الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيميلوجيا الغياب

عبدالرزاق عبدالوهاب حسين

2015 / 6 / 6
الادب والفن


الغياب والاشارة
يقول دريدا، وهو يدفع بالنص إلى عرض طاقته التي تنبئ بمفارقاته وتناقضاته محيل بذلك إلى العوالم المخبوءة والعلاقات المغيبة التي لم يعلن عنها بعد، فمن مهام استراتيجية التفكيك النفاذ إلى عمق النص لاكتشاف علاقات (الغياب)، و(المسكوت عنه) والآثار المغيبة التي لا تحضر بوضوح في النص،سيما وأن القراءة المستعجلة كثيرا ما توحي بإمساكها بمدارات النص بينما تقوم عوالم النص العميقة بالعمل على إخفاء الدوال والآثار التي لا يتسنى لغير قراءة فاحصة تعتمد على التفكيك من اختراق وكشف تلك العوالم بتحرير الدوال والعلامة الخطية من القراءات التبسيطية أو الجاهزة المتسرعة، لأن «مصطلح علامة Signe لم يوضح إلا نادرا وبشكل هزيل من قبل الفلسفة،واللسانيات والسيميولوجيا».
أن النص يمتلك معنى ما وقد يكون لايمتلك الا متوالية لانهائية من الاختلافات لاكتشاف أو اقتفاء أثر حقيقة معينة .. لذا غالبا ماتقع اشكالية النفاذ الى دلالات النص في الغياب المعرفي او العماء المؤقت الذي يصيب وعي القاريء اذ لم تعد الكتابة شكلا ترفيا بل غالبا ماتتشكل وفقا لمنظومات معرفية مهمة لذا ان الغوص في تلك المتسعة المعرفية يحتاج ولاشك وعيا معرفيا تكامليا وذلك ما نفقده في شرقنا على الاعم الاغلب فالقاريء طراز خاص من الاستسهال اصيب بعقدة المعنى السطحية وشلل تحدد الوعي وغالبا ماتنعكس مسلمات حاجاته على المعنى الافتراضي للنص الذي يعوضه عما يريد فمثلا ان النصوص المركبة المعنى او الصور العنقودية غالبا ماتعطي انعطافا نفسيا في تأويل القاريء دون الالتفات الى معطياتها الدلالية ويعمق ذلك الاستسهال النزعة الشعرية في العقل العربي وانغلاقه على مستوى احادي النزعة في اغلب موروثاته الفكرية والتي لاتتعدى القياس المنطقي ؛ ومن ثم سيادة نسق سلوكي واجتماعي مشترك، و هو ما أسماه دور كايم بالجبر الاجتماعي حيث ينشأ الفرد بالشكل الذي يقتضيه مجتمعه بشكل يجعله عاجزاً عن الخروج عن رؤى وتصورات ومعتقدات هذا المجتمع، أي طغيان العقل بالملكة - المعقولات بالفطرة والطبع على العقل الفلسفي الفعّال ومن ثم غياب الإبداع لصالح النمط الواحد. وفقا لأمكاناته الثقافية او تدرج وعيه الثقافي في امكانات بسيطة لاتصل الى اي مدرك يشائه للتعويض عن رسم مديات المعنى او استنطاق دلالات معرفة النص على افتراض ان مايعلنه النص تعويض عام لمقترح المعنى وفقا لأطره المعرفية في تعينه الابداعي ابتداءا بالحامل اي اللغة وانتهاءا بصيرورته الفكرية والجمالية ولعل من المستغرب ان الامكانات الغائبة في تحديد بداية الانقلاب الفكري لدى العالم العربي له مسببات عاتية مضطهدة لاتبرح الخوف مما هو غائب مسستتر تقديره القدرة السماوية والنص المسطور في تركيبة العقل العربي دون غيره وأن فوبيا الجديد والمجهول هي من اهم عوامل تحنيطه تأريخيا وجعل المدرك المغيب رهين توالد التأريخ الغابر لمسلمات جبرية وقدرية و لعل في هذا إشارة إلى تنمّر و إيغال في الانكفاء لدرجة رفض الاشتغال العقلي حتى على أرضية مشتركة. مع الاخر المعرفي ويعز البعض كل ذلك الى مجمل مسببات قد يكون اهمها .
1 -- تحرّك المفكرين العرب من إطار ثقافي اجتماعي نسقي - من حيث لا يشعرون- حجبهم عن الاشتغال العقلي الفلسفي بمفهومه الدقيق.
2 - تورّع البعض عن الخوض فيما قد يتقاطع سلباً مع إيمانهم كما يعتقدون، نظراً للطبيعة العربية المتدينة حيث رأينا أن هناك من سعى منهم لأسلمة بعض النظريات الفلسفية.
3 - تحوّط البعض لأنفسهم نأياً عن السخط الاجتماعي النسقي أو الأيدولوجي النقلي ..
لذا حين نعتقد اننا ملزمون بالتواصل مع العقل الانساني بشكل كبير ومباشر علينا ان نقيم المنطقة التنويرية للعقل العربي المصادر تأريخيا وتحديد ملامح وجودنا الفكري والانطلاق به حيث العصرنة والتشكل الفكري الجديد فغالبا ماتتلاشى احتمالات وقوعنا في الحاضر الممتلأ اشكالويا ونحن بصدد ترجمة افكار الامس او تشويهها بالطريقة التي تلائم احباطنا من المجهول والغائب ولربما ان الايمان بالمعنى الحرفي للغياب هو مايحيلنا غياب مطلق في عالم الوجود.
طالما ان اطار الغياب في مسودة العقل البشري العربي تحديدا هو مالايدرك ولامسبب لمعنى وجوده سوى العدم التام الذي لاينتج صورة ذهنية من نوع ما حال وقوعه لذا ما لايمكن اطلاقه يمكن استنتاج مسببات وجوده بالتعامل مع نقائضه للتوصل الى الدلالة المعرفية الاولى لذلك السبب اوالدخول في عالم من الاستنتاجات او البديهيات اوالتعين الصوري مما هو موجود اصلا في خزائن موروثاتنا الموشوهة المستمدة من تعاليم مقننة ولايمكن تجاوز قدسية انوجادها او اصل وجودها لغة لالغائها وبناء بديلها الجديد تحت حتمية الوجود المبتكر او المبدع (النص) اي ان اصل هزيمة اللغة المقدسة في اصل تكوين النص عربيا لم يحدث ولم يطرأ فعل الاحتكاك بها خارج المعاني والمسودات فقد حلت اللغة محل الكلام ولم يميز بينهما ولم تعتبر حاملا لنص ما او قياسا لأي كلام نفسي او تركيبا قياسيا للمعاني والصور فقد كانت ولازالت مقدسة سمجة تطيل النظر بمركباتها ولاتتجاوزها على اي من مستويات التفكر والابداع داخل وخارج النص المعرفي والجمالي .. لذا رب هذه الصحوة الخجولة والمتأخرة لتعريتها اولا والخروج عليها مما لحق بها من عنف قسري لتحديد المعاني والمدلولات البائدة اصبح من الواجب للتخلص من الجمود والركود الكتابي المنتج على مسودات صفراء حل بها دليل الغياب والى الابد ...
ان محاولة تحقيق هذا الهدف بإرساء الأسس أو المذاهب القائمة علي البديهيات أو الحقائق البديهية الموجودة خارج اللغة وقد وصف دريدا مواصلة اعتساف هذاالطريق بأنه عبث لا طائل من ورائه، وبأنه تعبير عن الحنين إلي ماضي من اليقين الزائف .[1]فأن ماتجمعه اللغة من تراكمات لفظية لتشكيل جسدها في خضم المعاني والتركيبات هو دليل وجودها الدائم وحصر تركتها وتصنيفه بشكل دائم هو نتاج العقل المبدع الذي يتحرك وفقا لمعطى يجيز انحلالها فيه عنصرا عنصرا لتحميله بالالتحام والتواشج والذوبان كأي مركب كيميائي . فالكتابة كيمياء وتحليل الكتابة عملية مختبرية دقيقة لتفكيك عناصر تلك الكيمياء واكتشاف اصول وجودها المبدع ودون تلك العمليتين لايمكن التحرر مما يحل بالعمل الكتابي ايان كانت تسميته او عنوانه
فالتفكيك هو فك الارتباط بمعناه المتداول,أو اللغة وكل ما يقع خارجها,أي إنكار قدرة اللغة على أن تحيلنا إلي أي شئ أو إلى أي ظاهرة إحالة موثوقا بها، وعندما ننظر في معناها الفلسفي خصوصا في إطار مدرسة التحليل اللغوي الفلسفية الإنجليزية والتي عرفناها من خلال مناهج برتراند رسل وفتجنشتاين و جلبرت رايل وإير وغيرهم ممن قدمهم إلي قراء العربية زكي نجيب محمود وعزمي إسلام. ان ماحول مجرى التفكير عموما هو الانقلاب الحقيقي على تصنيم اللغة وتفكيك قدسية متلازمة المعنى العام والتمرد على كل انكار لايثبت وقطع لايصل وتفكيك لايربط إلا في حدود اللغة نفسها، ومن النص إلى النص ,بل إن مذهبها الأساسي ألا وهو استحالة إثبات معني متماسك لنص ما.هكذا تحول الفكر الجديد لبدأ رؤية جديدة خلخلت ثوابت تقييد العزل المعرفي للمزدوجات الفكرية والتعامل مع نقائضها في ان واحد حتى يبدأ دريدا نقده للوصول بالطرق التقليدية إلى حل لمشكلة الإحالة,أي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى شئ ما خارجه فهو ينكر أن اللغة منزل الوجود ومعنى منزل الوجود في نظره الطاقة علي سد الفجوة بين الثقافة التي صنعها الإنسان والطبيعة التي صنعها الله,أي أن اللغة لن تصبح أبدا نافذة شفافة على العالم كما هو في حقيقته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في