الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطوفان والقط غزوان

هشام الطائي

2015 / 6 / 4
كتابات ساخرة


الطوفان
__________
يُحكى انه طافَ على المدينةِ يوماً خناسٌ أملقْ و موتٌ أزرقْ وسيلُ قحطٍ باشقْ مما كسبت أيدي الناس وهمْ في غفلةٍ من أمرهمْ فَجَفَّ الزّرعُ والضّرعُ بينهمْ , فانَتَشرَ بين أهل المَدَرِ سَقَمُ الجَدْبِ وطولِ النزعِ وقلةِ المُؤَنِ , فنَزحَ الناسُ عن ديارهم قسرا تاركين مرابعهم الخضراء وآبارهم الغراء, فاتَبَعوا عُتُلِّهُمْ وبايعوا زَنيمَهمْ , فانَحَسَر العُبَابُ, وتَحَصْرَمتْ الأعنابْ وجَفّتْ الأرطابْ فأصبحوا في أسوأ مَآبْ وشدّة اغتراب .
نَزحَ الناسُ عن الديار بفعل الحرب وَهَلَكَ من هَلك ْمن الأنامِ ولم يَبقَ في المدينةِ إلا المتحاربين اللِّئامْ يذبحُ بعضهم بعضا بانتقامْ وَيفتِكُ بعضهم بالأخر دون وِئامْ,
فكانت الهجرةُ عِبَر هذه الأرض الغامِرُ منها والعامرْ, تاركين بَحابيحَ العيش ِفي الوطن الأم وكان مع الجمع ثلةٌ من الأزواج ذواتِ الأربعُ من أهل الذّمةِ و الوفاء وكانت تلك القوافلُ تسير عِبرَ القِفارِ الملتهبة ذات التلال الرملية الحمراء, حيث لا ماءٌ ولا كِلاءْ فكانت رياحُ السَمومِ إن هبّتْ تشوي الوجوه وتغشي من يَدُبُّ من السَيّارةِ حتى اسْتَطالتْ أذْنابُّ الكلاب وقُكّتْ عُقدُها لشدّة القيضِ وَوَهنِ الايضِ . فكانت هذه البطون والأفخاذ من البشر والحيوان ما أن تحلُّ بوادٍ آمنٍ او بواحةٍ خضراء في تلك الأرضِ الدّهناء فَيقْطُنونَ في المكان نهارهمْ كي يستعيدوا عافيتهم بجرعاتٍ بسيطة من الماءِ , ويدفنونَ من قضى نحبه أثناء ترحالهم بمقابرَ وبامكنةٍ معلومةٍ لديهم إيماناً منهم بالعودةِ يوماً اليها حين تضعُ الحربُ أوزارها .
فكان من بقي من الإحياء يتذاكرُ مع زَوجهِ او رفيق دربهِ عن عدد ما تبقى من عائلتهِ او فصيلتهِ فترى الاطمئنانَ والفرحَ الغامر على وجوه البعض لاكتمالِ النصابِ والحزن والثبور عند البعض الأخرَ لفقدان احد أفراد العائلة الذي تاه في الأرض ولم يلحق بالقافلة او مات , ولقد كانت عائلة الضَّيْون ((ذكر القط) ويدعى غزوان الحبشي وزوجته امُّ الوليد السيامية ((أنثى القط)) ومعهم أولادهم من الهررةِ قد أرخى عليهم الليل سدولهُ و قد نزلوا منزلاً قصياً بعيداً عن أعينِ النُظّاّرةِ ليستريحوا ويأكلوا ما بقي من خَشَاشِ الأرض, حتى لاحَ أديمُ النهارِ ببزوغِ أولى خيوطِ أشعة الشمس الذهبية الحزينة إيذاناً منها لبدءِ يومٍ جديد من الترحال نحو دهاليزالمجهول.
أخذ الزوجين التعيسين ينظر احدهما إلى الأخر بوجُوم , أعادوا العد والفرز لااولادهم مراراً وتكراراً , ولكن يبدو أن قطاً شقياً قد تاه خارج السرب , أين هذا الصغير أيتها السيامية الحمقاء؟
قالها غزوان لزوجته امّ الوليد وقد أخذت شارباه بالاهتزاز حنقاً وعيناهُ بالاحمرار وأذناهُ بالتحرك سويةً على غير عادته
وما أدراني ؟ فلقد كنتُ أعضُّ على اثنين منهم أثناء المسير من رقبتهما وكنتَ أنت تعضّ على الثلاثة اللذين بقوا كما اتفقنا .... قالت ام الوليد وهي ترتجفُ وقد عضّتْ على نهاية ذيلها ,
غزوان: أيتها السيامية الغبيه انه حبشي((شمران)) الذي يشبهني قد نسيناه ؟ نعم هذا الهر الشقي ذو العينين الشاذتين , لطالما خَشيتُ عليه من شقاوته, كيف ؟ كيف نسيناه ؟ سَتَتَهشّمُ أضلاعه تحت أقدام المتحاربين ؟ من سيلمحه وسط أتون المعركه؟ ياويلنا
أخذ المهاجرون بالتهيؤ للمسير وشدِّ الرحال غير آبهين لعائلة ِالهرِّ غزوان وَحَرَمهُ ام الوليد وما حلَّ بهم من ضَيم واحزان من فقدهم القط شمران , وهنا التفت الضيون غزوان لزوجنه قائلا:
ساعود اليه.... وانت واصلي المسيرمعهم وسالحق بكم عاجلا
بكت ام الوليد على فقيدها الحبيب شمران حتى اغرورقت عيناها بالدموع واطرقت براسها حزناًعلى فقدان وطيد الامل وما سَيحلُّ ببعلها الحَنبَل
رسم غزوان قبلةً على خدّ ام الوليد بعجالة والتفت إلى من بقي من الهرتين وعلّمهم كيف يَعضُّ الكبير منهم ويُمسِك برقبة أخيه الصغير ليحمله أثناء رحلتهم المضنية هذه وبعدها همس باذنه مواءاً حزينا ًغير مسموع
عادت ام الوليد مرة اخرى لتعضّ ذيلها قبل ان تقوم بحمل الهرتين الصغيرتين لمواصلة السير مع الركب , بينما اخذ غزوان بالابتعاد عنها شيئاً فشيئا , حتى اختفى واصبح خلف نقطة التلاشي حيث لا يُرى

من اقوال كليله ودمنه المأثوره:
((وحدهم أصحاب الضمائر الميتة يصنعون أبواقاً الحروب ))
هشام الطائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس