبر دليلاً على أن هذه الحقوق غير قابلة للعرض نسبياً على المحاكم.

مراجع:
1. موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
2. مانفريد نوواك، دليل البرلمانيين إلى حقوق الإنسان، الاتحاد البرلماني الدولي، 8 - 2005.
3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
4. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقبة أمام -الجنائية الدولية- حال صدور قرار اعتقال لقادة إسرا


.. ضابط شرطة أميركي يشعل سيجاراً أثناء اعتقال مشتبه




.. بايدن: ليس هناك تكافؤ بين إسرائيل وحماس ونرفض تطبيق المحكمة


.. تونس.. منظمة حقوقية توثق 20 حالة انتحار خلال شهر أبريل




.. تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق إسر