الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2015 / 6 / 6
سيرة ذاتية


ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة ..
عاد أخي الى البيت نهاية الأسبوع ، وقد أحضر معه ثلاثة البومات ضخمة ، غطاؤها من المخمل الأحمر وغلافها من الورق المقوى ، أما أوراقها فهي من الورق الصقيل والثخين . لقد كانت هذه الالبومات المليئة بالصور وبعض الشروحات ، هي البومات تُخلّد النصر الإسرائيلي في "حرب" الأيام الستة ، كما تُطلقُ عليها إسرائيل ، أو نكسة حزيران ، هزيمة ال-67 ،أو النكسة ، هكذا إختصارا . فبعد عام النكبة ، جاءت سنة النكسة ..
وأخي يوسف هذا ، كان يكبرني بسنتين فقط ، ولم يكن أخي فحسب ، بل كان صديقي والمُدافع عني أيضا .. وكنتُ بالمُقابل "أُشعره" بالفخار بين ابناء صفه الذين يكبرونني بصفين دراسيين . وذلك عندما يدعوني أُستاذ العربية أو الإنجليزية لصفهم ، لكتابة كلمة بالإنجليزية أو شرح بيت شعر أمام طلاب صف أخي يوسف ، بعد أن يكونوا عجزوا عن ذلك ..فيقوم الاستاذ صلاح بإستدعائي (دون ان يكون لدي عِلم عن سبب دعوته ) لكتابة كلمة بالانجليزية ، تُنطقُ ليس كما تُكتب .
وبعد ان اكون قد كتبتُ الكلمة بشكل صحيح ، يقوم الاستاذ بالإطراء وبتوبيخ طلاب الصف ، ومن ضمنهم أخي ، الذي يشعر بالفخار رغم التوبيخ والتقريع ..
وكُلما أتذكر هذه النهفات وتلك الشذرات من حياتي الماضية والتي شاركني حلوها ومُرها أخي يوسف ، أشعر بغصة وضيق في الصدر .. فأخي هذا توفي في حادث طرق ولما يبلغ العقد الثالث ..تاركا وراءه ارملا واربعة اطفال .. وقبل ايام معدودة ، تم عقد قران أحد أحفاده ..فكم هي الأيام عجلى ...
ما علينا أخي يوسف ، انضم لسوق العمالة في سن مبكرة ، ومرّة اثناء مروره بالمحطة المركزية في تل ابيب في طريق عودته الى القرية ، أوقفه شاب وصبيتان وعرضا عليه شراء هذا الالبوم ..
أحسّ بالحرج ، فحال مواطني اسرائيل العرب ، أنقلب رأسا على عقب بعد هزيمة ال 67 ، فقد شعروا هم ايضا بأنهم مهزومون ..
ما علينا ، وللتخلص من هذا الوضع المحرج ، "وافق " أخي يوسف على شراء هذه الألبومات التي لم يكن على علم دقيق بفحواها ..خاصة وأن ثمنها الباهظ في حينه سيتم سداده بأقساط شهرية ..!!
لقد حَوَت هذه الألبومات صورا "مُهينة " كثيرة ، كأكوام الأحذية العسكرية التي "تخّلى " عنها جنود الجيش المصري ، وصور مئات الأسرى الحفاة ، وجنود يستجدون قطرة ماء ... وفي المقابل صور جنود وضباط جيش الدفاع الاسرائيلي ، يرفعون علمهم فوق مبانِ في سيناء ، الضفة الغربية والجولان ، وشيوخ يرفعون الأعلام البيضاء ...... ونشوة نصرِ كبير ... وهزيمة مُرّةِ كالعلقم .
وكانت هذه الألبومات في مكتبتي وفي غرفتي التي خصصها أخٌ كبير لي لأسكنها .وهي في بيته الذي يتكون من غرفتين فقط . وعدا عن كونها غرفة نومي ، ومكتبتي فهذه الغرفة كانت غرفة الضيوف ايضا، استقبلتُ فيها اصدقائي واستقبل فيها اخي ضيوفه ، واستضافت لاحقا اقاربنا الذين قدموا لزيارتنا من الضفة الغربية والاردن ، بعد أن لمّت نكسة ال-67 ،شملَنا ..
وشاهدَ هذه الالبومات حشدٌ كبير من الناس ، وكان أن ساهمت في "تذويت " فكرة الجيش الذي لا يُقهر في نفوس الجميع ..
لم تحوِ هذه الالبومات بطبيعة الحال ، صورةً قد يُفهم منها أي تشويه أو مسٍّ بصورة الجيش الأكثر أخلاقية في التاريخ .. فهي صورٌ تخلد المنتصر الرحيم ، وتصور بؤس المهزوم الذي يفرُ من ارض المعركة حافيا عاريا ، إلا ممّا يستر العورة .
لقد كان ذلك قبل 48 عاما ، وفي هذا العام تشابكت الارقام والهزائم ... ففي هذه السنة احتفلت اسرائيل بعيد إستقلالها ال -67 ، لنستذكر هزيمة ال- 67 ، والتي يمر عليها هذا العام 48، عاما ، لتُذكرنا بنكبة ال- 48 ...!! ال-48 تُذكرنا بال- 67 ، وال67 تذكرنا بال- 48 ..!!
كُنتُ حينها في الصف الخامس الإبتدائي ، وكان يوما من ايام الاسبوع العادية ، ذهبنا الى المدرسة صبيحة ذلك اليوم ، وما هي الا ساعات بسيطة حتى انقلبت المدرسة رأساً على عقب ، وصراخ المعلمين يتعالى ، وأحدهم يشتم ويسب بأعلى صوته ... فغالبية المعلمين من قرى بعيدة عن قريتنا ، يأتون يوميا قاطعين عشرات الكيلومترات للتدريس في مدرستنا الإبتدائية ..
اصابهم رعبٌ شديد وهم يتوقعون "القصف الجوي العربي " ، كما سمعوا به عبر الإذاعات ... وما زال الناطق الرسمي العربي يُصدر البيانات التي تحتسب عدد الطائرات الاسرائيلية التي تم إسقاطها ...
أعادونا إلى بيوتنا ، جلسنا نترقب .. لكن اصوات الحرب تبتعد حتى لم تعد تُسمع .. وابي لم يُصلِّ ، لا هو ولا صديقه في يوم الخامس من حزيران ، بعد ان لم ينقطع عن تأدية الصلوات في اوقاتها لخمسة عقود متتالية !
ولم تمضِ سوى شهور حتى حصل بعض المقربين على تصاريح لزيارة الاقارب في الضفة الغربية ، حضر بعض الفلسطينيين "بشكل غير شرعي " للزيارة ، بعد أن قطعوا الحدود التي لم يعد لها وجود ..
وهكذا كانت زيارتي الأولى لخالاتي في مخيم لاجئين .. قطعت الحدود بدون تصريح ، وركبتُ الباص من قرية فلسطينية قريبة من قريتنا بمعية والدي ودخلنا جنين .. وزرتُ خالاتي .. وزار ابي اصدقائه ..!!
قد يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت