الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الهوسبيس): فكرة إسلامية وحركة حداثية وقيمة أخلاقية

حسني إبراهيم عبد العظيم

2015 / 6 / 4
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


(الهوسبيس): فكرة إسلامية وحركة حداثية وقيمة أخلاقية


مع التطور العلمي والطبي الكبير الذي شهده العالم خلال العقود الأخيرة ظهرت مشكلات ديموجرافية واجتماعية متعددة، من أبرزها ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، وزيادة نسبة المسنين والمعمرين بشكل كبير، ومعاناة هؤلاء المعمرين من العديد من الأمراض التي لا يُرجى شفاؤها، وترتب على ذلك زيادة الحاجة للرعاية الاجتماعية والصحية لهم.

ونتيجة لذلك ظهرت حركات اجتماعية تهتم بالأشخاص المقبلين على الموت، وهم المرضى الميئوس من شفائهم، بحيث يعيشون أيامهم الأخيرة بصورة كريمة، ويحاطون بمختلف أنواع الرعاية الطبية والإنسانية، ويطلق على هذه الحركات والمؤسسات مصطلح (الهوسبيس) Hospice فما المقصود بهذا المصطلح؟

الأصل اللغوي لكلمة Hospice هو ذات الأصل الذي اشتق منه لفظ المستشفى Hospital وهو الكلمة اليونانية القديمة xenodochiumالتي تعود للقرن الرابع الميلادي، وكانت تعني الضيافة Hospitality . أما أول من استخدم لفظ Hospice فكانت السيدة الرومانية (فابيولا) Fabiola التي فتحت بيتها للفقراء والمرضى والمسافرين، والجوعى، وكانت كلمة Hospice تشمل في ذلك الوقت الضيف والمضيف، وكلمة Hospitium مكان الضيافة. وانتشرت تلك الأماكن على نطاق واسع، ولكنها لم تكن مخصصة للمحتضرين، بل تستقبل الناس للإقامة فيها طالما أنهم في حاجة للمساعدة. (Milicevic2002:29-30)

وفي منتصف القرن التاسع عشر أسست جين جارنيه Jeanne Garnier في مدينة ليون الفرنسية أول مؤسسة لرعاية المحتضرين، مستخدمة الكلمة Hospice. وفي انجلترا كان أول استخدام للمصطلح على أيدي راهبات مؤسسة القديس يوسف الخيرية الأيرلنديين Irish Sisters of Charity at St. Joseph في لندن عام 1905. وارتبطت حركة رعاية المحتضرين الحديثة في انجلترا باسم السيدة سيسلي ساندورز Cicely Saunders. (Milicevic2002:29-30)
وقد وردت عبارة مؤثرة على لسان السيدة (ساندورز ) مخاطبة المقبل على الموت: أنت مهم لأنك أنت، أنت مهم حتى آخر لحظة في حياتك، وسوف نبذل قصارى جهدنا ليس فقط لمساعدتك أن تموت في سلام، ولكن لتحيا بسلام حتى ترحل. (American Cancer Society 2014:1)

ومن الجدير بالذكر في هذا الإطار أن الحضارة العربية الإسلامية كانت السباقة في تأسيس فكرة الهوسبيس، حيث أن الطبيب العربي أبا بكر محمد بن زكريا الرازي من أوائل من اهتم بأمر المحتضرين بشكل علمي، حيث أنه أول من فكر في علاج المرضى الميئوس من شفائهم والاهتمام بهم ورعايتهم، فقد كان هذا الطبيب العظيم شخصا كبير القلب، وطبيبا إنسانيا إلى أقصى الدرجات، وقد كان سباقا في إنسانيته القصوى تلك، كما كان سباقا في كثير من الاكتشافات العلمية، وتعدى الآفاق الأخلاقية التي وصل إليها الطب لدى الإغريق، وسمت إليها رسالة الطبيب في قسم أبو قراط الشهير، الذي يدعو الطبيب أن يذهب إلى كل البيوت لفائدة مرضاها، دون الذهاب إلى مساعدة المرضى الذين لا أمل في شفائهم، ذلك أن أبوقراط قد عرف الطب بأنه الفن الذي يُنقذ المرضى من آلامهم، ويخفف من من وطأة النوبات العنيفة (ويبتعد عن الأشخاص الذين لا أمل في شفائهم، إذ أن الطب حسب رأي أبو قراط لا نفع له في هذا المجال) وهنا برز الرازي الذي كان أول من فكر في علاج المرضى الذين لا أمل في شفائهم واهتم كل الاهتمام. انظر (هونكه253:1993)

وقد كان ذلك كما أسلفنا سبقا إنسانيا كبيرا للرازي، إذ رأي - خلافا لأبوقراط – أن هذا العمل واجبا ضروريا، وطالب الطبيب بأن يوهم مريضه بالصحة ويرجيه بها، وإن لم يثق هو بذلك، فمزاج الجسم – حسب تعبيره – تابع لأخلاق النفس. وعلى الطبيب أن يسعى دائما إلى بث روح الأمل وقوة الحياة في نفس المريض مهما كانت حالته. لقد كان الرازي وزملائه من الأطباء العرب المثال الحي والقدوة المثلى لأطباء الغرب فيما بعد لدى معالجتهم مرضى الأعصاب والذين لا رجاء لشفائهم بإنسانية رائعة. (هونكه254:1993)

وقد لعبت حركـات رعايـة المحتضرينHospice Care movements التي تطورت بشــكل لافت منذ منتصف القرن التاسع عشر دورا بالغ الأهمية في لفت الانتباه نحو البعد الاجتماعي والروحي للألم، وتخفيفه لدى المرضى بأمراض لا يرجى شفاؤها. إن فلسفة رعاية المحتضرين تنظر للموت باعتباره المرحلة الأخيرة للحياة، إنها تؤكد على الحياة، ولا تستعجل الموت (فهي لا تفضل ما يسمى بالموت الاختياري أو الموت الرحيم) ولا تعمل على تأجيله، وتهتم عملية رعاية المحتضرين بالشخص أكثر من اهتمامها بالمرض، وتعمل على إدارة الآلام التي يكابدها المريض في أيامه الأخيرة، ليتمتع في تلك الأيام بالعيش بكرامة ورفاهية، محاطا بعائلته وأحبائــه، إن رعاية المحتضر تتم حيثما يظن بعض النــاس أن كل شئ قد انتهى. (American Cancer Society 2014:1)

تتأسس فلسفة الهوسبيس الحديثة على عدة مبادئ وقيم أساسية نذكر منها:(Department of Health and Human Services, USA, 2013)
- أنها تساعد المقبلين على الموت أن يعيشوا أيامهم الأخيرة في راحة واطمئنان.
- لا تقتصر الهوسبيس – كما يعتقد البعض – على مرضى السرطان فقط.
- الهدف من رعاية المحتضرين ليس الشفاء، وإنما تخفيف الألم.
- تتضمن برامج الرعاية المتخصصة كافة الجوانب المتعلقة بالمريض: العضوية والعاطفية، والاجتماعية والروحية.
- تشمل برامج الرعاية أيضا الرعاية العضوية، تقديم الاستشارات الأدوية، الأجهزة.
- غالبا ما تتم الرعاية في المنزل على أيدي متخصصين محترفين.
- تلعب الأسرة دورا مهما في عملية الرعاية وتقديم الدعم.

إن رعاية المحتضرين هي عملية إنسانية وأخلاقية وحضارية، تركز على الرعاية لا على الشفاء focuses on caring, not curing ولا تنحصر تلك الرعاية في مكان بعينه، فقد تتم في منزل المريض أو أحد المراكز الطبية، أو أي مكان آخر ملائم، وتتاح خدمات الرعاية لكل المحتضرين بصرف النظر عن نوع المرض أو العمر، أو الدين أو السلالة، أو أي خصائص تمييزية أخرى. (National Hospice and palliative care organization 2012:3)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نرجسية العرب
طاهر مرزوق ( 2015 / 6 / 4 - 19:59 )
الأستاذ/ حسنى
أعتقد أن الحضارة لا دين لها لكننا فى منطقتنا العربية أصابتنا النرجسية الدينية وأفينا الهوية الدينية على الحضارة، وأصبحنا نردد ما قاله القدماء دون تصحيح للمفاهيم الخاطئة، فالحضارة هى نتاج ثقافة لشعب من الشعوب أو هى نتاج مجموعة من الشعوب بأعراقهم وأجناسهم أديانهم المختلفة، أعتقد أن الطبيعة العربية والمرتبطة بالدين الإسلامى أصابت أفكار المثقفين بمشاعر الضعف وفى نفس الوقت التفاخر بأنهم خير أمم الناس، لذلك ينسبون أى أفعال إلى الدين وليس للشعب.
أرجو أن لا تفهم كلامى هذا على أنه موجه إليك شخصياً بل أستغل هذه المناسبة لأوجهه لكل مثقف ينسب دائماً الحضارة للدين الإسلامى، كما يفعلون مع الغعجاز العلمى للقرآن وكما سبق الرازى الكفار فى الغرب بفكرة الهوبسيس أيضاص القرآن سبق بنظرياته العلمية كل العالم الحديث.
أرجو ان تتقبل كلماتى بصدر رحب .
مع خالص شكرى


2 - شكراجزيلا أخي الأستاذ طاهر مرزوق على مروركم الكريم
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2015 / 6 / 6 - 18:48 )
العزيز طارق مرزوق
أشكركم ابتداء على مروركم الكريم وتعليقكم وأسلوبكم الراقي
أود أن ألفت انتباه سيادتكم إلى أن ما ذكرته في المقال من سبق الحضارة الإسلامية في قضية الهوسبيس ليس كلامي، ولا كلام أحد من المثقفين العرب، إنما أنا نقلته من كتاب شمس العرب تشرق على الغرب للباحثة الألمانية المعروفة زيجريد هونكه وبالتالي فليس ثمة نرجسية عربية أو ما شابه، الفكرة أننا نؤصل للفكرة بشكل موضوعي حسب ما أوردته المراجع العلمية
لك خالص شكري وتقديري


3 - شمس العرب
طاهر مرزوق ( 2015 / 6 / 6 - 22:37 )
الأستاذ/ حسنى عبد العظيم
شكراً على ردكم، لكن كما ذكرت أنك نقلته حرفياً من كتاب شمس العرب تشرق على الغرب للباحثة الألمانية، فالباحثة كان عنوان كتابها واقعياً ومنطقياً ولم تقول أن شمس الإسلام تشرق على الغرب لأن الدين لا علاقة له بالحضارة، وليس معنى أنها ذكرت ذلك أو غيرها فنتصور حقاً أن هناك حضارة دينية إسلامية ونكرر ورائهم وهماً لا علاقة له بالحضارة .
وأسألك شخصياً: هل انت كمثقف وباحث ودارس مقتنع حقيقة بان هناك شئ أسمه حضارة إسلامية؟ ومنذ متى كانت هناك حضارة تنتسب إلى دين من الأديان؟
هذا هو محور تعليقى الأول لأن جميع الكتابات العربية صدقت تلك الكذبة الغربية وجعلوها واقعاً لأن طبيعة العربى المسلم أنه لا يعترف بهويته الوطنية بل بهويته الدينية، لذلك كان هذا هو سر تمسك العرب المسلمين بأن الحضارة هى إسلامية لذلك أطلقت عليهم صفة النرجسية لأن الأديان لها ثوابتها الدينية المقدسة ولا علاقة لها بالحضارة التى هى نتاج بشرى فقط.
وأشكرك مسبقاً لو تكرمت لتعرفنى بمدى صحة تساؤلاتى وقناعاتك الشخصية.
شكراً


4 - العلاقة وثيقة بين الدين والحضارة
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2015 / 6 / 7 - 21:12 )
أخي العزيز الأستاذ طاهر أشكركم مجددا على دوام التواصل
العبارات المطلقة التي ذكرتها مثل الحضارة لا دين لها، وأن الأديان لا علاقة لها بالحضارة، هي عبارت تحتاج إلى مراجعة، وتدقيق، ذلك أن الوقائع التاريخية أثبتت أن ثمة علاقة وثيقة بين الدين ونشأة الحضارة وتطورها أو تدهورها، أحيلك إلى الكتاب الأشهر لوول ديورانت الذي يسمي فترة طويلة من تاريخ الحضارة بعصر الإيمان، كما أن ديورانت نفسه وهو من أكبر فلاسفة الحضارة ومؤرخيها يستخدم عبارة الحضارة الإسلامية، وإدوارد جيبون يرى أن المسيحية كانت إحدى العوامل الهامة في تدهور الحضارة الرومانية (راجع كتابه ازدهار وسقوط الحضارة الرومانية)
إن الدين بما يضمه من قيم ومعتقدات وأفكار محددة يؤثر في المنجزات الحضارية والبشرية ، والحقيقة أن المجال لا يتسع لذكر الأمثلة في هذا المجال، لكن تبقى أن روح الدين تسري في المنجز الحضاري للشعوب المختلفة، فالحضارة الإسلامية على سبيل المثال كما تقول عالمة الاجتماع الشهيرة فاطمة المرنيسي تتوفر على تراث غني من الصور والمنمنات تعكس روح العقيدة الإسلامية، حيث ،منع الإسلام وجود الصور التشخيصية في أماكن العبادة، على خلاف المسيحية

اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه