الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
2015 / 6 / 6
سيرة ذاتية
![](https://ahewar.net/Upload/user/images/9b5178e0-3077-454f-a4af-40d6a8dba1f5.jpg)
ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة ..
عاد أخي الى البيت نهاية الأسبوع ، وقد أحضر معه ثلاثة البومات ضخمة ، غطاؤها من المخمل الأحمر وغلافها من الورق المقوى ، أما أوراقها فهي من الورق الصقيل والثخين . لقد كانت هذه الالبومات المليئة بالصور وبعض الشروحات ، هي البومات تُخلّد النصر الإسرائيلي في "حرب" الأيام الستة ، كما تُطلقُ عليها إسرائيل ، أو نكسة حزيران ، هزيمة ال-67 ،أو النكسة ، هكذا إختصارا . فبعد عام النكبة ، جاءت سنة النكسة ..
وأخي يوسف هذا ، كان يكبرني بسنتين فقط ، ولم يكن أخي فحسب ، بل كان صديقي والمُدافع عني أيضا .. وكنتُ بالمُقابل "أُشعره" بالفخار بين ابناء صفه الذين يكبرونني بصفين دراسيين . وذلك عندما يدعوني أُستاذ العربية أو الإنجليزية لصفهم ، لكتابة كلمة بالإنجليزية أو شرح بيت شعر أمام طلاب صف أخي يوسف ، بعد أن يكونوا عجزوا عن ذلك ..فيقوم الاستاذ صلاح بإستدعائي (دون ان يكون لدي عِلم عن سبب دعوته ) لكتابة كلمة بالانجليزية ، تُنطقُ ليس كما تُكتب .
وبعد ان اكون قد كتبتُ الكلمة بشكل صحيح ، يقوم الاستاذ بالإطراء وبتوبيخ طلاب الصف ، ومن ضمنهم أخي ، الذي يشعر بالفخار رغم التوبيخ والتقريع ..
وكُلما أتذكر هذه النهفات وتلك الشذرات من حياتي الماضية والتي شاركني حلوها ومُرها أخي يوسف ، أشعر بغصة وضيق في الصدر .. فأخي هذا توفي في حادث طرق ولما يبلغ العقد الثالث ..تاركا وراءه ارملا واربعة اطفال .. وقبل ايام معدودة ، تم عقد قران أحد أحفاده ..فكم هي الأيام عجلى ...
ما علينا أخي يوسف ، انضم لسوق العمالة في سن مبكرة ، ومرّة اثناء مروره بالمحطة المركزية في تل ابيب في طريق عودته الى القرية ، أوقفه شاب وصبيتان وعرضا عليه شراء هذا الالبوم ..
أحسّ بالحرج ، فحال مواطني اسرائيل العرب ، أنقلب رأسا على عقب بعد هزيمة ال 67 ، فقد شعروا هم ايضا بأنهم مهزومون ..
ما علينا ، وللتخلص من هذا الوضع المحرج ، "وافق " أخي يوسف على شراء هذه الألبومات التي لم يكن على علم دقيق بفحواها ..خاصة وأن ثمنها الباهظ في حينه سيتم سداده بأقساط شهرية ..!!
لقد حَوَت هذه الألبومات صورا "مُهينة " كثيرة ، كأكوام الأحذية العسكرية التي "تخّلى " عنها جنود الجيش المصري ، وصور مئات الأسرى الحفاة ، وجنود يستجدون قطرة ماء ... وفي المقابل صور جنود وضباط جيش الدفاع الاسرائيلي ، يرفعون علمهم فوق مبانِ في سيناء ، الضفة الغربية والجولان ، وشيوخ يرفعون الأعلام البيضاء ...... ونشوة نصرِ كبير ... وهزيمة مُرّةِ كالعلقم .
وكانت هذه الألبومات في مكتبتي وفي غرفتي التي خصصها أخٌ كبير لي لأسكنها .وهي في بيته الذي يتكون من غرفتين فقط . وعدا عن كونها غرفة نومي ، ومكتبتي فهذه الغرفة كانت غرفة الضيوف ايضا، استقبلتُ فيها اصدقائي واستقبل فيها اخي ضيوفه ، واستضافت لاحقا اقاربنا الذين قدموا لزيارتنا من الضفة الغربية والاردن ، بعد أن لمّت نكسة ال-67 ،شملَنا ..
وشاهدَ هذه الالبومات حشدٌ كبير من الناس ، وكان أن ساهمت في "تذويت " فكرة الجيش الذي لا يُقهر في نفوس الجميع ..
لم تحوِ هذه الالبومات بطبيعة الحال ، صورةً قد يُفهم منها أي تشويه أو مسٍّ بصورة الجيش الأكثر أخلاقية في التاريخ .. فهي صورٌ تخلد المنتصر الرحيم ، وتصور بؤس المهزوم الذي يفرُ من ارض المعركة حافيا عاريا ، إلا ممّا يستر العورة .
لقد كان ذلك قبل 48 عاما ، وفي هذا العام تشابكت الارقام والهزائم ... ففي هذه السنة احتفلت اسرائيل بعيد إستقلالها ال -67 ، لنستذكر هزيمة ال- 67 ، والتي يمر عليها هذا العام 48، عاما ، لتُذكرنا بنكبة ال- 48 ...!! ال-48 تُذكرنا بال- 67 ، وال67 تذكرنا بال- 48 ..!!
كُنتُ حينها في الصف الخامس الإبتدائي ، وكان يوما من ايام الاسبوع العادية ، ذهبنا الى المدرسة صبيحة ذلك اليوم ، وما هي الا ساعات بسيطة حتى انقلبت المدرسة رأساً على عقب ، وصراخ المعلمين يتعالى ، وأحدهم يشتم ويسب بأعلى صوته ... فغالبية المعلمين من قرى بعيدة عن قريتنا ، يأتون يوميا قاطعين عشرات الكيلومترات للتدريس في مدرستنا الإبتدائية ..
اصابهم رعبٌ شديد وهم يتوقعون "القصف الجوي العربي " ، كما سمعوا به عبر الإذاعات ... وما زال الناطق الرسمي العربي يُصدر البيانات التي تحتسب عدد الطائرات الاسرائيلية التي تم إسقاطها ...
أعادونا إلى بيوتنا ، جلسنا نترقب .. لكن اصوات الحرب تبتعد حتى لم تعد تُسمع .. وابي لم يُصلِّ ، لا هو ولا صديقه في يوم الخامس من حزيران ، بعد ان لم ينقطع عن تأدية الصلوات في اوقاتها لخمسة عقود متتالية !
ولم تمضِ سوى شهور حتى حصل بعض المقربين على تصاريح لزيارة الاقارب في الضفة الغربية ، حضر بعض الفلسطينيين "بشكل غير شرعي " للزيارة ، بعد أن قطعوا الحدود التي لم يعد لها وجود ..
وهكذا كانت زيارتي الأولى لخالاتي في مخيم لاجئين .. قطعت الحدود بدون تصريح ، وركبتُ الباص من قرية فلسطينية قريبة من قريتنا بمعية والدي ودخلنا جنين .. وزرتُ خالاتي .. وزار ابي اصدقائه ..!!
قد يتبع ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024
![](https://i4.ytimg.com/vi/SEWgg-ANWco/default.jpg)
.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب
![](https://i4.ytimg.com/vi/df5P5VEOkIo/default.jpg)
.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار
![](https://i4.ytimg.com/vi/jlLWSIFPgog/default.jpg)
.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا
![](https://i4.ytimg.com/vi/HbYQpEe_jlc/default.jpg)
.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت
![](https://i4.ytimg.com/vi/fxBDLUzNbBo/default.jpg)