الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين نماذج النمو ودراسات العدالة

محمد خضر خزعلي

2015 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ما زال الجدل مستمرا _ولن ينتهي_ حول اتجاهين فكريين ، الاول وهو اتجاه مدرسة الاقتصاد الكلي ، والتي تفترض ان النمو الاقتصادي سيعود بالفائدة على كل مجتمع ، من منطلق فكرة اساسية في النظرية تجتر بشكل او بآخر فروض ادم سميث في كتابه ثروة الامم ، وهي ، ان ميل الاغنياء للاستثمار وخلق الثروة ودفع النمو الاقتصادي يتزامن بتسرب المنفعة منهم الى الفقراء ، من خلال التشغيل والتوظيف والعمل والبناء وتخليق الانتاج عموما ، وهو ما ينطوي على تقليل نسب البطالة والفقر ، ورفع مستوى معيشة المجتمع ككل ، وتشترط هذه النظرية شرطا لبلوغ هذا الهدف ، وهو تبني نظام السوق بدلا عن الاقتصاد الموجه من ناحية ، وفتح المجال لمزيد من الترابط عبر تخفيض الضرائب ورفع الحواجز امام النشاطات الاقتصادية ، وعلى ذلك يتحقق النمو وتعود منافعه على المجتمع عموما ، ويرافق ذلك فتح الباب على مصراعيه امام التنافسية الامر الذي يؤدي الى رفع الثروة الى حدها الاقصى.
المدرسة الثانية وهي مدرسة العدالة او اعادة توزيع الدخل وممثلها على الصعيد الفلسفي جون رولز من خلال تنظيراته المختلفة ، اهمها العدالة كإنصاف ، بينما ابرز ممثلي هذه المدرسة على الصعيد العلمي هو الفرنسي توماس بينكتي وايمانويل فالرشتاين على سبيل المثال لا الحصر.
يتمثل النقد الاساسي الذي يقدمه رولز لمبدأ الاستحقاق كما هو عند روبرت نوزيك ، في ان السبب الاساسي للتفاوت الاجتماعي هو عدم عدالة الشروط الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع ، وهي التي تؤدي الى تراكم الثروة وتركيزها بيد قلة قليلة ، وليس السبب الاساسي المواهب الطبيعية كما يفترض مبدأ الاستحقاق الذي ينطوي على خلق فروق بين البشر.
توماس بينيكتي يؤكد اقتصاديا ورياضيا عبر المراجعة التاريخية الى ان صحة فروض مبدأ الاستحقاق في حدودها الدنيا ، وانما الاهمية الكبرى تكمن في الشروط الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية ، حيث وجد بينيكتي ان معدل الربح في رأسمال يسير بتفوق على معدل النمو الاقتصادي ، اي وبلغة اخرى ، يهدم بينيكتي فروض مدرسة النمو والاقتصاد الكلي والتي تفترض ان النظام السوقي والسوق المنفلت من اي قيود على دينامياته ، ستؤدي في النهاية الى نمو اقتصادي يشمل الجميع ، لأن قانون التساقط الذي يفترض ان معدلات الاستفادة من النمو الاقتصادي تتناسب عكسيا مع معدل حجم الدخل ، وهنا فإن الهوة بين الفقراء والاغنياء ستتقلص مع مرور الزمن ، بينما الذي وجده بينكتي عكس هذا الافتراض تماما ، حيث يزداد الاغنياء غنى والفقراء فقرا ، اي تزايد تركز الثروة بيد الاغنياء ، فاتجاه معدلات الارباح لزيادة بصورة اعلى من معدل النمو تقود الى هذه النتيجة.
النقطة الثانية لفرضية توماس بيكيتي والمرتبطة عضويا بالفرضية الاولى هي:ان ازدياد الاغنياء غنى والفقراء فقرا ليس قضية ومشكلة في العدالة التوزيعية للثروة فقط ، انما هي مشكلة انتاج بالضرورة ، ويركز توماس على مشكلة الانتاج الناتجة عن عدم العدالة التوزيعية للثروة ، ويتوقع انهيار النظام الرأسمالي في المستقبل القريب بسبب مشكلة الانتاج. فالنظام الرأسمالي العالمي قائم اساسا على تصريف ما ينتجه من خدمات وسلع ، لتكتمل الدورة الاقتصادية ويعود الربح والنفع على الجميع ، لكن الاتجاه المتزايد لتركيز الثروة بيد القلة واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء ستؤدي حتما الى مشكلة في الانتاج ، لان هناك علاقة طردية بين ارتفاع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وارتفاع عدم القدرة الشرائية للمجتمع ، فالقدرة الشرائية تتجه نحو الانخفاض مع مرور الزمن ، بينما القادر على الشراء هي شريحة القلة الاثرياء الذين يزدادون ثراء ، ينما المستهلكين المتبقيين وهم الاكثر بدرجات شاسعة سيصل بهم الامر الى فقدان اي قوة شرائية للمنتجات ، وهنا ، فإن الامر يعني ببساطة ...الكساد ، اي فائض في الانتاج وغائض في الاستهلاك.
ما يدلل على ذلك اي اتساع الفجوة عالميا بين الفقراء والاغنياء ما اشار اليه تقرير الثروات العالمي عام 2014 ، حيث يملك 0.7 ، اي اقل من 1% من سكان العالم يملكون 44% من الثروة العالمية ، بينما في السابق كان يملك حوالي 20% من سكان العالم حوالي 80% من الثروة العالمية.
القضية الضمنية في هكذا وضع تبين زيف الليبرالية في فصلها ما بين السياسي والاقتصادي ، كما تبين عدم صحة المنظور القومي من ان السياسي يقود الاقتصادي ، في حين يوفر هذا الوضع مصداقية اكبر للماركسية عندما افترضت ان الاقتصادي يقود السياسي ، فالخطر يكمن اساسا ليس في مدى الفوضى والاضطراب العالمي والحروب بقدر ما يمس جوهر النظام الديمقراطي اساسا ، فسيطرة قلة قليلة على الاقتصاد يؤهلها الى الصوغ السياسة ، لأن الاقتصاد يمهد الطريق الى انتقال هذه القلة الى دوائر السلطة ، وحكم مبدأ الربح يؤدي الى تقويض النظام الديمقراطي من خلال ابتلاع هذه القلة لقيمة منظومة الحريات ومنظومة السياسية والمدنية ، اثناء استخدام هذه القلة الغنية لمزاياها الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تساؤلات داخل إسرائيل حول التحول بالموقف الدولي ضدها بعد اعتر


.. نتنياهو: اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطينية -مكافأة للإرهاب-




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تناقش اعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين تنشر مشاهد تظهر لحظة أسر مجندا




.. مظاهرة في القدس لعائلات جنود الاحتلال القتلى في معارك غزة