الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): أصل الصراع (2/3)

السيد نصر الدين السيد

2015 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


(من حكايات ما بعد الالف ليلة وليلة)

ولما كانت الليلة الثالثة بعد الالف وصل الملك شهريار الى مجلسه حيث كانت شهرزاد في انتظاره. ولم ينتظر شهريار فبادرها بالسؤال: "قبل الحديث عن التوأم وعلاقتهما بمستقبل هذه الديار حدثيني عن سر اختلافهما فهو امر غريب ... توأم نشأ في بيت واحد فيصل اختلافهما الى حد التناقض والاقتتال. فابتسمت شهرزاد قائلة: "ابحث عن المرأة يا مولاي ..." وقبل ان ينهي شهريار تعبير الاستغراب الذي ارتسم على وجهه استطردت شهرزاد قائلة: "الحكاية وراءها جنيتان. الأولى، "تيمية"، عشقت "ماضي كان" فخطفته ليعيش معها في بلادها التي ستعرف باسم "المملكة الصحراوية السعيدة". والثانية هي "غاليا" (او فرنسا)" التي أعجبت بـ "بكرة حيكون"، لسبب غير معلوم، فدعته لقضاء بعض الوقت في وطنها وبين أهلها الذين هم من احفاد من نطلق في أيامنا هذه اسم الفرنجة".


و"المملكة الصحراوية السعيدة"، التي سيعيش فيها "ماضي كان" بعض الوقت وتركت آثار عميقة على تكوينه، هي ارض جرداء جدباء لا ترى فيها لونا غير اللون الأصفر لون رمال الصحراء. لون تسيد في هذه الديار فلم يعد فقط مقصورا على رمال الصحراء بل امتد الى كافة الموجودات من حيوانات ونباتات. وهكذا أصبح مجرد قبول أي لون آخر من المحرمات التي تستوجب عقاب من يرتكبها اشد أنواع العقاب. هذا هو المصير المحتوم للملونين، وهو الاسم الذي أطلقه اهل المملكة على كل من يتقبل أي لون خلاف اللون الاصفر. وما زال ما حدث للصبية "خضارة" حاضرا في الاذهان. وهنا تململ شهرزاد قائلا: "انتي دايما كده يا شهرزاد تطلعيني من حكاية عشان تدخليني في حكاية تانية". فتبسمت شهرزاد واستأنفت الحكي: ""خضارة" يا مولاي صبية لم يتجاوز عمرها السادسة عشر ربيعا تهوى البحث عن كل جديد. وفي أحد جولاتها اكتشفت شيئ غير مألوف استرعى انتباهها واخذ بلبها وهو نبتة صغيرة لونها أخضر. وبدأت خضارة في رعاية هذه النبتة وسعدت كثيرا بمتابعة نموها. الا ان أحد البصاصين رآها وهي ترتكب جرم رعاية النبتة الخضراء فابلغ عنها السلطات المعنية. وهكذا تم القبض عليها ليحكم عليها بالإعدام رجما بالحجارة حتى الموت. وكانت التهمة هي "تكدير السلم العام!"". الا ان الامر العجيب في أحوال هذه الديار سيكون ظهور فئة لا تعترف بوجود تنوعات في درجات اللون الأصفر. فدرجة اللون الأصفر التي تتبناها هي فقط الصحيحة وان من يتبني غيرها هو من المارقين الذين ينبغي عقابهم مثل الملونين".

وهنا استوقفها شهريار قائلا: "ايه حكايتك يا شهرزاد هو انتي لما تكرهي حد تطلعي فيه القطط الفطسانة!" فردت شهرزاد عليه: "انا لا أحب ولا أكره انا مجرد ناقلة لما يظهر على مرآتي ... مرآة المستقبل. ويبدو لي انها الآن سوف تحدثنا عن أحد مزايا مجتمع المملكة والتي تميزه عن بقية المجتمعات انها ميزة "تقديسهم لكل قديم". فلأقدم عندهم أكثر مصداقية من القديم والأكثر قدما أفضل عندهم من الأقدم. وهكذا أصبح الاقتداء بالسلف ومحاكاتهم في الشكل وتبني أفكارهم في الفعل من الأمور المحسومة. لذا نراهم يردون على من يسألهم عن سر تقديسهم لبعض النصوص بعبارة هذا ما وجدنا عليه آباءنا". وهنا وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ولما كانت الليلة الرابعة بعد الالف بادرت شهرزاد شهريار بمجرد وصوله قائلة: "الليلة يا مولاي هي ليلة "بكره حيكون" فعن رحلته الى بلاد الغال سيكون الحديث. وكان اول شيئ استرعى انتباه "بكره حيكون" عندما وصل الى هذه البلاد هو تنوع الألوان تنوعا شديد لم يشهده من قبل. وقد ذكرت له غاليا ان هذا التنوع لم يعد مقصورا على الألوان بل امتد لمجالات اخري مثل أعراق السكان والرؤى والأفكار. الا ان ما أثار اعجابه حقا لم يكن هذا التنوع الفائق بل هو قدرة اهل هذه البلاد على استخدام هذا التنوع في انشاء أشياء تسهم في زيادة رفاه الانسان في الحياة الدنيا. وقد ذكر له أحد الافراد ان قبول تعدد الألوان لم يكن بالأمر السهل ففي البداية كانت "حرب الألوان" بين طوائف يتعصب كل منها للون بعينه. وفي النهاية، وبعد ان أنهكتهم الحرب، اكتشف المتحاربون ان تعايش الألوان سويا هو لصالح الجميع.

ولم يكن هذا الأمر الوحيد الذي أدهش "بكره حيكون" فلقد أدهشه أيضا حب هؤلاء القوم الشديد للتغيير، وسعيهم الدائم وراء كل جديد، بل وتشجيع بعضهم البعض على التمرد على الموروث وكسر العادة والخروج على المألوف". وهنا أشار شهريار لشهرزاد بالتوقف موجها اليها السؤال: "التمرد على الموروث ...! ألا يحترم هؤلاء القوم أسلافهم وما تركوه لهم من تراث؟ ولم تسارع شهرزاد، كعادتها، بالرد على السؤال بل ظلت صامتة لفترة وهي تنظر الى مرآتها ثم نظرت لشهريار قائلة: "ان الأمر يا مولاي لا يتعلق بالاحترام فهؤلاء القوم يقيمون أي شيء انطلاقا من قدر اسهامه في رفع مستوي رفاه مجتمعهم. هذا بالإضافة الى ايمانهم بأن "كل وقت وله ادان" وان ما صلح في فترة تاريخية سابقة ليس بالضرورة صالحا لفترة لاحقة. وكما ان هناك تاريخ صلاحية للأطعمة والأدوية هناك أيضا تاريخ صلاحية للأفكار والمعتقدات. وكليهما ان تناولته او تبنيته بعد تاريخ صلاحيته سيضر بك ضررا قاتلا.


كان هذا يا مولاي ما مر به الاخوين التوأم من احداث شكلت رؤاهما وجعلتهما على طرفي نقيض. وهو الاختلاف الذي سيظهر جليا في صراعهما على "مصرنا". و"مصرنا" هي ال "عزبة"(ضيعة) التي ورثوها عن امهما التي ورثتها هي أبا عن جد. وهنا جاء صياح الديك معلنا لشهرزاد قدوم الصباح فسكتت عن الكلام المباح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم