الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحدة الوطنية .. أو الضياع

بدر الدين شنن

2015 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عندما انطلق ما سمي " الربيع العربي " في تونس في أوائل 2011 ، استبشر المهمشون والمحرومون ، ونخب سياسية وثقافية وإعلامية تقدمية ، وأجمعوا ، على أنه نهوض شعبي ، للتخلص من الديكتاتور المزمن " زين العابدين بن علي " . ولما زحف هذا الربيع بعد أسابيع إلى ليبيا ومصر ، تعزز هذا الاستبشار ، أملاً ، بسقوط " معمر القذافي " المدان بالمعايير الديمقراطية ، وبسقوط حكم " حسني مبارك المدان بهذه المعايير أيضاً . وبات هذا الربيع وعداً قيد الإنجاز لانتشار الحرية والديمقراطية في البلدان العربية . وحين تحرك الشارع السوري واليمني بعد فترة وجيزة ، حسم الأمر ، وصح القول في رأيهم ، على أنها " الثورة " بكل تأكيد .

وتحولت فناة الجزيرة القطرية ، إلى صوت " للحرية " . وانفجر الإعلام الغربي والعربي ، صاخباً ، داعماً لهذا " الثورات " ومحرضاً للانخراط فيها .. ولانتصارها .
هرب " زين العابدين بن علي " واستقر في المملكة العربية السعودية . وتنحى " حسني مبارك " وأودع السجن . وقصف داعمو " الثورة في اليمن " علي عبد الله صالح " بالصواريخ وهو يسجد لرب الكعبة .
" الثورة " في سوريا ، أعلنت عن حضورها الاحتجاجي في الشارع ، ثم اشتبكت مع قوات الأمن بالرصاص .

في خضم هذا الصخب " الثوري " المفاجئ.. المتوالي .. بأوقات متلاحقة سريعة .. من بلد عربي جمهوري .. إلى بلد عربي جمهوري آخر .. من شمال إفريقيا إلى المشرق العربي .. لم يحظ السؤال : " لماذا اختار صانعو " الربيع العربي " هذه البلدان فقط ، ولم يجعلوا بركاته ونسائمه تطال دول الممالك العائلية الخليجية ، وهي أولى به . فهي تعيش مرحلة ما قبل الدولة ، مقارنة بالبلدان التي حل فيها ربيعهم ، وبسلطات الملوك والأمراء والشيوخ القبلية . التي ليس فيها دستور أو قانون يستند إلى دستور ؟ .. لم يحظ بأي اهتمام سياسي وإعلامي إلاّ من ندر ؟ ..

لم يطل الوقت على بدء " الربيع العربي " المريب ، حتى بدأت الأقنعة تتساقط كاشفة الحقائق . فقد تبين أن قادة " الثورات الربيعية " هم : ( أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ، وأردوغان ووزير خارجيته أحمد أوغلو ، وساركوزي ووزير خارجيته آلا ن جوبيه ، والملك عبد الله ووزير خارجيته سعود الفيصل ، والظاهر الخفي بنيامين نتنياهو ، وتابعهم نبيل العربي ) . وكل هؤلاء معروفون ، ومعروفة مقاصدهم الاستعمارية الرجعية .

كما أن تداعي " الثورات " ساهم في كشف المزيد من الحقائق . فعندما لم تتمكن " الثورة " في ليبيا من جذب أكثرية الشعب الليبي إلى صفوفها ، ودعم مركزها في " بنغازي " ، استغاثت ، حسب توجيهات عليا ، بمجلس الأمن الدولي لنصرتها ، بذريعة إنقاذ الشعب الليبي من بطش " القذافي " ، والحيلولة دون مجزرة مؤكدة سينفذها الجيش الليبي . وتطوع " حلف الناتو " لإنقاذ " الثورة الليبية " من الديكتاتور ، وكانت مجزرة " الناتو " التي دمرت معظم الجيش الليبي ، وقتلت أكثر من مائة ألف ليبي ، ومنهم " معمر القذافي " .
وهكذا انتصرت " الثورة . وتحولت ليبيا ، إلى بؤرة ثابتة .. مصدرة ,, للإرهاب الدولي .
وانتهت " الثورة في تونس ، بدعم مالي وسياسي إعلامي خليجي ، بسيطرة حزب النهضة الإسلامي وشريكه منصف المرزوقي على تونس .
وحققت تداعيات " الثورة " في مصر " وسخاء المال الخليجي ، والإعلامي ، المناخ الانتخابي المبرمج مع الخارج ، ليتربع " محمد مرسي " والاخوان المسلمون على الحكم ، وليأتي بعده " عبد الفتاح السيسي " المدعوم من السعودية ودول خليجية .
وتنحى " علي عبد الله صالح " بعد محاولة اغتياله ، وعلاجه ، في المملكة السعودية ، وجاء " عبد ربه منصور هادي " خادم .. خادم الحرمين الشريفين .

التصعيد الفاضح لغايات ومخططات " ثورات الربيع العربي " هو ما جرى في العراق وفي سوريا خاصة .
طرح " الثوار " في بداية الأحداث السورية ، أن هدفهم هو إسقاط النظام ، ثم تراجعوا قليلاً ، وصار الهدف ، إسقاط بشار الأسد وبقاء مؤسسات الدولة التي كان يقودها .
ومع تدحرج كرة الدم في كل أرجاء سوريا .. وانتشار التدمير الهمجي ، للبنى التحتية .. والمؤسسات الصحية .. والتعليمية .. والعلمية .. ودور العبادة .. وتهجير .. وتشريد ملايين السوريين ، تبين أن ما يجري ليس له علاقة بالحرية والديمقراطية ، وإنما يستهدف الدولة السورية . إذ ليس من العقلانية ، والحرية ، بشيء ، أن تقوم أي " ثورة " بتدمير بلادها ، وقتل وتهجير مواطنيها ، فيما من واجبها ، الحرص على البلاد وحمايتها ، وتوفير الأمان والكرامة ، للشعب الذي تدعي أنها ثارت من أجل حريته ، ورغيفه ، ورقيه .

ولتحقيق التدمير على نطاق أوسع ، في ظروف تصدي الجيش السوري الوطني لها ، لم تعد قوى " الثورة " القائمة ، والمساعدات المتسربة من تركيا والأردن ولبنان ، عبر الحدود تكفي . فكان استنفار بؤر الإرهاب الدولي ، النائمة ، والمتحركة ، وجلبها ، بعشرات الآلاف إلى سوريا .

كان كل من يتحدث عن المسلحين القادمين من عشرات الدول ، يسميهم جماعات مسلحة . لكن ما اتضح أنهم جيوش ، هي بمثابة قوات برية للقوى الاستعمارية والرجعية الإقليمية ، التي تدير الحرب في سوريا . ومع تزايد الانغماس في الحرب ، وسيطرة " المجاهدين " الأجانب على قوى " الثورة " ، تلاشت عملياً فعاليات القوى المعارضة المسلحة ، وتلاشت شعارات " الحرية والديمقراطية " لتحل محلها الرايات السوداء ، التي تحمل عبارات مقدسة ، للتمويه على حقيقة أهداف المسلحين الملتحين الإرهابية المتوحشة .

ولعل الأهم فب هذا لالتباس ، هو انجرا الجميع تقريباً ، سياسياً ، وإعلامياً ، للحديث عن مشاريع إقليمية تتنافس في غمرة الحرب السورية ، وفي الحرب العراقية . أردوغان مثلاً يريد إعادة دولة الخلافة العثمانية المنقرضة ، وأداته " جيش الفتح " ومكوناته الإرهابية . المملكة السعودية تريد الحفاظ على دورها الإقليمي وتوسيعه ، وأداتها " القاعدة .. وداعش " إسرائيل تريد تفتيت سوريا والعراق ، لتبقى بمأمن ، والأقوى في المنطقة .
وقد تم بذلك تجاوز ، أن تركيا هي عضو في " حلف الناتو " ، والسعودية هي شريك بترولي ومالي ، وموالية ، منذ تأسيسها لأمريكا والغرب ، وإسرائيل هي مؤسسة أمريكية وغربية صهيونية ، وقطر محمية أمريكية بامتياز ، ففيها أهم قاعدة عسكرية أمريكية في آسيا وإفريقيا .
بمعنى أن كل منخرط في الحرب ضد سوريا ، هو تابع ، وخاضع ، للإدارة الأمريكية ، ولا يستطع التصرف بمسائل على مستوى الحرب ، إلاّ بموافقتها ، إن في الخطوط العامة .. أو في التفاصيل الحيوية . وأن الإدارة الأمريكية هي سيدة اللاعبين المعتدين في هذه الحرب . ما يؤكد على أن الحرب المفروضة على سوريا ، هي أكبر من طاقتها الذاتية ، وأن استهدافها ليس مقتصراً على ما هو داخل حدودها وحسب ، وإنما له أبعاده في الأزمة الدولية ، حيث تعمل الدول الكبرى ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، على إعادة رسم الخرائط العالمية ، الاقتصادية والسياسية ، والجيو سياسية .

لقد أعطت الحرب السورية في بدايتها ، أو هكذا ’أريد لها أن تعطي ، انطباعاً بأنها صراع داخلي ، تدخل فيه الجوار الإقليمي ، ومن ثم أثار الاهتمام الدولي . وصار بالمحصلة ذو أبعاد داخلية ، وإقليمية ، ودولية ، إلاّ أن المراقبين الموضوعيين ، أدركوا منذ البدايات ، أنها حرب دولية ، استخدمت فيها الدول الكبرى صاحبة مشروع الحرب ، مرتكزاتها الإقليمية ، وأدواتها الحربية اللوجستية مباشرة ، وزجت بأدواتها الإرهابية ، المجهزة ، والمكرسة ، والمجربة ، في حروبها الجديدة ، كبديل لجيوشها ، لاعتبارات متعددة .

وقد انعكس هذا غموضاً ، وفقداناً للسمت ، وللقدرة على الرؤية السليمة ، وعلى البنية الشعبية ، والطبقة السياسية ، وعلى تشكل قوى الحكم .. والمعارضة بأطيافها المتعددة . كما انعكس على بنية المفاهيم الوطنية ، والقيمية ، والأخلاقية ، عامة , وخسرت البلاد وحدتها . وأضافت بعضاً من قواها إلى القوى المعتدية على البلاد . وأصبحت مسألة إعادة اللحمة الشعبية ، ووحدة القوى الوطنية ، أزمة قائمة بذاتها . وصار كلما تعثرت اللحمة الشعبية ووحدة القوى الوطنية ، ازدادت القوى المعتدية قوة ، لأن ذلك يشكل عملية احتضان وإسناد لها .
ولذا فإن القوى الخارجية والإرهاب الدولي ، تخوض حربها المسلحة ضد الجيش السوري الوطني لتدميره ، وتخوض حربها السياسية ضد وحدة الشعب السوري لتمزيقه . وكلا الحربين تستهدفان الوجود السوري .

التطورات الميدانية الأخيرة ، تدل على استفحال التدخل الخارجي المعادي لسوريا . ففي تزامن ، وتنسيق ، واضحين ، تقوم تركيا بتفعيل قوى الإرهاب الدولي التي تحتضها في الشمال ، وتقع إدلب وجسر الشغور وأريحا تحت سيطرتها . وتضع مدينة حلب تحت التهديد بالاحتلال . وتقوم الأردن بالتواطؤ مع إسرائيل ، بتفعيل ودعم قوى الإرهاب الدولي التي تدعمها في الجنوب ، وتقع بصرى الشام وبلدات في درعا تحت سيطرتها ، متضمنة أن المعركة مفتوحة لاحتلال درعا ، والاتجاه إلى دمشق . داعش يتحرك بالتواطؤ مع التحالف الدولي ، من الأنبار في العراق ، إلى الداخل السوري ، ويسيطر على تدمر ، ويتوسع في البادية السورية نحو الحدود مع الأردن جنوباً ، ونحو مدينة الحسكة شرقاً .

وقد جعلت هذه التطورات أبصار الشعب السوري تتجه إلى حلفاء سوريا متسائلة ، هل سيتم تدخلهم المضاد ، لوقف ودحر الهجمة الإرهابية الجديدة ؟ .. ما يشي أن التدخل الخارجي العسكري المباشر ، صار أمراً مسلماً به .. ومسوغاً .. شعبياً .. ومعارضة .. وحكم .
وقد تداولت وسائل الإعلام أنباء دخول قوى عراقية وإيرانية إلى سوريا .. أو أنها ستدخل . للاشتراك مع الجيش السوري الوطني في الحرب ضد الإرهاب الدولي . ما سيؤدي إلى أن تصير سوريا ميدانياً ، ساحة حرب دولية أكثر فعالية ببدائل مسلحة ، قد تتطور إلى حرب جيوش دولية مباشرة .
وهنا يطرح السؤال المقلق إزاء الحضور العسكري الخارجي المتصاعد ، في كلا ضفتي الحرب : لمن سيكون القرار السياسي والعسكري .. وما مدى تأثير ذلك على السيادة السورية .. وعلى المصير السوري .

إن السؤال الملزم الإجابة عليه .. بالقلب .. والعقل .. والشرف .. هو : لو استطاعت الطبقة السياسية السورية ، قبل فوات الأوان ، أن تتلاقى ,, وتتحاور .. وتعالج بنجاح قضايا خلافاتها .. وطنياً .. وديمقراطياً .. هل كان جرى وما يجري الآن ، وإن جرى بفعل خارجي ، هل سيكون بهذا القدر من الدماء والآلام والخسائر ؟ .. وهل كنا .. سواء عن كان خطأ أو صواب .. نحتاج للأجنبي .. ونستجدي أو نتمنى تدخله لعله يساعدنا في حل قضايانا ؟ ..

لقد برهنت التجربة السورية الموجعة ، أن التشبث بحلول الإقصاء لا تفضي إلى حل سياسي مطابق ووقف الكارثة . وأن الحسم الدموي إن حصل ، يعمق الشرخ الوطني ، ويجدد الحرب في أية لحظة . والأجنبي يبحث عن مصالحه أولاً في أي جهة كان من ضفتي الحرب .
فقط .. الحل هو .. الوحدة الوطنية .. والتزام المسؤولية الوطنية أو الضياع .
إن تداعيات .. وآلام .. وكارثية الحرب مع الإرهاب الدولي ، تؤكد .. لكي نبقى شعباً .. ووطناً .. ينبغي أن نكون صفاً وطنياً واحداً ضد الإرهاب الدولي .. أو لا نكون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت